عيونُ الإمارات على المَعادِن الحَيَوِيّة في أفريقيا
كابي طبراني*
تَبرُزُ دولةُ الإمارات العربية المتحدة بسرعةٍ كلاعبٍ رئيس في قطاعِ التعدين في أفريقيا. تُعَدُّ البلاد الآن فعليًّا مركزًا للتجارة المشروعة وغير المشروعة في مجال الذهب والأحجار الكريمة من جميع أنحاء القارة السمراء. وتتمثّلُ أهدافُها الجديدة في المناجم التي تُنتِجُ المعادن التي تُعتَبَرُ أساسيّةً للتحوّلِ الأخضر إلى مصادر الطاقة مُنخَفِضة الكربون. ومع تعرّضِ اقتصادِها المُعتَمِدِ على النفطِ للتحوّلِ العالمي بعيدًا من الوقود الأحفوري، تُحاوِلُ أبوظبي تأمينَ مكانةٍ مركزية في اقتصادِ الطاقة الجديد. وقد بدأت الاستحواذَ على مَنجمٍ كبيرٍ للنحاس في زامبيا، وهناكَ الآن في الأفق منجمٌ آخر.
كانت دولةُ الإمارات منذُ فترةٍ طويلةٍ مُستَثمِرًا رئيسًا في القارة الأفريقية، ولكن حتى الآن كانَ تركيزُها مُنصَبًّا على البُنيةِ التحتية والخدماتِ اللوجستية. على مدى العقدَين الماضيين، سيطرت موانئ دبي العالمية وموانئ أبوظبي -المعروفة سابقًا باسم شركة موانئ أبوظبي– المملوكتان للدولة على شبكةٍ من الموانئ عبر القارة السمراء. وتقوم دولة الإمارات حاليًا بتوسيعِ وتنويعِ استثماراتها.
كانَ التحوّلُ إلى استثماراتِ التعدينِ سريعًا وفاجأ العديدَ من المراقبين. لقد ركّزَت المناقشات حول قطاعِ التعدين في أفريقيا على مدى العقد الفائت بشكلٍ شبهِ حصريٍّ على المخاوف من الهَيمَنة الصينية على إنتاجِ المعادن المهمّة، وأخيرًا على مصالح روسيا في قطاع الذهب في غرب أفريقيا. مع ذلك، فإنَّ الشركات ذات الأموالِ الكبيرة من دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى هي في وَضعٍ جيدٍ يسمحُ لها ببساطة المُزايدةِ على اللاعبين الأكثر رسوخًا في الصناعة، كما حدَثَ في زامبيا.
أمضت حكومةُ زامبيا ثلاث سنوات في محاولةِ بَيعِ “مناجم موباني للنحاس” (Mopani Copper Mines) المملوكة للدولة، وهي واحدة من أكبر المناجم في البلاد. وكانت الحكومة السابقة اشترت موباني في العام 2021 من شركة السلع السويسرية العملاقة “غلينكور” (Glencore). لكن ثبتَ أنَّ الأمرَ كان بمثابةِ صُداع، لأنَّ زامبيا مُثقَلة بالديون وتَفتَقِرُ إلى الموارِدِ الكافية لتطوير وتحديث العمليات. لذا، في العام نفسه، وبعدَ فترةٍ وجيزةٍ على إجراء الانتخابات، أشارت الحكومة الجديدة إلى أنّها ستبيعُ المنجم.
لتحقيقِ هذه الغاية، قامت بإشراك وانتداب بنك روتشيلد الاستثماري، الذي لا تأتي خدماته رخيصة، في البحث عن مُشتَرين. ضمّت قائمة روتشيلد النهائية اثنين من المشترين المُحتَمَلين، وهذا ليس مُفاجِئًا: شركة “Zijin Mining”، وهي شركةٌ صينية تُعَدُّ واحدة من أكبر منتجي النحاس في العالم، وشركة “Stillwater Sibanye”، وهي شركةٌ جنوب أفريقية تتمتّعُ بخبرةٍ طويلةٍ في مجالِ تعدين المعادن. وقد تَوَقَّعَ العديدُ من المُراقبين استيلاءَ الصين على الشركة.
بدلًا من ذلك، في كانون الأول (ديسمبر) 2023، أعلنت حكومة زامبيا أنَّ شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” (International Resources Holding)، ومقرّها أبو ظبي، اشترت حصةً قدرها 51% في موباني مقابل 1.1 مليار دولار. تَمَّ إبرامُ الصفقةِ بسرعةٍ بحلولِ شباط (فبراير) 2024، وأنشأت الشركة الإماراتية المُشتَرية شركةً فرعية جديدة، وهي “ديلتا للتعدين” (Delta Mining)، لإدارةِ عملياتها الجديدة. لم تكن شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” معروفةً سابقًا في الصناعة، وليسَ من الواضح ما إذا كان روتشيلد على علمٍ بأنَّ الشركة الإماراتية قدّمت عرضًا لشراءِ موباني.
علاوةً، بَعدَ أيامٍ فقط من الانتهاء من صفقة موباني، أعلنت شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” أنها تقدّمَت بعَرضٍ للحصولِ على حصّة أغلبية في منجم نُحاس ثانٍ، في زامبيا أيضًا: منجم “لوبامبي”. والتطوُّرُ هنا هو أنَّ مالكَة “لوبامبي”، وهي شركة استثمار أوسترالية، قد وافقت أصلًا على بيعه لشركة تعدين صينية لها مصالح تعدين موجودة في المنطقة. يبدو أنه تمَّ إعادةِ فَتحِ عملية البيع عندما وعدت شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” بزيادة السعر على منافسيها الصينيين.
إنَّ السرعةَ التي حدثَ بها كلُّ هذا كانت مُذهِلة. تأسّست شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” فقط كشركةٍ تابعةٍ لشركتها الأم “الشركة العالمية القابضة”، في العام 2022 وليس لها تاريخ في صناعة التعدين. كما إنه ليست لديها أي مشاركة سابقة في الصناعة أيضًا؛ حتى العام 2008 كان اسمها الشركة الدولية لزراعة الأسماك.
ولكنَّ ل”إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” إرتباطاتٍ ومصادرَ تمويلٍ مهمّة جدًاُ رُغمَ كلِّ ذلك. يرأسها نائب حاكم إمارة ابوظبي ومستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، شقيق الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد. وقد ارتفعت قيمة الشركة خلال السنوات الأربع الماضية، ما جعلها الآن واحدة من أكبر الشركات المُدرَجة في الشرق الأوسط بحلولِ أوائل العام 2023.
وهذا يمنحُها مواردَ هائلة لتحقيقِ أهدافها في صناعة التعدين. في وقتٍ سابق من هذا العام، أعلنت شركة “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” أن لديها استراتيجية واضحة لتوسيع استثماراتها في مجال التعدين وستواصلُ “استثماراتٍ مُستهدفة في معادن محورية أخرى لتحويل الطاقة، مثل الكوبالت والنيكل والعناصر الأرضية النادرة والمنغنيز والغرافيت ومعادن القصدير،التنغستن والتنتالوم”.
من المُتَوَقَّع أن يرتَفِعَ الطلبُ على هذه المعادن –وهي المواد الخام الحيوية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية وشبكات الكهرباء الآخذة في التوسّع- خلال العقود المقبلة. وفي الوقت نفسه، من المُتَوَقَّع أن ينخَفِضَ تدريجًا إنتاجُ النفط، الذي يعتمدُ عليه اقتصاد الإمارات حاليًا.
يُشيرُ اهتمامُ أبو ظبي الجديد بتعدين المعادن إلى خططٍ طويلةِ المدى للابتعاد عن إنتاجِ النفط والاضطلاعِ بدورٍ مركزيٍّ في اقتصادِ الطاقةِ الجديد. وبالإضافة إلى وَضعِ نفسها كمستثمرٍ في مجالِ التعدينِ للمعادنِ الحيويّة، فإنّها تسعى أيضًا إلى ترسيخِ نفسها كمركزٍ لمُعالَجَتِها، الأمرُ الذي يتطلّبُ تأمينَ إمداداتٍ موثوقة.
من خلالِ القيامِ بذلك، تستفيدُ أبوظبي من مكانتها الراسخة بالفعل كمركزٍ لمُعالجة وتكرير الذهب. وليس من قبيل المصادفة أنَّ الشخصيات الرئيسة في “إنترناشيونال ريسورسيز هولدنغ” تَرَأّسّت وقادت في السابق شركاتٍ إماراتية لتكرير الذهب، والتي قامت ببناءِ شبكةٍ واسعةٍ من العلاقاتِ مع مُنتجي المعدن الأصفر في جميع أنحاء أفريقيا. وهذا جعل الإمارات واحدة من أكبر أسواق التصدير لمُنتِجي الذهب الأفارقة، حيث وصل ما يقرب من 34 مليار دولار من الذهب من جميع أنحاء القارة السمراء إلى الإمارات في العام 2022.
هناكَ خططٌ أُخرى للبُنية التحتية لمُعالجة المعادن قيد التطوير. في العام 2021، على سبيل المثال، أعلنت الإمارات عن صفقةٍ مع شركةٍ أوسترالية لبناءِ مصنعٍ لمُعالجة الليثيوم في أبو ظبي، وهو أوّلُ مَصنَعٍ من نوعه في الشرق الأوسط.
الإمارات ليست الوحيدة التي تلحَظُ، تلاحظُ، ترى، وتُقيِّمُ قيمة احتياطيات النحاس والكوبالت في أفريقيا. إنَّ الاستحواذَ المفاجئ على موباني يُعَدُّ جُزءًا من المنافسة الدولية المُتزايدة للوصول إلى المعادن المهمة في وسط إفريقيا. في شباط (فبراير)، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنهما سيُمَوِّلان خطَّ سكّةِ حديدٍ جديد من المناجم في جمهورية الكونغو الديموقراطية وزامبيا إلى أنغولا، لجَلبِ النحاس والكوبالت إلى ميناءٍ على المحيط الأطلسي مع طُرقِ تصديرٍ أقصر إلى الأسواق في أوروبا وأميركا الشمالية.
وردّت الصين بالإعلان عن أنها ستُمَوّلُ تطويرَ خطّ سكّة حديد “تازارا” من المناجم نفسها إلى دار السلام في تنزانيا، مما يُقلّلُ الوقت والمسافة اللّازِمَين لتصديرِ المعادن التي تُنتِجُها إلى الصين. وكان بناءُ خطّ سكّة حديد “تازارا” تَمَّ في الأصل بمُساعدةِ وتمويلِ الصين في السبعينيات. ومع ذلك، فإنَّ الميناءَ الواقع في نهايةِ خطِّ سكّةِ حديد “تازارا” مملوكٌ الآن لشركة موانئ دبي العالمية الإماراتية.
هناكَ دولٌ شرق أوسطية أخرى لديها طموحاتٌ مُماثلة في قطاعِ التعدين. استضافت المملكة العربية السعودية مؤتمرًا كبيرًا للتعدين في كانون الثاني (يناير) الفائت، ثم وَقَّعَت بعد ذلك اتفاقياتٍ للتنقيب عن التعدين مع ثلاثِ دولٍ أفريقية كجُزءٍ من استراتيجيتها المُعلَنة للتوسّعِ السريع في مساهمة التعدين في الاقتصاد الوطني.
مع ذلك، في حين أعربت دولٌ خليجية أخرى عن اهتمامها القوي باستثماراتِ التعدين، فإنَّ الإمارات هي أوّلُ من استحوذَ بالفعل على مناجم في أفريقيا، للأفضل والأسوَإِ. يُمكِنُ لطموحاتِها أن تهزَّ القطاع في جميع أنحاء القارة السمراء، لكن نظرًا لسجلّها الحافل في أماكن أخرى من القارة، وخصوصًا في ليبيا والسودان، فقد يأتي ذلك مصحوبًا بأعباءٍ سياسية غير مُرَحَّبٍ بها.
- كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “شتاء الغضب في الخليج” (1991)، “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani