أزمات لبنان إلى متى؟
بقلم د. هيكل الراعي*
سألني أحد الأصدقاء: متى يستقر الوضع في لبنان ونعود لنعيش حياة طبيعية مثل كل الشعوب الأخرى؟ ألا يحقّ لنا أن ننعم بالأمان والهدوء وأن نستفيد من كل ما يختزن بلدنا من ثروات وخيرات وخبرات؟
أجبته: مع الأسف من الصعب جداً أن يعرف لبنان الإستقرار في المدى المنظور للأسباب الآتية:
1 – يتوزع اللبنانيون على ثماني عشرة طائفة تتنازع في ما بينها على السلطة وتستقوي على بعضها إمّا بما تمتلك من قدرات عددية وعسكرية أو من خلال علاقاتها الخارجية. هذه الطوائف ترفض إقامة نظام سياسي يقوم على المواطنة يفصل بين الدين والدولة وتتمسك بامتيازاتها. وهذا الواقع ينتج تفاهمات سياسية مؤقتة قابلة للنقض والتغيير عند تبدّل موازين القوى الداخلية والإقليمية مما يُدخل لبنان في صراعات ونزاعات، بعضها عسكري، بين مُكوّناته.
2 – يستقبل لبنان نصف مليون لاجىء فلسطيني منذ نهاية أربعينات القرن الماضي يعيشون في عشرة مخيمات تتمتع باستقلال ذاتي نسبي على المستويين الإداري والأمني. هذه المخيمات تُشكّل بؤراً خصبة لكل الأفكار والتيارات والتنظيمات وأجهزة المخابرات وتجار الممنوعات والهاربين من وجه العدالة. وفي إطار الخطط الجاري تنفيذها في المنطقة لإلغاء القضية الفلسطينية سيتم توطين القسم الأكبر من هؤلاء اللاجئين مع كل ما يحملونه من حقد مشروع على كل الدول التي تآمرت عليهم وأخرجتهم من بيوتهم وأراضيهم وأذلّتهم خلال العقود الماضية. ولن تنفع الموانع القانونية والإعتراضات السياسية مهما كان حجمها في مواجهة هذا المشروع.
3- يستقبل لبنان ما يزيد على المليون ونصف المليون نازح سوري يتوزّعون على أكثر من ألف مخيم في كل المناطق اللبنانية. هؤلاء النازحون الذين يعيشون ظروفاً صعبة وقاسية للغاية يتعرّضون لشتى أنواع الإستغلال ويُشكّلون بؤراً صالحة وخصبة لإنتشار كل الأفكار وكل أنواع الإنحرافات. ومن قصر النظر الإعتقاد أن القسم الأكبر من هؤلاء يُمكن أن يعود إلى سوريا في المدى المنظور وبقاءهم في لبنان سيكون حتمياً.
4- يُشكل النظام السياسي اللبناني القائم على المُحاصصة الطائفية والزبائنية وتبادل المنافع والمغانم بين قياداته السياسية والدينية، معطوفاً على نظامه الإقتصادي والمصرفي الحر إلى حدود الفوضى، الإطار الأمثل لأجهزة المخابرات الأجنبية التي تتولّى تنفيذ سياسات دولية قائمة على إعادة بناء الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الدول الكبرى، ولذلك تُحارب هذه الدول كل محاولة لإخراج لبنان من هذا الوضع.
5- يتميّز السياسيون اللبنانيون في غالبيتهم وكذلك معظم الأحزاب والنقابات وحركات المجتمع المدني بالإرتهان المالي والسياسي لسفارات معينة وبالعمل على تنفيذ مخططاتها وتوجيهاتها. ويترافق ذلك الإرتهان تحت شعار التحالف مع الترويج الإعلامي الكثيف لخطابات كاذبة حول مفاهيم السيادة والحرية والإستقلال، مما أفقد العمل السياسي من مضامينه وعمّق الهوة بين القيادات والقواعد ودفع الكثر من الشباب الواعي والمتنور إلى هجرة الأحزاب والسياسيين والوطن.
6- إن الأزمة الإقتصادية التي تزداد حدة بالتوازي مع تهديدات جدية تطال الوضعين المالي والنقدي مترافقة مع عجز ظاهر وقرار مُبطَّن بعدم الإستفادة من الثروة النفطية وبعدم حل المشاكل الحياتية للمواطنين (نفايات، كهرباء، مياه، سير، تلوث……)، تبدو ضرورية لتنفيذ مخطط تركيع وإذلال اللبنانيين كي يقبلوا من دون معارضة تُذكَر بالحلول الصعبة والقاسية التي يجري تنفيذها في المنطقة والتي ستُفرَض عليهم.
7- حكمت الجغرافيا على لبنان أن يكون في منطقة تشهد صراعاً دولياً على ثرواتها، وأن يكون بين دولتين هما إسرائيل وأزمتها الوجودية وسوريا. الأولى تحقد عليه وعلى دوره وعلى تجربته وتسعى منذ إنشائها، ظلماً وقهراً، لتدميره والقضاء على كل مقوّماته، والثانية تعتبره جزءًا منها سعت على الدوام لاحتضانه والهيمنة على شؤونه ولكن الحرب التي تعيشها قلصت تدخلها الى الحدود الدنيا.
هل سيشهد لبنان الهدوء والإستقرار والسلام؟
من الصعب التكهن بذلك وبالفترة الزمنية التي يحتاجها في ظل أزماته المتنوعة والواقع الصعب والمؤلم الذي يعيشه وفي ظل الحروب المُدمّرة والأزمات المستعصية التي تشهدها المنطقة والتي تُمهّد لدخول الشرق الأوسط عصر الهيمنة الإسرائيلية الذي نأمل أن لا يتحقق.
• الدكتور هيكل الراعي هو باحث صحافي، أستاذ جامعي ومدير عام سابق في لبنان. تستطيعون التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: haykalrahi@gmail.com