حكومة إتحاد الشغل في تونس؟!
بقلم عبد اللطيف الفراتي*
لم يبقَ في غياب الدولة في تونس إلّا أن يُقدِم الرئيس الباجي قائد السبسي على إقالة حكومة يوسف الشاهد، ويدعو الإتحاد العام التونسي للشغل لتعيين من يتولّى رئاسة حكومة جديدة، تكون الثالثة في عهده الرئاسي. وبهذه الصورة يتم إطلاق يد إتحاد الشغل في تصريف الشأن العام خصوصاً الإقتصادي والإجتماعي، ومواجهة التحديات التي تعيش في ظلها البلاد، وهي أشبه ما تكون في وضع أسوأ مما عرفته سنوات 1986 و1969 و1956، بل في وضعٍ يُمكن مقارنته بما كان عليه الأمر في 1880 و1881، عندما تم فرض رسم “كوميسيون” مالي على البلاد، إنتهى إلى فرض الحماية، وإخضاع تونس لإستعمار إستمر 75 سنة فقدت خلالها مقوّمات سيادتها، وبالتالي إستقلال قرارها.
ففي مثل هذه الأيام من العام الفائت، تم تشريح موازنة العام2017 ، وسقطت التعهدات التي تمّ بذلها للمؤسسات المالية الدولية، والتي كان يمكن معها أن تستعيد المالية العمومية شيئاً من عافيتها، فتراجعت الحكومة عن قرارات كانت ضرورية لتقويم أوضاع البلاد، وجاءت نهاية 2017 بمناسبة درس موازنة 2018 بتراجعات في غير نظام للحكومة، فاتخذ النواب قرارات بتقليص ضرائب و أداءات مقررة لها، من شأنها أن تسعى إلى العودة بالمالية العمومية إلى عقلانية فقدتها منذ 2011 ، مما تم معه الاضطرار إلى أمرين:
أولهما: التراجع عن قرارات تجميد الأجور في الوظيفة العمومية بعدما وصلت نسبتها إلى أرقام تُعتبر من أعلى ما هو موجود في العالم .
ثانيهما: الإعلان عن ضرورة القيام بإعداد موازنة تكميلية قبل بدء السنة المالية، وهي سابقة غريبة في الدول، فعادة وعندما تضطر دولة ما لموازنة تكميلية يكون ذلك في آخر السنة المالية لا في أولها أو حتى قبل المصادقة على موازنة سنة ما.
أما موازانة العام الجديد 2018 فإن النواب أقدموا على قضمها، بعدم المصادقة على مقابيض كثيرة مُبَرمَجة، في تناقض كامل مع القانون الأساسي للموازنة الذي يفرض على كل نائب أو جهة تسحب مداخيل مقررة، إقتراح ما يقابلها من مقابيض، على إعتبار أن الموازنة هي تعادل ببن الإنفاق والمداخيل. غير أن ذلك على أهميته لا يُعَدّ المظهر الأخطر، بل جاء الإتفاق بين الحكومة وإتحاد الشغل المُعلَن عنه قبل أسبوع بمثابة الضربة القاضية لتوازن موازنة هي في حد ذاتها تشكو من إنخرام فادح، وذلك بتعهدات من الحكومة بعدم إتخاذ إجراءات مُقرَّرة كان مفترضاً أن تُدخِل إلى خزينة الدولة أموالاً طائلة وفقاً لموازنة بدأ خرقها قبل أن يبدأ تطبيقها.
ويبدو من المؤكد أن يوسف الشاهد الحريص على البقاء في منصبه كرئيس للحكومة، وأمام المناورات الجارية داخل حزبه “نداء تونس”، إختار ببدء مسك الثور من قرنيه، وعلى أمل أن يكون رئيس الجمهورية المقبل، فضّل أن يُقدِم على تقديم تنازلات كبيرة في تناقض مع تعهدات لمؤسسات مالية دولية، وهو أول من يعرف أنه غير قادر عليها، على أن يواجه الواقع.
وإذ ضمن إستناده إلى إتحاد الشغل الذي سيقف في صفه، في مقابل زعماء حزبه، فإنه ومتى تقرر التخلص منه كما سبق أن حدث مع سلفه الحبيب الصيد، ودارت ماكينة “نداء تونس” فإن الرياح ستذروه، لن يفيده في ذلك لا إتحاد الشغل ولا غيره، ولن يجد “حزب النهضة” في صفه، ومن هنا فإن البلاد تعيش في خضم مناورات قاتلة لإستقرار الحكم، وبالتالي لإمكانيات القيام بأي إصلاحات لا في العمق ولا على السطح.
ولعلّ حكومة إتحاد الشغل “قادرة” على مواجهة تحديات كبرى تعصف بالبلاد ، فتتخذ القرارات الموجعة التي يرفض إتحاد الشغل من الحكومات المتعاقبة منذ 7 سنوات أن تتخذها، فيسهم بالتالي في دفع البلاد إلى حافة الهاوية، برفض عقلنة سياسات التعويض الدافعة للإفلاس، وسياسات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية في إتجاه خصخصة ما منها في القطاع التنافسي وتحسين أداء المؤسسات المُحتكرة بطبيعتها، وإعادة مؤسسات التأمينات الإجتماعية إلى موقع يُعيد إليها توازناتها.
ولكن هل يقبل إتحاد الشغل الدخول في مغامرة تسلم الحكم الفعلي، وهو أول من يعرف أنه سيترك فيها رياشه، ولذلك لعله يعود بذلك إلى حد أدنى من الرشد، ويكتفي بدوره المطلبي وفقاً لإمكانات البلاد الحالية في إنتظار أيام أفضل. ويكفّ عن المزايدة ولعب دور سياسي أكبر من حجمه، مع إمكانات بلد ينزف وليس هناك من يقف من أجله على حد تعبير يوسف الشاهد.
• كاتب وصحافي تونسي، ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الصباح” المستقلة في تونس. fouratiab@gmail.com