عندما تتوقّف قناة السويس يرتجف الاقتصاد الدولي

بقلم كابي طبراني*

جَنَحَت يوم الثلثاء الفائت السفينة “إيفر غيفِن” (Ever Given)، التي تزن 200 ألف طن وتحمل 20 ألف حاوية، وعَلِقَت في قناة السويس بعدما تسبّبت رياحٌ عاتية في انحرافها عن مسارها. وتملك هذه السفينة الشركة اليابانية “شوي كيسن” (Shoei Kisen KK) وتُديرها شركة “إيفرغرين مارين” (Evergreen Marine) التايوانية، وترفع علم بنما.

كانت التداعيات هائلة، وتستمر في التتابع كلما طالت مدة بقاء السفينة عالقة. مئات الناقلات مُحاصَرة الآن. الطابور آخذٌ في الازدياد. وقد أدّى التأثير المتوقع على الأسواق إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنسبة ثلاثة في المئة.

هناك القليل من التفاصيل الدقيقة عندما يتعلق الأمر بقناة السويس، التي يمكن القول أنها أهم ممر مائي في العالم، والتي تتعامل مع ما يقرب من 12 في المئة من حجم تجارة الشحن الدولية. مرّت أكثر من 6,000 سفينة عبر القناة في العام 2020، الأمر الذي يجعلها واحدة من أكثر طرق التجارة البحرية موثوقية. نتيجةً لذلك، عندما تسوء الأمور فيها، تظهر نتائج ذلك في جميع أنحاء العالم.

في العام 2019، إحتفلت القناة بمرور 150 عاماً على إنشائها. منذ افتتاحها، كانت النقطة المحورية للتجارة، وتنافس القوى العظمى، وحركات التحرير، وحتى الحرب. في القرن الثامن عشر، وبالتحديد في العام 1854، إستطاع الديبلوماسي والمهندس الفرنسي “فرديناند دي لِسِّبس” (Ferdinand de Lesseps) إقناع حاكم مصر آنذاك الخديوي محمد سعيد باشا بتصوّره وفكرته لإنشاء ممرٍّ تجاري يسمح للسفن بتجاوز واستبدال طريق طويل يمتد بين الشرق والغرب حول طرف جنوب إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح. إستغرق بناء القناة الذي بدأ في العام 1859 بطول 193 كيلومتراً عشر سنين، وتمّ افتتاحها في تشرين الثاني (نوفمبر) 1869. وبعد الاستيلاء التجاري البريطاني التدريجي على الممر المائي، أقدم زعيم حركة الاستقلال في القرن العشرين، الرئيس جمال عبد الناصر، في العام 1956على تأميمها. وأصبحت القناة منذ ذلك الحين أحد أعظم رموز استقلال الأمة المصرية بعد الاستعمار.

على الرغم من أهميتها التاريخية والمعاصرة، إلا أننا نسمع عنها القليل نسبياً في الوقت الحاضر. قبل جنوح “إيفِر غيفن” وسدّها للقناة، كان التطور الرئيس للقناة خلال السنوات العديدة الماضية هو قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتوسيع الممر المائي، بتكلفة تزيد عن 8 مليارات دولار. وتُشير محنة “إيفِر غيفن” إلى أن هذا الاستثمار، الذي كان ينظر إليه الكثيرون في ذلك الوقت على أنه إسراف، كان ذا بصيرة. من المؤكد أن القناة تتطلب تدقيقاً ومراقبة أكثر في المستقبل، وليس أقل.

كان وضع الشحن هذا العام صعباً. لقد تسبب وباء كوفيد-19 في تأخيرات واسعة النطاق لقطاعٍ يخضع لجداول زمنية صارمة. ونجم عن ذلك عددٌ كبير من حالات الإفلاس، غالباً على حساب أطقمٍ على متن السفن، وبعضهم تُرِك عالقاً في البحر لفترات طويلة من الزمن. مع تضاعف الآثار الضخمة التي تلحق بالاقتصاد العالمي يوماً بعد يوم، فمن الواضح جداً أن الحل يجب أن يأتي بسرعة.

العثور على حل هو أمر بديهي وملح. قالت السلطات المصرية إن الإفراج عن السفينة قد يستغرق أياماً عدة. هناك أملٌ في أن يؤدي ارتفاع المدّ خلال الأسبوع المقبل إلى إنهاء الأزمة، وهناك المزيد من الخيارات الصارمة المُتاحة، مثل إزالة الحاويات لتخفيف وزن السفينة. ولكن كلّما كان الإجراء أكثر صرامة، إستغرق الأمر وقتاً أطول.

قال مالكو “إيفر غيفن” إنهم آسفون للغاية للحادث. في كل يوم يتم فيه إغلاق الممر المائي، تتوقّف حركة مرور شحن تزيد قيمتها عن 9.5 مليارات دولار. لا يمكن أن يعوّض أيّ حلّ قريب الخسائر والتداعيات الإقتصادية في مصر والعالم التي حصلت بسبب هذا الحادث. ولكن، مع ذلك، الحل السريع مطلوب بإلحاح لوقف الخسائر وإزالة القلق الذي بدأ يُخيم على الأسواق العالمية.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف كتباً عدة بالعربية والإنكليزية من بينها “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهيمنة على الشرق الأوسط” (2008)، و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى