الكرسي الملعون سبب الخراب

بقلم عرفان نظام الدين*

كان يحلو للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ان يجد تفسيرات مُضحِكة وترجماتٍ غبيّة لكلماتٍ تتعلّق بالسلطة لتبرير التفرّد بالحكم والبقاء فيه الى الأبد، لكنه دفع الثمن غالياً عندما تمّت الإطاحة به وقتله بطريقة عنيفة. فقد وجد القذافي ترجمةً عجيبة لكلمة الديموقراطية، او “democracy” بالإنكليزيّة، وهي ديمومة الكراسي، إلّا أنه لم يتمتّع بهذه الديمومة ولا حتى التمكّن من الجلوس على الكرسي بسبب ” الخازوق ” الذي اخترقه؟؟!
وبعيداً من ممارسات القذافي وغيره، التي تدخل في خانة المُضحك المُبكي، فإن هذه المعضلة هي التي أوصلتنا الى حافة الإنهيار والخطر لأن مَن كان يصل الى منصبٍ، من قمة الهرم الى قاعدته، يعمل المستحيل لكي يدوم له ويلتصق بالكرسي الملعون الذي سبّب كل هذا الخراب.
ولم نجد تفسيراً لهذه المصيبة في العالم العربي وبعض الدول الديكتاتورية الا الجشع وتغلب شيطان السلطة والمال المٌتمّم لها بعيداً من القيم والأخلاق والقناعة والإيمان بمبدأ :” لو دامت لغيرك ما وصلت اليك”.
وهكذا توالت على العرب الكوارث والإنقلابات والثورات بالإضافة الى الحروب التي ما كانت لتقع لو كان هناك تداولٌ للسلطة وتغيّرت القيادات لترحل معها العداوات والنزاعات والأخطاء والخطايا والمزاجات الشخصية .
وهذه الآفة التي عرفناها منذ مئات السنين تعود، حسب رأيي، لأسباب عدة، بينها الجهل وغياب الوعي والطمع وإساءة استخدام السلطة واللجوء إلى القوة لفرض الأمر الواقع، إضافةً الى آفة اشتهرنا بها وهي عبادة الفرد او الزعيم وتأليه الشخص.
ومن عَاش في الدول الديموقراطية أو تابع أحداثها لا بدّ وأن يُعجَب بعملية إنتقال السلطة من رئيس الى آخر وفق نظامٍ إنتخابيّ نزيه وشفاف، وبكل يُسرٍ وسهولة، ورضوخ الطرف الخاسر لإرادة الشعب ونتائج صندوق الإقتراع والفوز ولو بواحد في المئة .
وأُعطي مثلاً على ذلك المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر، رئيسة الحكومة البريطانية، التي عرفتُها وأجريتُ معها مُقابلة صحافية وهي في أوج قوّتها ونفوذها لتحكم العالم وليس بريطانيا فحسب. وعندما حانت ساعة رحيلها عن الحكم تآمر عليها أقرب الوزراء إليها، ورضخت وغادرت مقرها في 10 داوننغ ستريت والدمعة في عينيها لتتواري عن الأنظار وتدخل في عالم النسيان. واجتمعتُ بها قبل رحيلها وكانت وحيدة لا حرس لديها ولا جاه ولا كنوز وثروات.
وأختم مع درس من رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ولسون. فقد سُئل عن اسباب استقالته المفاجئة على رغم تمتعه بشعبية واسعة فاجاب بكلمات قليلة مُعبّرة: “لم يعد عندي شيء جديد اجيب به على أسئلة الشعب”، وهكذا ختم الزعيم البريطاني الشهير تاريخه السياسي بدرسٍ بليغ عن اُسلوب ممارسة الحكم والمعارضة. فقدعرف حدّه ووقف عنده، وسلّم الأمانة لمن يملك اجوبة شافية ويحمل معه سياسة جديدة تعمل على حل المشاكل ومواجهة الأزمات.
وما يجري في لبنان هذه الايام يعود في جانب منه الى هذه الآفة التي يورث فيها حكم الشعب للإبن والحفيد والصهر والأزلام؟؟

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى