طوني موريسون: قلَمُها طبعَ الأَدب الأَميركي (1 من 2)

تكتب بين وَلَدَيها في بيتها النيويوركي

هنري زغيب*

قد يكون بين قراء “أسواق العرب” مَن يرى أَنني غالبًا “أَغترب” في مقالاتي نحو مواضيع ثقافية عالَمية بعيدة عن مواضيع واقعنا العربي، مع أَنني لا أُشيح عن هذه الأَخيرة، وسواي يُشبعها إِطلالات وافية. سوى أَنني، من مقالاتي الثقافية العالَمية، أَرمي إِلى الخروج من قوقعة “الواقع العربي” الدائمة، فأُلغي محدودية مواضيعي للقرَّاء، وأَفتح لهم نافذة على معلومات ثقافية، آدابًا وفُنُونًا، من جميع أَنحاء العالم. وهو هكذا دوري كما أَراه ككاتب، فما قيمة كاتب لا يقدِّم جديدًا لقرَّائه من أَيِّ فضاءٍ في العالم؟

في هذا السياق إِذًا أَفتح اليوم نافذة على الكاتبة طوني موريسون: أَول أَديبة أَميركية من أَصل أفريقي نالت جائزة نوبل، وخرجَت يومها الصحافة الأَميركية تُهنِّئ “الكاتبة التي لا مثيل لها”، وردَّدت الصحف عبارةً لها شهيرة: “إِن كنتَ تَوَدُّ قراءَة كتابٍ ووجدْتَ أَن لم يُكتَب بعد، فلْتَكُنْ أَنتَ كاتبَه”.

غلاف روايتها الأُولى

هي

في التعريف المقتضَب عنها أَنها روائية، باحثة أَكاديمية، محرِّرة أَدبية، ناقدة، أُستاذة جامعية، لها عدد من المؤَلفات في الرواية وكتب الأَطفال والقصص القصيرة والمسرحيات والدراسات المتخصصة، ونصوص معمَّقة غيَّرت في الكثير من فضاء الأَدب العالَمي.

وُلِدَت في مدينة لورين (ولاية أُوهايو الأَميركية) في 18 فبراير 1931. والدتُها راما ووالدُها جورج وُوفُورد جاءَا من جنوب الولايات المتحدة وسكَنا في أُوهايو أَملًا بفرصِ عملٍ أَفضل، وهربًا من العنف الذي كان سائدًا ضدَّ الأَميركيين من أَصل أَفريقي في تلك الولايات الجنوبية.

بين طلَّابها في جامعة هاوُرد (واشنطن 1958)

تأْثير الحكواتي

رُزق الوالدان أَربعة أَولاد، ثانيهما الابنة كْلُويه آرديليا ووفُورد. ومن دلائل العذاب المادِّي الذي قاساه والداها في طفولتها وكانت ابنةَ سنتين: قيامُ صاحب المنزل الذي كانا يقطنانه بإِحراقه كليًّا متحجِّجًا بأَنه لم يقبض إِيجاره لعدَّة أَشهر. وسيكون لها لاحقًا أَن تشير إِلى تأْثير وضع والديها على أُسلوب كتابتها، خصوصًا من حيث إِيمانهما بــ”القوة الخفية العليا” وبممارستهما طقوسًا “رؤْيوية ذات إِشارات لاستشراف المستقبل”. ومن عادات والديها في طفولتها ظاهرة “الحكواتي” (في لغتنا اليوم) ما جعلها تُدخِل في كتاباتها اللاحقة شخصيةَ مَن يَروي القصص للصغار والكبار. ولعل ذلك ما دعاها منذ طفولتها فيفاعتها إِلى قراءة الكتب بوفرة، وإِلى تأثُّرها في صباها بعدد من الكُتَّاب بينهم الروسي ليو تولستوي والفرنسي غوستاف فلوبير.

من كْلُويه إِلى طوني

في صباها لاحظَت أَن الناس حولها يجدون صعوبة في لفظ اسمها “كْلُويه” فغيَّرت اسمَها إِلى “طوني” تيمُّنًا باسمها “أَنطوني” يوم معموديتها وهي في الثانية عشرة. ولاحقًا، في سن نضجها الأَدبي، أَعلنَت ندمها على تغيير اسمها بهذا الشكل. وفي حديث صحافي سنة 1992 قالت أَن اسمها الذي تحبُّه هو “كْلُويه أَنطوني وُوفُورد”.

سنة 1949 دخلَت جامعة هاوُرد في واشنطن العاصمة، ودرَسَت الإِنكليزية لغةً وأَدبًا، فيما انتسبت إِلى فرقة فنية في الجامعة تمثِّل مسرحيات عن حياة الأَميركيين “السُود” وما يعانونه في مجتمع “البِيض”.

في حديث تلفزيوني عن روايتها الأُولى.

من جامعة إِلى أُخرى

سنة 1953 نالت البكالوريوس في الأَدب الإِنكليزي وانتقلت من جامعة هاوُرد إِلى جامعة كورنِلّ في مدينة إيتاكا (ولاية نيويورك)، ونالت منها الماجستر سنة 1955، فانتقلت لتدريس الأَدب الإِنكليزي لدى جامعة جنوبي تكساس في هيوستن، لكنها سرعان ما عادت إِلى جامعة هاوُرد تدرِّس فيها متأَثّرة بمبادئ الأَميركي من أَصل أَفريقي ستوكلي كارميشيل (1941-1998) الناشط في الدفاع عن حقوق الإِنسان. وفي هاوُرد تعرفت بالمهندس الجامايكيّ هارولد موريسون (1932-2016) فتزوَّجته سنة 1958 وطلَّقَتْه سنة 1964 فعاد إِلى جامايكا واحتضنَت هي ولديها هارولد جونيور وسلايد وسكَنَت في سيراكيوز (نيويورك). لم يُعرَف سبب طلاقها، لكنها في حديث صحافي سنة 1965 قالت إِن السبب كان مزاج زوجها وميلَه أَن تكون زوجته مطواعةً مطيعةً بدون نقاش ولا جدال.

من التحرير إِلى التأْليف

في سيراكيوز عملَت محرّرة أَدبية لدى دار نشر للأَطفال، ونجحت بذلك فانتقلَت إِلى دار “راندوم” النيويوركية الشهيرة، ما زاد في تلك الدار من نشر مؤَلفات أَميركيين من أَصل أفريقي بينهم أَنجيلا ديفيس (م. 1944) ومحمد علي كلاي (1942-2016).

ومن تحرير مؤَلفات الآخرين إِلى التأْليف: بدأَت طوني موريسون تكتُب روايتها الأُولى سنة 1961، وكانت عضوًا في مجموعة كُتَّاب لدى جامعة هاوُرد. لكن روايتها الأُولى تلك (“العين الأَكثر ازرقاقًا”) لم تصدُر إِلَّا سنة 1970 وكانت طوني في التاسعة والثلاثين. وعن تجربتها تلك، صرَّحَت لاحقًا في إِحدى مقابلاتها الصحافية: “بعدما أَنجزْتُها، عُدتُ إِليها كقارئة لا ككاتبة، فوجدتُ أَن قصةً كهذه ليست منطقية. ففتاةٌ صغيرة سمراءُ البشرة محافظةٌ جدًّا لا وجود لها في عالَم الأَدب. كنتُ أَبحث عن قصة أَقرأُها أَجد فيها فظاظة العنصرية وقُدرتها على التدمير”. وفي رواية “العين الأَكثر ازرقاقًا” قصةُ الصبية بيكولا الأَميركية من أَصل أَفريقي تتخيَّل حياتها أَقل صعوبةً وتعقيدًا لو كانت لها عينان زرقاوان. ولدى صدور الرواية لاقت رواجًا مفاجئًا، منه مقال تقريظي قوي في “النيويورك تايمز”، فانتشرَت، ودخلت من يومها لائحة المطالعة في معظم الجامعات.

ما هي الروايات التي قطفت جوائز لائقة بلوغًا إِلى جائزة نوبل ؟

هذا ما أَكشفه في الجزء الثاني من هذا المقال.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى