البحرين تبحث عن سُبلٍ لإعادة إعتماد المنامة كمحور مصرفي إقليمي

في ظل أزمة إقتصادية ناجمة عن هبوط إنخفاض النفط والتي تهدد المملكة الخليجية الصغيرة بالكساد، تعمل البحرين على إستغلال نقاط قوتها في قطاعها المصرفي لعلها تستطيع أن تعيد العز إليه وجعل المنامة مجدداً محوراً مالياً إقليمياً.

مصرف البحرين المركزي: القوى العاملة المحلية ثروة البلاد
مصرف البحرين المركزي: القوى العاملة المحلية ثروة البلاد

المنامة – عباس الأحمد

أظهر أحدث بيان لمصرف البحرين المركزي، الذي صدر في كانون الثاني (يناير) الفائت، مزيداً من الإنخفاض في قيمة الأصول التي تحتفظ بها البنوك في البلاد. كانت الموازنة العمومية الموحَّدة للجهاز المصرفي 190,5 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من العام الماضي وفقاً لمصرف البحرين المركزي، مقارنة ب191,8 مليار دولار في التاريخ عينه في العام 2014. قد يكون ذلك إنخفاضاً صغيراً، لكنه يسلّط الضوء على الواقع بأن السلطات في المنامة لم تجد بعد الوسيلة لإحياء القطاع الذي يكافح منذ سنوات عدة.
منذ العام 2008، إنخفض الحجم الكلي للنظام المصرفي البحريني بنحو 25 في المئة، وفقاً لتقديرات مؤسسة التصنيف الدولية “ستاندرد آند بورز”. هذا الهبوط لم يكن في جميع المجالات، لكنه تركز في جزء معيّن من السوق.
كانت بنوك التجزئة المحلية تتوسع بالفعل بشكل مطرد منذ العام 2008، مع تنامي الأصول من 63,5 مليار دولار في 2008 إلى 81 مليار دولار في نهاية أيلول (سبتمبر) 2015، في حين كانت المؤسسات المصرفية الإسلامية مستقرة، مع موازناتها التي بالكاد تغيّرت من 24,7 مليار دولار في العام 2008 إلى 25,5 مليار دولار في العام الماضي. بدلاً من ذلك، فإن المشكلة الرئيسية كانت مع وضع مصارف قطاع الجملة، والتي كانت تحدّ تدريجاً من قيمة موازناتها العمومية في البحرين. ونظراً إلى البيئة الإقتصادية الإقليمية المتدهورة والمناخ السياسي غير المؤكد في البلاد، هناك أسباب عدة تفترض بأن هذا الاتجاه سوف يتغيّر قريباً.
إن قرار وكالة “فيتش” للتصنيف بمراجعة توقعاتها بالنسبة إلى البحرين من مستقر إلى سلبي في أوائل كانون الاول (ديسمبر) الفائت لا تساعد الوضع أيضاً. كما أن التغيير في النظرة السيادية دفع “فيتش” إلى إجراء تغييرات مماثلة بالنسبة إلى توقعاتها لإثنين من البنوك الكبرى في البلاد، بنك البحرين الوطني وبنك البحرين والكويت.
وتوقعات وكالة “ستاندرد أند بورز” بالنسبة إلى البحرين ‘سلبية’ أيضاً. وقد أفادت مع وكالة “فيتش” بأنهما قد يخفّضان تصنيفهما “BBB-” هذا العام إذا إزداد إقتصاد البحرين أو وضع الحكومة المالي سوءاً أكثر مما كان متوقعاً. ومن شأن هذه الخطوة أن تدفع ديون البلاد إلى مستوى السندات المتدنية غير المرغوب فيها.
من ناحية أخرى، لن تساعد التوقعات وضع البحرين بأن إقتصادها في العام 2016 قد ينكمش. إن إنخفاض أسعار النفط يعني أن موازنات الحكومات تتعرض لضغوط في جميع أنحاء المنطقة، ولكن الإقتصادات الأضعف، مثل البحرين، هي في وضع ضعيف وأكثر تعرّضاً.
“بعض الإقتصادات الأصغر حجماً والأكثر تعرضاً، مثل البحرين وسلطنة عمان، يمكنه حتى أن يميل إلى الركود التام [في العام 2016]”، يحذّر “جايسون توفاي” خبير شؤون الشرق الأوسط في شركة الأبحاث البريطانية “كابيتال إيكونوميكس”.
لكن في حين أن هناك أسباباً للتشاؤم، فإن لدى البحرين عدداً قليلاً من نقاط القوة التي يمكن أن تُستغَلَّ.
ومن أهم هذه المزايا هي التجمّع اللائق من المواهب المحلية. وفقاً لمصرف البحرين المركزي، يشكّل السكان المحليون نحو 77 في المئة من القوى العاملة في القطاع المصرفي و68 في المئة في قطاع الخدمات المالية الأوسع نطاقاً. وهاتان النسبتان تتقدمان بفارق كبير على العديد من المراكز الإقليمية الأخرى.
“الموارد البشرية المحلية هي موردنا الرئيسي، وثروتنا الرئيسية”، يقول عبد الرحمن الباكر، المدير التنفيذي لرقابة المؤسسات المالية في مصرف البحرين المركزي.
المنامة هي أيضاً مكان رخيص نسبياً للقيام بالأعمال التجارية مقارنة بالمراكز التجارية الخليجية الأخرى. إن تأجير مساحات مكتبية في العاصمة البحرينية يكلّف حالياً حوالي 7 – 9 دينارات بحرينية (18.5 – 23.8 دولاراً) للمتر المربع الواحد شهرياً لأفضل البنايات نوعية، وفقاً لشركة الإستشارات العقارية “سي بي ريتشارد إليس”. وكان هذا الرقم ثابتاً منذ أواخر العام 2012 وبقي أقل مما كان عليه في العام 2009. وفي فترة تعرف إنخفاضاً في أسعار النفط وموازنات مُنهَكة، هناك الكثير مما يمكن قوله عن كون المنامة مركزاً منخفض الكلفة لرجال الأعمال.
“البحريني يحبّذ الإقتراح الذي يتناسب مع جميع أنواع الخدمات المالية، وذلك بسبب الخبرة والتنوع [في هذا القطاع في البحرين]، ولكن أعتقد أنه مناسب خصوصاً لمناطق حيث ما يهم في المقام الأول هي المهارة والتكلفة المعقولة للعملية”، يقول يارمو كوتيلين، كبير الإقتصاديين في مجلس التنمية الإقتصادية. مضيفاً: “أعتقد أن هذا هو على وجه الخصوص الحال مع المكاتب المتوسطة والخدمات المساعدة”. (مكاتب المتوسطة عادة ما تكون جزءاً من العمليات والأقسام المالية بما في ذلك مراقبة المنتوج، وهي أيضاً عادة مسؤولة عن التسويات).
ميزة أخرى لدى البحرين على أمثال قطر ودبي أو أبو ظبي وهي قربها من السوق السعودية، التي هي حتى الآن أكبر إقتصاد في المنطقة. ومع ذلك، فقد بدأت المملكة العربية السعودية بناء مركزها المالي الخاص، مركز الملك عبدالله المالي في الرياض. وفي العام الماضي أيضاً أخذت التدابير اللازمة لجعل الأمر أسهل بالنسبة إلى المستثمرين الدوليين لوضع المال في سوق أسهمها “تداول”.
مثل هذه العوامل يمكن أن تقوِّض وضع البحرين كقاعدة يمكن من خلالها إستهداف السوق السعودية. وكما قال أحد المديرين التنفيذيين الدوليين العاملين في دبي مازحاً: “البحرين قد تكون على مقربة من السوق السعودية ولكن الرياض هي أقرب”.
كل هذا ينعكس في البحوث التي تصنّف القوة النسبية في المراكز المالية المحورية في المنطقة وخارجها. في أحدث مؤشر للمراكز المالية العالمية، الذي نشرته مجموعة أبحاث “واي زن” في أيلول (سبتمبر) الفائت، كانت دبي أفضل مركز محوري في الخليج وفي المرتبة 16 الأفضل على الصعيد العالمي. كان عليك أن تنتقل على طول لائحة وصولاً الى المرتبة 50 قبل ظهور إسم البحرين، 4 مراتب أقل من مؤشر العام الذي سبق.
مع ذلك، في بعض الأسواق المتخصصة، فإن البحرين هي في وضع أفضل. فهي تبقى ألمع بقعة في قطاع التمويل الإسلامي، حيث تمكنت البلاد من الحفاظ على موقعها الريادي الإقليمي في هذا المجال. وينبع هذا في جزء منه من حقيقة أن البحرين هي المركز الرئيسي لهيئات وضع المعايير مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والسوق المالية الإسلامية الدولية، ولكن هناك أيضا 25 بنكاً إسلامياً في المملكة الصغيرة، بما في ذلك ستة مصارف تجزئة و19 بنك جملة.
على الصعيد العالمي، فإن صناعة التمويل الإسلامي قد نمت نمواً صحّياً في السنوات الأخيرة، وهو أمر جيد لمصلحة البحرين. ولكن، حتى هنا في هذا المجال ليست كل الأخبار جيدة إذ أن بعض أجزاء من السوق يبدو أنه يعاني ويكافح، ليس أقلها سوق الصكوك حيث النشاط قد تعرّض لضغوط. إن عدد وقيمة السندات الاسلامية الصادرة إنخفضتا بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه.
وقد أفادت وكالة “ستاندرد أند بورز” في تقرير صدر في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، بأن مزيجاً من الإرتفاع في أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي في منتصف كانون الاول (ديسمبر) الفائت، جنباً إلى جنب مع إستمرار إنخفاض أسعار النفط والتعقيدات التي ينطوي عليها إصدار صكوك، يعني بأن النشاط في هذا المجال في السوق من المرجح أن يظل ضعيفاً هذا العام. وتتوقع وكالة التصنيف الأميركية الدولية أن القيمة الإجمالية لإصدارات الصكوك من المرجح أن تكون في حدود 50 إلى 55 مليار دولار في العام 2016، مقارنة ب63,5 مليار دولار في العام 2015، و116,4 مليار دولار في العام 2014.
للمضي قدماً، فإن البنوك الإسلامية، مثل نظيراتها التقليدية، لا بدّ أيضاً أن تتأثر من مستويات النمو الإقتصادي الضعيفة في المنطقة نتيجة لإنخفاض عائدات النفط وخفض الإنفاق الحكومي. في مراجعتها وإستعراضها للإقتصاد البحريني في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، أشارت “ستاندرد أند بورز” إلى أن المنافسة بين بنوك التجزئة من المرجح أن تضع بعض الضغوط على ربحيتها، وهو أمر يجب أن يشجع زيادة عمليات الدمج والإندماج بينها. وأشارت أيضاً إلى أن البنوك البحرينية ما زالت مُعرَّضة ومكشوفة بشكل كبير لقطاع العقارات والبناء، حيث لا تزال في مرحلة تصحيح.
كل هذا يعني أن وثائق إعتماد البحرين كمركز مالي محوري إقليمي ليست مشجعة.
في المستقبل المنظور، عندما يفكّر الممولون الدوليون في الخليج، من المرجح أن يستمروا في التفكير في الفرص المتاحة في أماكن مثل دبي، والرياض، وأبو ظبي والدوحة قبل أن يتحوَّل إنتباههم إلى البحرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى