لماذا يريد “حزب الله” الحفاظ على النظام الراهن في لبنان؟

بقلم كابي طبراني

يوم الثلاثاء الفائت، جلس الرئيس اللبناني العماد ميشال عون مع الزميلين نقولا ناصيف (صحيفة الأخبار) وسامي كليب (قناة الميادين) للحديث، عبر الشبكات التلفزيونية اللبنانية مجتمعة، عن أسوأ أزمة شهدها بلد الأرز منذ نهاية الحرب الأهلية في العام 1990. لقد اندلعت، منذ حوالي شهر، إحتجاجات على مستوى البلاد بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية وفساد الطبقة الحاكمة حيث يُطالب المتظاهرون بحكومة خالية من السياسة والمحسوبية والطائفية.

لقد مرّ أكثر من أسبوعين منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري. وعلى الرغم من الأزمة المالية المُتفاقمة، لا يبدو أن القوى السياسية أقرب إلى تشكيل حكومة جديدة. يرغب الحريري في تشكيل حكومة مؤلّفة من تكنوقراط، ليس لأن ذلك ما يُطالب به المُحتجّون فقط، ولكن لأن رئيس الوزراء المُستقيل يعتقد أن هذا الأمر هو شرطٌ مُسبَق لتلقّي لبنان المساعدات الخارجية. إن حكومةً مُؤلّفة من سياسيين مُحتَرِفين – أو حتى مُختَلطة من سياسيين وتكنوقراط – ليست حكومة من شأنها أن تُولّد الثقة في الداخل أو على الصعيد الدولي.

مع ذلك، كرّر الرئيس عون في مقابلته، الذي بدا فيها كأنه لم يستوعب ما يجري في الشارع، إنه يدعم حكومة مُختلَطة كما أنه لا يستطيع منع توزير صهره جبران باسيل في الحكومة العتيدة. علماً أن الأخير، الذي يعتبره المُحتجّون، عن حق أو باطل، فاسداً للغاية، هو من بين أكثر السياسيين اللبنانيين الذين وُجّهت إليهم الإساءات وشرارات الغضب، وعودته بالتالي تُمثّل إهانة لحركة الإحتجاج. لذا بينما كان رئيس الجمهورية لا يزال يتحدث، بدأ الناس في جميع أنحاء البلاد يقطعون الطرقات غاضبين.

الواقع أن “حزب الله” يدعم الرئيس عون وباسيل في معارضتهما لحكومة تكنوقراطية لن يتم تمثيل الثلاثة فيها. يشعر الحزب الشيعي بالقلق من أنه إذا استُبعِد من الحكومة، فستكون هذه هي الخطوة الأولى لعزل الحزب ونزع سلاحه في النهاية. منذ البداية، نظر الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، إلى الإحتجاجات على أنها تهديدٌ لنظام سياسي يحمي حزبه منذ فترة طويلة. ولهذا السبب سعى في البداية إلى تقويض التظاهرات من خلال إرسال بعض “البلطجية” لمهاجمة المُحتجّين.

لقد خلق هذا السلوك تناقضاً سيظل يؤثر بشكل عميق في “حزب الله”، ولبنان على نطاق أوسع. إن نصر الله، بمحاولة فرضه حكومة مُختَلطة ضد الإرادة الشعبية، قد يُعيق المساعدات المالية الأجنبية اللازمة لتجنّب الإنهيار الإقتصادي. وهذا بدوره يُمكن أن يُعجّل بانهيار النظام الذي يحاول جاهداً الحفاظ عليه.

في الوقت عينه، حوّل نصرالله حزبه إلى مِحوَرٍ آخر لإحباط المُحتجّين. عند محاولته أولاً تقليص مطالبهم بالحكم الرشيد والإدارة الإقتصادية والإجتماعية الأقل فساداً ومحسوبية، كان يُنظَر إليه على أنه المدافع الأول عن الوضع الراهن الذي لم يعد يُحتَمَل. وهذا ليس بالأمر اليسير بالنسبة إلى حزبٍ جعل تضامنه المزعوم مع المحرومين ودعم مطالبهم جزءاً من هويته.

لا يرتبط مفهوم تهديد “حزب الله” فقط بالأحداث في لبنان بل على نطاق أوسع بالوضع في العراق وعلاقة الحزب بإيران. أمضى المتظاهرون العراقيون أسابيع يتحدّون نظاماً سياسياً فاسداً تدعمه إيران وعملاؤها في بلاد الرافدين، وهذا ما دفع المتظاهرين إلى استهداف رموز نفوذ طهران. في الواقع، في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، بدا المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، قلقاً جداً من التطورات للقول أن الإحتجاجات اللبنانية والعراقية كانت من عمل الولايات المتحدة وشركائها، الأمر الذي أغضب المُحتجّين.

وفي خطابه الأخير (في 11/11/2019)، لم يُشر نصر الله إلى تشكيل حكومة جديدة، قائلاً إن المفاوضات جارية. ومع ذلك، فقد أمضى وقتاً طويلاً في الحديث عن شهداء الحزب، حيث كان يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) هو يوم شهداء “حزب الله”. كانت تلك هي طريقته لحشد مجتمعه حول حزبه في وقت كان حتى الشيعة ينضمّون إلى الإحتجاجات اللبنانية.

لكن الحقيقة هي أن “حزب الله” لم يحسم بعد مشكلته مع الحريري. ومع ذلك، يبدو أن دعم الرئيس عون لحكومة سياسية – تكنوقراطية مختلطة يُشير إلى أن كلاً من “حزب الله” والعونيين قررا المضي قُدُماً إذا رفض الحريري رئاسة حكومة مختلطة. وهذا أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر، لأن مثل هذه الحكومة ستلقى معارضة شديدة ليس فقط من قبل قطاعٍ عريض من اللبنانيين ولكن أيضاً من قِبل غالبية المجتمع الدولي، والأكثر أهمية من قبل المانحين الغربيين الحيويين.

إذا كان هذا هو ما سيقرره رئيس الجمهورية و”حزب الله”، فمن المرجح أن يمر لبنان بأوقات عصيبة مُقبلة. سوف تستمر الإحتجاجات وتتصاعد بلا شك، مع عدم اليقين بشأن كيفية ردّ “حزب الله”. من المؤكد أن هناك احتمالاً لوقوع أعمال عنف، خصوصاً إذا انهار الوضع الإقتصادي والمالي، كما يبدو حتمياً بشكل متزايد.

إذا حاولت الحكومة قمع الإحتجاجات باستخدام القوة المُفرِطة، فستكون النتيجة الأكثر احتمالاً هي نوع من الشقاق والإنقسام في الدولة اللبنانية، حيث يبدو أن الجيش غير مستعد للقيام بمثل هذا العمل. وإذا حاول “حزب الله” نفسه تخويف المُحتجّين، وربما ينتقل إلى مناطق الطوائف الدينية غير الشيعية، للقيام بذلك، فمن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية.

مهما كانت النتيجة، فإن قرار الرئيس عون المُتهوّر بتجاهل مطالب المُحتجّين، وهي خطوة أيّدها “حزب الله”، يعني أن كلاهما يأخذ لبنان إلى المجهول. حتى لو استطاعت البلاد تجنّب نزاع داخلي، فإن حكومة مُؤيدة ل”حزب الله” التي يرفضها معظم اللبنانيين لن تستطيع تجنّب الكارثة الإقتصادية أو العزلة عن الغرب والعالم العربي. يُمكن أن يجد لبنان نفسه معزولاً بمفرده، ربما يُصبح فنزويلا الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى