مستقبل البنوك في إيران مُعَلَّق على إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته

من جديد بدأت تتدفق آفاق الأمل في حركة الدورة المالية للبنوك الايرانية، فقد مر عقد وأكثر من السنوات، على هذه البنوك وهي تعيش في حالة اقرب الى الخمول والسبات منها الى الحركة والتعامل البنكي، بسبب العقوبات الأميركية على ايران وما يتعلق بملفها النووي، وبعدما تم تجاوز هذا الملف الشائك بإتفاق تاريخي بين ايران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، بريطانيا، وروسيا) زائد ألمانيا، عادت التعاملات البنكية الى الحضور ولكن بصعوبة بسبب تخلف القطاع المصرفي. لذا هل يمكن إصلاح النظام المصرفي الايراني وتعزيزه بالسرعة الكافية لكي يستطيع الإقتصاد الإستفادة منه بشكل كامل بعد رفع العقوبات؟

بنك صادرات إيران:  من أكبر البنوك الإيرانية الخاصة
بنك صادرات إيران: من أكبر البنوك الإيرانية الخاصة

طهران – هشام الجعفري

لا تزال دورة المال في المصارف الإيرانية تعاني من أثقال الماضي، فليس سهلاً أن تتم محاصرة هذه البنوك لاكثر من عشر سنين من دون أن تُصاب بشيء من التراجع والإنكماش والتخلف، لاسيما أن تعاملاتها خلال تلك السنوات العجاف، قد إنحصرت في التعاملات المالية الداخلية فقط، بعدما كانت قبل الحصار والعقوبات الأميركية تُعتبَر من بين أهم البنوك العالمية من حيث حجم التبادلات النقدية والتداول المالي العالمي والمحلي الذي تتعامل به هذه البنوك إستقبالاً وإرسالاً.
واليوم بعدما تجاوزت الجمهورية الإسلامية عقبة هذا الملف النووي المعقّد، بدأت البنوك الإيرانية تتنفس حرية الحركة والتعامل مع الاموال الآتية من شتى البنوك الدولية، ولكن ما تجدر الإشارة إليه، أن هذه العودة أخذت شكل التدرج خطوة خطوة بالنسبة إلى التعاملات والنشاطات المالية لدورة المال في هذه المصارف.
في الأسابيع الأولى على بدء تنفيذ الإتفاق على رفع العقوبات المفروضة على إيران، تمكّن بنك الشرق الأوسط، ومقره طهران، إضافة حوالي 20 مؤسسة أجنبية على قائمة البنوك المُراسِلة. وقبل الإتفاق كان هناك مجرد خمسة أو ستة بنوك مُراسِلة، وفقاً لبرويز عقيلي كرماني، المدير العام للبنك.
إنها إشارة واضحة إلى كيفية دخول البنوك الإيرانية مُجدّداً إلى المسرح الدولي، حيث عاودت الربط أيضاً بنظام المراسلات البنكية الدولية “سويفت” وعملت على ترتيب المزيد من خطابات الإعتمادات البنكية. هذه المكاسب هي موضع ترحيب ولكنها أيضاً، في بعض النواحي، تأتي بوتيرة بطيئة بشكل مُحبِط. إن العقوبات الأميركية ما زالت مستمرة، وهذا يعني أن أكبر البنوك في أوروبا وأماكن أخرى لا تزال في كثير من الأحيان تتردد في التعامل والإنخراط مع القطاع المصرفي الإيراني.
إضافة إلى ذلك، فإن هناك مهمات أصعب بكثير تنتظر المصرفيين في البلاد. بعد سنوات من العزلة، فإن القطاع المصرفي ضعيف وغير متطور وغير حديث. إن أنظمة الإبلاغ قديمة ونسب كفاية رأس المال في كثير من الأحيان أقل بكثير من المعايير الدولية. ويعاني القطاع المصرفي أيضاً من مستويات عالية في مجال القروض المتعثرة. يصف بشار الناطور، الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة “فيتش” للتصنيف، القطاع المصرفي الإيراني بأنه “مُنهَك ومُستَنفَد”.
الواقع أن إيران تحتاج الآن إلى بنوكها لكي توفّر مستوى أعلى بكثير من الخدمة التي كانت تعمل فيها سابقاً. من دون حدوث هذا، فإن البلاد تجازف بخسارة بعض الفوائد المُحتمَلة التي يجب أن تأتي من فك أغلال العقوبات. هل ستكون على مستوى التحدي؟ أحد الأسئلة الكبرى الذي يخيّم الآن على آفاق الإقتصاد الإيراني ككل ويبحث عن جواب.
يعترف الجميع في القطاعين العام والخاص في إيران، كما في خارجها، أن هناك حاجة ماسة إلى تغيير واسع النطاق في القطاع المصرفي وعدد قليل من الناس يتساءل عن حجم المشكلة. “ليس هناك شك في ذهني أنه ينبغي علينا إعادة هيكلة القطاع المصرفي في إيران”، يقول عقيلي كرماني.
ويفيد حامد بيغلاري، الشريك الإداري في شركة الأبحاث الأميركية “تي جي جي غروب” بأن إيران تحتاج إلى إجراء تغييرات سواء من حيث الهيكل التنظيمي والوضع المالي للبنوك الفردية.
“إن تخصيص رأس المال ونظام الوساطة المالية لا وجود لهما اليوم”، قال، متحدثاً في مؤتمر عن الإستثمارات الإيرانية عُقد في لندن في أوائل آذار (مارس) الفائت الذي نظمته صحيفة “فايننشال تايمز”. مضيفاً بأن “البنك المركزي الإيراني ليس مستقلاً تماماً. إن المستثمرين الذين يسعون إلى الإستثمار في ايران يريدون رؤية بنك مركزي مستقل للتأكد من أن رأسمالهم محميٌّ ضد التضخم. كما يحتاج النظام المصرفي إلى إعادة رسملة من أجل أن يكون قادراً على تخصيص رأس المال بكفاءة”.
من جهته يضيف عاصم حسين، نائب مدير شؤون الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، بأن “القطاع المالي لم يُدفَع أو يوجَّه حقاً إلى تلبية إحتياجات الإقتصاد الإيراني”. ويشير إلى أن إرتفاع معدلات التضخم وإرتفاع أسعار الفائدة في السنوات الأخيرة يعنيان بأنه “سيكون من الصعب جداً على الشركات، حتى لو كانت لديها إمكانية الحصول على الإئتمان، الإقتراض وفق تلك المعدّلات وتحقيق أرباح”.
الحقيقة أن أيةً من هذه القضايا سوف تكون أو تشكّل مفاجأة للسلطات. العديد من كبار الشخصيات في إدارة الرئيس حسن روحاني يعترق ويقر بالحاجة إلى إجراء إصلاحات جوهرية في النظام المالي وبيئة الأعمال على نطاق أوسع. إن إعادة رسملة البنوك قد تتطلب من الحكومة إنشاء “بنك سيئ” لتحويل ونقل بعض القروض المتعثرة إليه، وهذا الأمر يقول البنك المركزي بأنه يدرسه وينظر فيه.
“نحن مُلتزمون بخفض القروض المتعثّرة للبنوك، وإذا لزم الأمر فإننا سوف ننشىء شركة لإدارة الأصول”، قال بيمان قرباني أجيلابادي، نائب محافظ البنك المركزي الإيراني للشؤون الاقتصادية، في مؤتمر الإستثمار في إيران.
وقال علي سانجينيان الرئيس التنفيذي لبنك أمين للإستثمار المملوك ملكية خاصة: “إن عزل سوق النقد الإيرانية عن الأسواق العالمية قد أدّى إلى عجز البنوك الإيرانية عن مجاراة التطورات الدولية.”
وأضاف سانجينيان الذي تُعتبر شركته أكبر بنك إستثماري في إيران حيث يدير أصولاً تتجاوز قيمتها المليار دولار: “لقد أدّى هذا الأمر إلى إفتقار البنوك في مجالات مثل جودة الإستثمار وكفاية رأس المال والرقابة الداخلية وسائر الشروط الوقائية بالمقارنة مع المعايير الدولية.”
وقد عانت مصارف إيرانية كثيرة من جراء الديون الرديئة خلال حقبة العقوبات. وتفاقم الوضع بفعل إنكشاف مصارف عدة على السوق العقارية المحلية التي تدهورت في 2012، الأمر الذي أبقى على قروض تكتنفها المشاكل داخل النظام. وأظهرت البيانات الرسمية أن نسبة القروض المتعثرة لإجمالي القروض بلغت 13.4 بالمئة في الشهر الفارسي المنتهي في 21 حزيران (يونيو) 2015. وتشير تقديرات السوق إلى أن هذا المعدل يساوي نحو 40 مليار دولار بحسب “رويترز”.
ويقول كونستانتينوس كيبريوس كبير المحلّلين لمجموعة المؤسسات المالية في وكالة “موديز” للتصنيف الإئتماني: “إن أكبر المشاكل التي تواجهها البنوك الإيرانية هي المستوى المرتفع للقروض المتعثرة وتدني الإحتياطيات الرأسمالية”. وقال كيبريوس إن القطاع المصرفي الإيراني ما‭ ‬زال يعاني من نقص التمويل حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 6.8 بالمئة في 2014 مقارنة مع متوسط إقليمي بين 13 و14 بالمئة. وأضاف أنه في ظل “المخاوف من عدم الإفصاح الكامل عن القروض التي تكتنفها المشاكل فإن القطاع بحاجة إلى رأسمال جديد وكبير”. ومنذ الأزمة المالية لعام 2008 أصبح لزاماً على معظم البنوك الإمتثال إلى معايير رأس المال الدولية الجديدة المعروفة بإسم “بازل 3” التي تفرض عليها تعزيز موازناتها. ‬
هذا هو مجرد جزء من عبء العمل المُنتظَر الذي يواجه البنك المركزي الإيراني. فهو يحاول أيضاً خفض التضخم وتقليل الفجوة بين أسعار صرف الريال الرسمية والسوق. وهو يسعى أيضاً إلى وضع سوق “مصارف الظل” في البلاد تحت السيطرة المشدّدة – منطقة غير مُنظّمة جيداً حيث يجري فيها الإدخار والإقراض مع عدد قليل من نُظم الحماية.
يفيد الخبراء بأن غالبية هذه المهام هي في طريقها إلى التحقيق. لكن هناك أشياء أخرى ينبغي حلّها وتحقيقها وسوف تنطوي على تغييرات جوهرية في عادات الأعمال. على سبيل المثال، حالياً توفّر المصارف التجارية الإيرانية أو تدعم تقريباً جميع عمليات تمويل الأعمال التجارية، بما في ذلك تقديم ضمانات على إصدارات سندات الشركات المتداولة في أسواق رأس المال. إن تغيير ذلك الواقع سوف يتطلب من وكالات التصنيف أن تأتي إلى البلاد لتقديم تقييم مستقل لقضايا الديون، التي سوف تستغرق أشهراً عدة أو ربما سنوات.
من ناحية أخرى، تجعل القضايا الدولية الكثير من هذه المهام المحلية أصعب مما هي عليه، ولا سيما مع العقوبات الأميركية المستمرة التي تحظّر على الشركات والأفراد الإيرانيين التعامل أو المشاركة في أيّ من المعاملات بالدولار الأميركي. إن حذر الشركات والبنوك الدولية بالنسبة إلى التعامل مع إيران، في بعض الحالات، متأصل بعمق، وفقاً لجون ويتاكر، الشريك في شركة المحاماة “كلايد أند كو”.
“إذا كنت تُهيكِل صفقةً، عليك هيكلتها بالطريقة التي يمكنك فيها تجنب النظام المالي الأميركي بشكل فعّال”، يقول. مضيفاً بأن “المشكلة بالنسبة إلى العديد من الشركات هي أنها عندما تنخرط مع مصرفييها فإنها تعطي ضمانات وتعهدات ومواثيق. بعض من هذه المواثيق، التي تذهب إلى أبعد من نظام العقوبات، تحظّر على الشركات، أو من المؤكد تحدّ، التعامل مع الإيرانيين”.
وتسعى السلطات الإيرانية من جهتها إلى دفع أوروبا والولايات المتحدة لتوضيح الوضع في ما يتعلق بالبنوك الدولية الكبيرة، لكي يمكنها البدء في القيام بأعمال تجارية مع الجمهورية الإسلامية مرة أخرى، من دون التعرض لخطر غرامات كبيرة وعقوبات أخرى التي تفرضها واشنطن.
“نظام “سويفت” عاد إلى التعامل مع البنوك الإيرانية، وهناك بعض خطابات الإعتماد المصرفي التي فُتحت هنا وهناك”، قال محمد نهاونديان، مدير موظفي مكتب الرئيس روحاني، في حفل أقيم في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن في آذار (مارس) الفائت. وقال: “هناك علاقات مراسلة مع بعض البنوك، ولكنها ليست كافية. إن البنوك الكبيرة لا تزال قلقة بشأن العقوبات الأساسية في الولايات المتحدة. والبنوك غير الأميركية ينبغي ألّا تحدّ من أنواع المعاملات المصرفية مع البنوك الإيرانية، التي يجب أن تتم … إن حكومة الولايات المتحدة هي المسؤولة عن إعطاء نوع من الراحة للبنوك خارج الأراضي الأميركية للتعامل مع مصارفنا”.
في حين أن البنوك الدولية الكبيرة تتجنب إيران بشكل واضح، فإن بعض المؤسسات الصغيرة التي لها علاقات محدودة أو معدومة للتعرض للسوق الأميركية بدأ التورط والتعامل، مثل “Europäisch-Iranische Handelsbank “. ولكن عموماً ليست هناك خيارات كثيرة بالنسبة إلى معظم البنوك الايرانية سوى التحلي بالصبر وإنتظار العالم للحصول على ما يكفي من الثقة لدخول البلاد. “من المتوقع أن يمر بعض الوقت، أربعة أو خمسة أشهر، قبل أن يتم حلّ كل الصعوبات وسوف نكون حينها في وضع ملائم للتعامل مع البنوك الدولية”، يقول عقيلي كرماني.
إن هذا سوف يعطي على الأقل فترة للنظام المصرفي الإيراني لإلتقاط الأنفاس والوقت لضبط وتطوير النظام البنكي المحلي.
يبقى أن نعلم بأن الأصول المالية لمعظم البنوك الإيرانية تُعدّ من الاصول القوية، كما تشير الى ذلك أرقام موثقة، حيث يتكوّن القطاع المصرفي الإيراني من ثمانية بنوك مملوكة للدولة و19 بنكاً خاصاً بلغت أصولها الإجمالية 582 مليار دولار في نهاية 2014، وفقاً لبيانات البنك المركزي الإيراني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى