الإتحاد الأوروبي وعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية في مَرحَلة ما بعد موغيريني

يتوقع خبراء كثيرون من الإتحاد الأوروبي، بقيادة جوزيف بوريل الذي عُيِّن أخيراً ممثلاً أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الإتحاد محل فيديريكا موغيريني، أن يواصل مقاربته السياسية القائمة على ردّ الفعل في التعاطي مع عملية السلام في الشرق الأوسط ولن يكون هناك أي جهدً مستقل لإعادة إحياء حلّ الدولتين.

جوزيف بوريل: يدعم الفلسطينيين بقوة

 

بقلم غرايس وِيرمِنبول*

يبدو أن تعيين وزير الخارجية الإسباني جوزيف بوريل مكان فيديريكا موغيريني في منصب المُمثّل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الإتحاد الأوروبي والذي سيبدأ عمله في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قد يتسبّب بمزيد من التدهوّر في العلاقات المُتشنّجة أصلاً مع إسرائيل. فموقف بوريل الذي يُعتبَر داعِماً للفلسطينيين ومُناهِضاً لإسرائيل سوف يُعزّز النظرة الإسرائيلية التي ترى في الإتحاد الأوروبي وسيطاً مُنحازاً، فيما يُساهم في الإبقاء على دور الولايات المتحدة الذي يجعل منها الوسيط المفضّل بالنسبة إلى الدولة العبرية في عملية السلام في الشرق الأوسط. وفضلاً عن ذلك، غالب الظنّ أن التحدّيات التي تطرحها صناعة القرار في السياسة الخارجية داخل الإتحاد الأوروبي سوف تُعطّل قدرة بوريل على تحقيق الوحدة بين أعضائه والتحرّك في المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، وهكذا تبقى بروكسل مجرد جهة تدفع الأموال بدلاً من أن تكون لاعباً أساسياً.

وقد لقي تعيين بوريل مُعارضةً شديدة في إسرائيل. وفي هذا الإطار، أوردت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن المسؤولين يراقبون بحذر إنتقال الدفّة من يدٍ إلى أخرى في الإتحاد الأوروبي. ولفت صحافيٌّ بارز، في الصحيفة نفسها، إلى أن “أوروبا كشفت عن ألوانها” من خلال تعيين بوريل. كانت إسرائيل تتطلع، بعد الإنتخابات البرلمانية الأوروبية، إلى حدوث تبدُّل في السياسة الخارجية الأوروبية نحو اليمين ونحو اعتماد موقفٍ أكثر دعماً لها في العلن، مثلما جرى في النمسا والمجر في الأعوام الأخيرة. غير أن بوريل، وهو اشتراكي كتالوني، يُعتبَر ناقداً لاذعاً لإسرائيل. وفي أعقاب تعيينه، سلّطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على دعمه للفلسطينيين خلال تولّيه حقيبة وزارة الخارجية في بلاده، والذي تجلّى بصورة خاصة من خلال اعتراف إسبانيا أحادياً بدولةٍ فلسطينية، وانتقاداته العلنية للتحركات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وسوف يرثُ بوريل علاقة متشنّجة أصلاً بين الإتحاد الأوروبي وإسرائيل. فموغيريني لم تتوجّه إلى الدولة العبرية في زيارة عمل منذ العام 2014، أي بُعَيد انطلاق ولايتها التي استمرت خمس سنوات. لم تكن موغيريني، التي يُنظَر إليها بأنها نصيرة للفلسطينيين ومدافِعة عن الاتفاق النووي الإيراني، محبوبة في القدس. والقرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بوَسم وتمييز المُنتَجات الآتية من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في العام 2015 دفعَ برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعليق المشاركة الديبلوماسية للإتحاد الأوروبي في جهود السلام مع الفلسطينيين من أجل إجراء “إعادة تقييم”. وفي حين بُذِلت محاولات لوضع العلاقات الثنائية “على المسار الصحيح من جديد”، وفقاً لتعبير نتنياهو، لا تزال العلاقات الأوروبية-الإسرائيلية متصدّعة. وقد تعثّرت الجهود التي هدفت إلى إعادة العمل بمجلس الشراكة الأوروبي–الإسرائيلي في العام 2016، وهو عبارة عن حوار سياسي سنوي على مستوى وزاري. وبحسب الإتحاد الأوروبي، المجلس دليلٌ على “الأهمية التي يوليها الإتحاد الأوروبي لعلاقاته مع دولة إسرائيل”. ولكنه لم يتمكّن من الإنعقاد منذ العام 2012، على الرغم من أن إطاره القانوني يستوجب اجتماع المجلس مرة في السنة للنظر في العلاقات بين الطرفَين.

سعت أوروبا، على امتداد العقود الأربعة الماضية، إلى استنباط طرق لدفع عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية قُدُماً. وعلى سبيل المثال، دعا الإتحاد الأوروبي، في استراتيجيته العالمية لعام 2017، إلى إقامة تعاون وثيق “مع اللجنة الرباعية وجامعة الدول العربية وجميع الأفرقاء المعنيين الأساسيين حفاظاً على آفاق التوصل إلى حل قابل للحياة قوامه إنشاء دولتين”. وقد عبّر الإتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عن قلقه من الأوضاع في الشرق الأوسط والتحرّكات السجالية للأفرقاء المعنيين. وهكذا، في أعقاب إقرار إسرائيل قانون الدولة اليهودية القومية المُثير للجدل في تموز (يوليو) 2018، الذي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، أدان الإتحاد الأوروبي القانون وأعلن عن دعمه لحل الدولتين. وأخيراً، إزاء اعتراف الإدارة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، أعاد الإتحاد الأوروبي تأكيد التزامه بقرارَي مجلس الأمن 242 و497 اللذين يُبطلان فعلياً مطالب إسرائيل بالسيادة على الأراضي التي احتلتها في الحرب.

وقد اكتفى الإتحاد الأوروبي، على الرغم من الدعم المالي المُستمِرّ الذي يُقدّمه للسلطة الفلسطينية وتعاونه الإقتصادي العميق مع إسرائيل، بأداء دور ثانوي في تسوية النزاع. ففي حين يُعبّر الإتحاد الأوروبي عن مظهر من مظاهر الإجماع السياسي القائم على ردّ الفعل، يعجز عن المساهمة استباقياً في إنعاش عملية السلام. والمحاولة الأخيرة التي بذلها لإعادة إحياء عملية حلّ الدولتَين – وقادتها باريس على نحو أساسي – كان مصيرها الفشل في 2016-2017 لجملة أسباب منها الرفض الإسرائيلي للمبادرة. هذا فضلاً عن أن العوائق الداخلية حالت أيضاً دون تقديم الإتحاد الأوروبي مساهمة أكثر نشاطاً في تحفيز عملية السلام في الشرق الأوسط وكذلك دون مشاركته فيها بفاعلية أكبر. وتشمل هذه العقبات المعوّقات التشريعية والمعوّقات المؤسسية الداخلية، والإختلافات الإيديولوجية بين الدول الأعضاء، والإنقسام داخل الإتحاد والذي ساهم استفتاء “خروج بريطانيا” المُسَمّى “بريكسيت” في تأجيجه، وصعود اليمين المُتشدّد على الساحة السياسية.

وإلى جانب طبيعة عملية صناعة السياسات الخارجية في الإتحاد الأوروبي، تتسبّب الأجندات السياسية والإيديولوجية المُتباينة في الحدّ من فاعلية صناعة القرار داخل المؤسسات. وهذا التعارُض في الأهداف ينبثق عن الإنقسام داخل الإتحاد الأوروبي، ويؤثّر فيه أيضاً. وقد حافظت دول أوروبا الغربية، على غرار فرنسا وألمانيا، على التزامها بمواقف الإتحاد الأوروبي وتسعى إلى الإبقاء على حلّ الدولتَين. أما الدول الواقعة في أوروبا الشرقية فتُبدي دعماً أكبر لإسرائيل لأسباب إيديولوجية وجيوسياسية. وتشمل هذه المجموعة أعضاء حلف “فيشغراد” الذي يضم أربع دول من أوروبا الشرقية والوسطى هي بولندا والمجر والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا. والواقع أن اصطفاف هذه الحكومات في أوروبا الشرقية والوسطى إلى جانب مواقف الحكومة الإسرائيلية مردّه في جزءٍ منه إلى صعود أحزاب وسياسات اليمين المتطرف. فقد شكّلت مواقف نتنياهو غير الليبرالية وآراؤه المُناهضة للمسلمين وأسلوبه القيادي نموذجاً جاذباً للقادة اليمينيين في أوروبا على غرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وطرحت شركات الضغط (اللوبي) الإسرائيلية أيضاً تحدّياً أمام تطبيق سياسة خارجية موحّدة في الإتحاد الأوروبي. فقد ركّزت الجهود التي بذلتها هذه الشركات على تعزيز علاقات إسرائيل مع دول أوروبا الشرقية والوسطى وتوطيدها بهدف تغيير موقف الإتحاد غير الداعِم لإسرائيل. وهذه الأهداف ليست خافية على أحد. فقد أبدى نتنياهو، قبيل زيارته دول البلطيق في صيف 2018، إهتمامه بـ”إرساء توازن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، من أجل الحصول على معاملة أكثر نزاهة وصدقية”. وكذلك، عبّر نتنياهو، خلال زيارة رئيسة الوزراء الرومانية فيوريكا دانسيلا إلى بلاده في كانون الثاني (يناير) 2019، عن أمله بأن تبادر رومانيا إلى “[…] التحرك لوقف القرارات السيئة التي يُصدرها الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل، وبالطبع من أجل نقل سفارتكم وسائر السفارات إلى القدس”.

