قتال الحزب تراجعي

بقلم راشد فايد*

كل تحركات مناصري “حركة أمل” و”حزب الله” منذ “غزوهم” الأول لساحتي “رياض الصلح” و”الشهداء”، إلى اعتدائهم الأخير على جسر”الرينغ”، وبينهما الكثير من “صراخهم” المادي كإحراق قبضة الثورة، وتدمير خيم الثائرين، والإعتداءات الجسدية عليهم، والهتاف “شيعة…شيعة”، وتوقيع إسمي التنظيمين على جدران وسط بيروت، ليست جميعاً سوى إستجداء لاعتراف الثورة بهم كقوة تعادلها وعلى الضدّ منها، تماماً كطفلٍ يبكي لاستجلاب اهتمام البالغين حوله. فلقد اجتاحت الثورة الحزب والحركة معاً، وتخطّت هيمنتهما وتجاوزت قدرتهما على تخريبها، عندما شهرت الهوية اللبنانية الجامعة، ورمت الأحزاب في هوة الماضي، وشهرت سيفها على الجوع والفساد.

منذ 7 أيار (مايو) سيئ الذكر، توهّم الحزب وشريكه أن اللبنانيين دانوا له، وأسلموه قيادهم. وباستثناء همهمة من هنا، واعتراض محسوب وموزون من هناك، فإن سطوته على قرارات لبنان واللبنانيين لم تكن تُناقَش، وكان السلاح الدائم لهما، إلى جانب سلاحه الناري، إثارة النعرة الطائفية، وتهم العمالة. لكن عظمة الإنتفاضة أنها وُلِدَت من خارج التوازنات الطائفية، وتجاوزت أحزاب الطوائف جميعاً، وفيما بعضها يدرس كيف يتأقلم مع الوعي الشعبي الجديد، يبدو الحزب نفسه في حال قتال تراجعي، يُفسّر وحده إصراره على تخريب الإنتفاضة، صوناً لوهمه بأنه يصادر القرار الشيعي. لكن هذا يستدعي استيلاد نعرات مُماثلة عند الآخرين لم تحدث. ذلك ما يفسر منع بوسطة الإنتفاضة من تخطي حدود مدينة صيدا إلى صور والنبطية وكفر رمان وبنت جبيل، فخروج الأهالي لاستقبالها سيظهر عمق الشرخ في كذبة البيئة الحاضنة العمياء، الذي بينته الأيام الأولى للإنتفاضة فاضطر الحزب إلى قمعها بالتهديد المباشر.

يُمارس الحزب المنطق نفسه في شأن تشكيل حكومة تكنوقراط يعتقد أن عدم مشاركته فيها يفقده سطوته على الحياة السياسية. فمخاوفه المزعومة من نتائج عدم مشاركته في الحكومة المُنتَظَرة قد تُقنع  جمهوره وحلفاءه، ولا “تليق” بحزب لا يُهدّد أمن البلاد والعباد وحسب بل والمنطقة من المحيط إلى الخليج، ولا يحتاج الأمر إلى إثبات واجتهاد، إذ تكفي إجالة النظر على خريطة العالم من أميركا اللاتينية إلى اليمن. وعلى المستوى المحلي، لا يحتاج إلى امتحان سطوته، إذ كان جرّبها في 7 أيار (مايو) 2008 في بيروت والجبل، ثم عندما فرضت القمصان السود الشهيرة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعند كل مفترق .

هذا الزعم يتجاهل استخدام العنف من الترهيب إلى القتل، وأن الحكومة لا تكون إلا بثقة مجلس النواب، وله فيه، مع حلفائه، غالبية مطلقة، فلماذا هذا الإصرار على عدم ولادة حكومة تكنوقراط، وزعم الخوف على مصير الحزب في وجودها وتغيب سياسييه عنها؟

الواقع أن في تصرفات الحزب وشريكه وجهاً إيجابياً يُسجّل لهما حسب مقولة لغاندي مفادها “في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر “… وليل قبل أمس كانت المرحلة الثالثة.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومحلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: faye@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى