ما هو وراء وعود النظام الكاذبة للشباب في مصر؟
بقلم محمود فاروق*
إستضافت مدينة شرم الشيخ مُنتدى شباب العالم في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، وهذا المؤتمر هو السادس ضمن سلسلة من المؤتمرات التي بدأها النظام المصري في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، ليؤكد للمجتمع الدولي والمحلي على أنه يعمل من دون كلل لبناء جسور الثقة مع الشباب المصري. لقد إختار الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمنتدى شباب العالم الأخير شعار “يجب أن نتكلم”، وقطع وعداً بتأمين تواصل الشباب مع صانعي القرار ليتمكّنوا من إبداء آرائهم وخبراتهم حول التنمية والمجتمع المدني ومشاركة الشباب – بالإضافة إلى ريادة الأعمال وحلّ النزاعات ومشاركة النساء وحرية الإعلام. غير أن هذه الأحداث التي تُسلَّط عليها الأضواء هي في تناقض مباشر مع سياسات الدولة المصرية التي تفرض قيوداً على حرية التعبير لدى الشباب، والتي تقوم على ترسانة من القوانين والسياسات التي تهدف إلى جعل النقاش يقتصر فقط على ما يريد النظام سماعه.
في الرابع والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، أقرّ البرلمان المصري من حيث المبدأ قانون “الهيئات الشبابية” ليحل محل القانون رقم 77 لسنة 1975. وذكر رئيس البرلمان، الدكتور علي عبد العال، أن القانون هو “هدية للشباب قبل مؤتمر الشباب العالمي”. وهذا القانون – بعد الموافقة النهائية عليه – لن يُنظِّم فقط “النوادي الرياضية الشبابية” وعلاقتها بالدولة بل أيضاً المواضيع التي يجوز للشباب الحديث أو عدم الحديث عنها داخل النوادي الرياضية. وقد تضمّنت المادة السادسة من القانون شرطاً جديداً جرّم “مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي” أو حتى “الترويج لأي أفكار أو أهداف سياسية”. وحدّد القانون عقوبة مَن يخالف هذه المادة ويناقش أفكاراً سياسية بـ”عام سجن و50 ألف جنيه مصري غرامة”، طبقًا للمادة 44 من القانون.
علاوةً على ذلك، وضع القانون تعريفات عامة وفضفاضة تُعطي السلطة التنفيذية أكبر مساحة مُمكنة لإستخدام النص القانوني لمنع ما تريد. فذكرت المادة السادسة من مشروع القانون أن المقصود بالهيئات الشبابية ليس فقط النوادي الرياضية على سبيل الحصر وإنما كل مجموعة توفر الخدمات الرياضية والإجتماعية والصحية والترويجية و”غيرها”. كلمه “غيرها” تُعطي – كما العادة – السلطة التنفيذية مساحة كبيرة من التحرّك لتضع أي هيئة أخرى تحت طائلة القانون، بالأخص الجامعات الخاصة. وقاد التعريف الموجود في القانون النائب صلاح حسب الله، المتحدث الرسمي بإسم “تحيا مصر”، وهي أكبر كتلة داخل البرلمان، إلى التوضيح بأن الهيئات الشبابية ليست فقط النوادي الرياضية وإنما أيضاً الجامعات وذلك حين قال في تعقيبه على القانون في 24 تشرين الأول (أكتوبر): “إن العمل الحزبي والقانوني يكون خارج النوادي الرياضية للشباب والجامعات، كل تلك الكيانات يجمعها علم مصر وليس الإنتماء السياسي”. وجاء هذا التفسير المُقدَّم من النائب على الرغم من أن القانون لم يذكر الجامعات في أيٍّ من مواده.
صدر هذا القانون ليبني على ترسانة من القوانين والقرارات وأحكام المحاكم التي تغلق أي مساحة ممكنة للتعبير لدى الشباب المصري. ففي كانون الثاني (يناير) 2015، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً بتعديل أحكام قانون تنظيم الجامعات (قانون 49 لسنة 1972)، وذكر في تعديل المادة 110 من القانون أنه “يعاقب بالعزل من هيئة التدريس أي ممارس للأعمال الحزبية داخل الجامعات”. هذا التعديل جاء ليضمن أنه حتى أساتذة الجامعات غير مسموح لهم بالحديث والتعبير عن مواقفهم وأفكارهم السياسية. على جانب آخر، أصدر المجلس الأعلى للجامعات بياناً في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 “بمنع الأعمال الحزبية والسياسية داخل الجامعات”. ومع ذلك، فقد سمح المجلس لحملة “علشان تبنيها”، وهي حملة تأييد تطالب السيسي بالترشح لفترة أخرى، بدخول الجامعات والحصول على تواقيع هيئات التدريس والطلبة. إن السماح لحملة تأييد السيسي هو جزء من نمط مكرر في مصر تمنع فيه الحكومة النشاط “السياسي والحزبي” لأي حزب أو جماعة معارضة وتسمح به فقط وتؤيده لأي مجموعة داعمة للنظام المصري.
خارج الجامعات والنوادي الرياضية لم يبقَ للشباب إلا الأماكن العامة أو وسائل التواصل الحديث للتعبير عن آرائهم، ولكن النظام المصري أبى أن يترك أياً من المساحتين للشباب للتعبير عن آرائهم. فقانون التظاهر المصري (قانون 107 لسنة 2013) وطبقاً للمادة الثالثة منه، يمنع المصريين عامة بمن فيهم الشباب، من أن يتظاهر عشرة منهم أو أكثر في مكان عام للتعبير عن موقف سياسي دونما الحصول على موافقة مُسبَقة من وزارة الداخلية قبل ثلاثة أيام على الأقل. وعلى الرغم من أن القانون ينص تحديداً على منع المجموعات المؤلّفة من عشرة أفراد أو أكثر من التظاهر، إلّا أن الأمن المصري ألقى القبض في حزيران (يونيو) 2016 على فتاة تتظاهر وحيدة في بور سعيد رافعة شعار “تيران وصنافير مصريتان” إحتجاجاً على الإتفاق الذي نقلت بموجبه الحكومة المصرية ملكية جزيرتَي تيران وصنافير إلى الدولة السعودية.
على صعيد آخر، وسّع النظام المصري ترسانة القمع لتطال وسائل التواصل الاجتماعي. فقد عرّف الأعمال الإرهابية في قانون الكيانات الإرهابية (قانون 8 لسنة 2015) بأي عمل “يخل بالنظام العام”. كما إعتبر قانون مكافحة الإرهاب (قانون 94 لسنة 2015) أن الأعمال الإرهابية هي أي عمل يقوم بشكل مباشر أو غير مباشر بالترويج للإرهاب من خلال الكتابة أو الكلام، وقد إستخدم النظام المصري هذين القانونين لسجن العديد من الشبان بعدما قاموا بإنتقاد سياسات النظام على مواقع التواصل الإجتماعي. وتبرز في هذا الإطار حالة أندرو ناصيف، أول مسيحي يُسجَن بتهمة الإرهاب في مصر، بعد قيامه بكتابة عدد من التعليقات على حسابه على فايسبوك ينتقد فيها السياسات الإقتصادية للنظام المصري، ويُطالب بمساحات أكبر من الحريات السياسية.
إن كان هناك درس يُمكن أن نتعلمه من ثلاثين عاماً من التضييق تحت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، فهو أن منع الشباب من التعبير الصحي والمرئي لأفكارهم لن يفيد إلّا الجماعات الُمتمَرِّسة بالعمل السري، بالأخص تلك التي لديها ميل للعنف والتطرف. لقد أشارت تقارير مختلفة إلى أن الكثير من الشباب المصري أصبح أكثر ميلاً نحو التطرف – منذ إقرار قانون التظاهر في العام 2015 – داخل السجون وخارجها بسبب المساحات الضئيلة للتعبير السلمي. في نهاية المطاف، فإن الوعود والحملات الدعائية، مثل مُنتدى شباب العالم، التي تحاول أن تُسوِّق إلى العالم بأن الشباب المصري يتم تشجيعه والسماح له بالتعبير عن آرائه، هي كاذبة ومُضَلِّلة وتزيد من إقصاء الشبان والشابات في مصر.
• محمود فاروق معاون في مجال البرامج في مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط (POMED). لمتابعته عبر تويتر: MahmoudFarouk06@