إنهاء الطائفية في سوريا
لندن – هيكل مهدي
مع إستئناف محادثات السلام في جنيف، هناك شيء واحد واضح وهو أن سوريا تحتاج إلى معالجة مسألة الطائفية إذا كان لها أن تنجح. وغالباً ما تُعرَض الطائفية السورية بأنها غير قابلة للحل، ومُستمَدّة من إنقسامات قديمة، ويستحيل التحكم بها أو إحتواؤها. ولكن أبحاثاً جديدة تشير إلى أن ذلك قد لا يكون مستعصياً على الحل كما يبدو.
في العام 2015، إستطلعت منظمة ” ذا داي أفتر” (The Day After) غير الحكومية في بروكسل، 2500 سوري وسورية عن مواقفهم وآرائهم تجاه الطائفية. وأجرى 40 باحثاً وباحثة مقابلات وجهاً لوجه عبر سوريا في دراسة تُعتبَر الأكثر شمولاً من نوعها.
وكان بعض النتائج بشكل مفاجىء إيجابياً. قال 19 في المئة من المشاركين، بمن في ذلك 24 في المئة من النساء، أن سوريا لا توجد فيها مشكلة الطائفية. وقال 62 في المئة أنهم يعتبرون أنفسهم “طائفيين قليلاً” أو “لا طائفيين على الإطلاق”. غالبية كبيرة –أكثر من 80 في المئة — رفضت الرأي القائل بأن الطائفية في سوريا هي “مشكلة قديمة ولا يمكن حلها”. و65 في المئة قالوا أن أنسب أشكال الحكم للقضاء على الطائفية سوف يكون “نظاماً سياسياً مبنياً على أساس المواطنة والمساواة أمام القانون”، بدلاً من “الحكم الإسلامي” (14٪) أو “التقسيم” (عشرة في المئة).
كل شخص لديه طبقات عدة من الهوية، وربما لذلك فإنه ليس من المستغرب بأن السوريين – الذين كثيراً ما يوصَفون ويُحدَّدون حسب طائفتهم في تقارير وسائل الإعلام الدولية — كثيراً ما يرون هويات أخرى، مثل تلك السياسية أو المحلية، أكثر أهمية. لقد شهد السوريون مقدار الضرر الذي أدّى إليه العنف الطائفي ولديهم أسباب قوية لرفضه.
في سوريا، طائفة الأقلية العلوية في البلاد، ما يقرب من 12 في المئة من السكان، تدعم بشكل عام نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما يفعل المسيحيون في البلاد (عشرة في المئة من السكان) ومعظم الدروز (ثلاثة في المئة). معارضو النظام يتشكّلون في المقام الأول من السنّة في البلاد، الذين يشكلون نحو 65 في المئة من السكان. والأكراد، العشرة في المئة المتبقية، يميلون إلى عدم الإهتمام بالذي أو من يدير البلاد، فهم أكثر إهتماماً بتأمين الحكم الذاتي لهم.
وعلى الرغم من النطاق المروع للضحايا على مدى السنوات الخمس الماضية، فمن الممكن أن نتصور مستقبلاً حيث هذه المجموعات تتوحد معاً لتشكيل حكومة سورية تعددية. ووجدت الدراسة أن غالبية أفراد العينة إعتبرت بأن الرئاسة السورية، وقوات الدفاع الوطني السورية، و”الدولة الإسلامية” (وتسمى أيضاً داعش)، و”حزب الله” هي “طائفية” أو “طائفية جداً”. ولكن وصف أقل من 20 في المئة القضاء السوري في العبارات نفسها، متمنين إنشاء نظام عدالة موثوق في مرحلة ما بعد الصراع.
الواقع أن إعداد خطة لمستقبل سوريا، يتطلب النظر في ماضي إيرلندا. منذ جيل مضى، بدا الصراع في إيرلندا الشمالية طائفياً ميؤوساً منه ويستحيل أن ينتهي. قتل الروم الكاثوليك والبروتستانت بعضهم بعضاً بأعداد قياسية. بين عامي 1970 و2005، قُتل نحو 3500 شخص، أكثر من نصفهم من المدنيين. لكن إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون توسّطت في إتفاق للسلام، الذي وافقت عليه حكومتا إيرلندا والمملكة المتحدة، وكذلك الجماعات شبه العسكرية المختلفة. تم التوقيع عليه في العام 1998 بعدما وافقت عليه إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا من خلال إستفتاء. لقد عرض الإتفاق نظاماً سياسياً أكثر شمولاً و “مساواة في المكانة” الرسمية بين الطوائف ليحل محل التمييز. الآن إختفى العنف الطائفي، الذي كان يُعتقَد سابقاً أنه سمة لا مفر منها في السياسة الايرلندية.
وتشير نتائج المسح إلى أن سوريا قد تتبع مساراً مماثلاً إذا إعترف إتفاق للسلام بالحكم الذاتي الإقليمي والمحلي، وإصلاحات قوات الأمن في البلاد، كما حدث في إيرلندا، لعكس على نحو أفضل التركيبة السكانية للمجتمعات التي تخدمها. وعلى الرغم من أن الحرب السورية أقصر بكثير (بدأ الصراع في ايرلندا أصلاً في القرن السابع عشر)، كانت خسائرها أعلى بكثير، كما أن دولاً خارجية – بالتحديد إيران الشيعية ودول الخليج السنية – إستثمرت في تأجيج الصراع على أسس طائفية.
إن الطائفية لا تلبي إحتياجات الناس على المدى الطويل. وكما قال قائد القوات شبه العسكرية المخضرم في إيرلندا الشمالية ديفيد إيرفين: “الطائفية مثل بَول دافئ في أسفل ساق سرولك: إنه يعطيك على الفور توهجاً دافئاً ولكن سرعان ما يصبح بارداً”. الناس في نهاية المطاف يدركون أن التمييز ضد الآخرين على أساس الطائفة ببساطة يُشعل التظلمات وحتى أنه ينهي السلام.