وقد بدأت المساعي الإسرائيلية تؤتي ثمارها. ففي أيار (مايو) 2018، نجحت المجر والجمهورية التشيكية ورومانيا، بالتنسيق مع إسرائيل، في منع صدور بيان مشترك عن الاتحاد الأوروبي لإدانة نقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي تمّ في 14 أيار (مايو) 2018 تزامناً مع الذكرى السبعين لقيام إسرائيل. وكذلك سلّط اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول (ديسمبر) 2017، الضوء على غياب الإجماع في الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل السياسة الخارجية المُتعلّقة بإسرائيل وفلسطين. ففي حين لم يصوّت أيٌّ من الدول الأعضاء في الإتحاد ضد القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 2017 ودعت فيه واشنطن إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، إمتنعت ست دول في أوروبا الشرقية عن التصويت بعد تلقّيها تهديدات من المبعوثة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي حذّرت تلك الدول من أن الولايات المتحدة “ستتذكر جيداً [التصويت] عندما تقصدنا بلدانٌ كثيرة، وهذا ما يحصل غالباً، كي ندفع لها مزيداً من الأموال ونستخدم نفوذنا تحقيقاً لمصالحها”. وعلاوةً على ذلك، إفتتحت المجر مكتباً تجارياً في القدس ذا مكانة ديبلوماسية في آذار (مارس) 2019. وكان هذا القرار بمثابة تحدٍّ للمذكرة الداخلية التي صدرت عن الإتحاد الأوروبي في الشهر نفسه ودعت الدول الأعضاء إلى “مواصلة إحترام الإجماع الدولي بشأن القدس”.

تمكّن “الإجماع الهش للدول الأعضاء في اإاتحاد الأوروبي”، حتى تاريخه، من الصمود، على الرغم من التكهنات بأن الجمهورية التشيكية ورومانيا قد تعمدان إلى نقل سفارتَيهما إلى القدس. وفي الفترة المقبلة، غالب الظن أن رغبة بوريل في تعزيز نفوذ الاتحاد الأوروبي ستؤدّي إلى تبنّي مواقف أكثر تصلّباً في مواجهة التحديات للمعايير المُعترَف بها دولياً، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة. ولكن على ضوء الخلافات الراهنة بين بروكسل وواشنطن – التي تتمحوَر حول جملة أمور منها حملة الضغوط القصوى التي يمارسها ترامب على إيران، والتغيّر المناخي، والعجوزات التجارية، والإنفاق الدفاعي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) – سوف يجد بوريل نفسه مضطراً إلى التفكير ملياً في أولويات السياسة الخارجية. وفيما يُركّز الإتحاد الأوروبي على مأزق “بريكسيت” مع بريطانيا والتعاون الداخلي، من المرجح أنه سيظل يكتفي بالموقف القائم على ردّ الفعل والتحرّك الديبلوماسي خلف الكواليس.

  • غرايس وِيرمِنبول باحثة متخصصة في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. حائزة على دكتوراه وماجستير من كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد في بريطانيا.
  • عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى