هل تؤثِّر العقوبات على قاسم حجيج في القطاع المصرفي اللبناني؟

بقلم الدكتور عبدالله ناصر الدين*

أصدرت وزارة الخزانة الأميركية في ٦ حزيران (يونيو) الفائت عقوبات إقتصادية جديدة على رجال الأعمال اللبنانيين حسين فاعور، وأدهم طباجة، وقاسم حجيج بالإضافة إلى شركة “الإنماء غروب” وما يرافقها من شركات أخرى تعمل في فلكها (وخصوصاً المتعلقة بالترفيه) و شركة “Care Car Centre”. تأتي هذه العقوبات في إطار مسلسل من العقوبات بدأت وزارة الخزانة الأميركية تنفيذها منذ العام ٢٠٠٧ و ذلك، كما هو معروف، لمعاقبة كل من له صلة تجارية أو إقتصادية ب”حزب الله”. ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أفراد و مؤسسات للعقوبات نتيجة صلتهم بهذا الحزب، ففي تموز (يوليو) من العام الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأميركية قراراً مشابهاً ضد شركة “Stars Group Holding” في بيروت ودولة الإمارات والصين وأصحابها كامل و عصام أمهز. ولكن، ما هي تداعيات القرار الأخير، خصوصاً أنه يختلف عن القرار الذي صدر في العام الفائت إذ إنه يطال المالك الأبرز لمصرف تجاري في لبنان “بنك الشرق الأوسط وأفريقيا” (MEAB) ما يعيدنا إلى قضية مصرف اللبناني – الكندي في العام ٢٠١١ والذي تم بيعه إلى مصرف “سوسيتيه جنرال لبنان” “SGBL”؟ هل ستكون لهذا القرار تداعيات على القطاع المصرفي اللبناني؟ و ما هي الإجراءت التي إتخذها مصرف لبنان و التي يجب إتخاذها؟
أنشأ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة الأميركية “OFAC” منذ آب (أغسطس) ٢٠٠٧ برنامج عقوبات إقتصادية تتعلق بالقرار التنفيذي الرئاسي رقم ١٣٤٤١ والخاص بلبنان والذي يقضي بتجميد أموال و ممتلكات الأشخاص والشركات الذين، حسب القرار، يقوِّضون سيادة لبنان والعملية الديموقراطية والمؤسسات فيه. يستهدف القرار كل من يدعم “حزب اللة” بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أو يسهّل العمل اللوجيستي أو المالي، أو عمليات الشراء التي يحتاجها الحزب. كما ينطبق القرار أيضاً على كل من يقوِّي النفوذ السوري في لبنان. وحسب القرار التنفيذي، فإن تلك العمليات و بتهديدها سيادة لبنان تتناقض مع مصلحة واشنطن. ويقضي القرار بتجميد جميع أصول الأفراد و الشركات المذكورة في الولايات المتحدة ومعاقبة وتغريم وسجن من يتعامل معهم. خطورة هذه العقوبات أنها تعطي الحق لل”OFAC” أن يفرض على كل من يتعامل مع هؤلاء عقوبات مماثلة، الأمر الذي يؤدي إلى خشية معظم الشركات والمصارف والأفراد حتى غير الأميركية من التعامل معهم مما يزيد من فعالية العقوبات.
وعودةً إلى القرار الأخير وعلاقته بالقطاع المصرفي في لبنان. إن قاسم حجيج يملك الحصة الأكبر من بنك “MEAB” في لبنان. علماً أن المصرف لم يُستهدَف بشكلٍ مباشر بالعقوبات ولكن، وحسب قرار العقوبات، يصبح من باب المستحيل أن يستمر في العمل إذا بقيت ملكيته على ما هي عليه اليوم حيث سترفض جميع الشركات الأميركية للخدمات المصرفية المتعلقة بالتحويلات وتكنولوجيا المعلومات التعامل معه، وكذلك معظم وكلائه في الخارج. إن القرار وتداعياته على المصرف اللبناني لا يشكل تهديداً للقطاع المصرفي في لبنان، فمجمل ودائع المصرف لا تتعدّى ١٫٢ مليار دولار و موازنته في نهاية العام ٢٠١٣ بلغت ١٫٧ مليار دولار. القرار لا يستهدف القطاع بأي شكلٍ من الأشكال، فالقرار لا يرتبط بمسألة تبييض أموال بقدر ما يعاقب من يسهل عمليات “حزب اللة” و المقربين منه. الواقع أن القطاع المصرفي اللبناني في طليعة من يلتزم بالمعايير المصرفية الدولية وكذلك تلك التي تتعلق بوزارة الخزانة الأميركية ومكافحة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب. رغم ذلك، يسعى مصرف لبنان، وبإشراف الحاكم رياض سلامة، إلى إيجاد حلّ سريع لمشكلة المصرف. والحقيقة أن نقل ملكية المصرف إلى شخص من المقربين كأحد أولاده مثلاً لن يجدي نفعاً، فالقرار ١٣٤٤١ وفي المجموعة الثالثة والرابعة التي قد تطالهم العقوبات يعمل على تجميد أصول الزوجة والأولاد المعالين وكل من يعمل بالإنابة عن من فرضت عليه العقوبات. كما إنه من الصعوبة أن يقبل المصرف الفيديرالي في أميركا هكذا حل.
من هذا المنطلق يبدو أن التوجه الأكثر إحتمالاً و الذي لا مفر منه سيكون في بيع المصرف إلى مصرف آخر في لبنان على غرار نموذج المصرف اللبناني – الكندي. الحلول مرتبطة أيضاً بما ترتَئيه هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بالتعاون مع الحاكم الذي يعرف إخراج الحلول المناسبة للنموذج المصرفي اللبناني و خصوصيته و ما يترافق مع ذلك من خصوصيات متعلقة بالأبعاد السياسية والطائفية للحلول.
وفي الإطار ذاته، فإن القرار يطال القطاع المصرفي من ناحيةٍ أخرى مرتبطة بالحسابات الدائنة لهؤلاء الأفراد والشركات ولا بد أن لجنة الرقابة على المصارف قد حصرت الحسابات الدائنة لهؤلاء لمعرفة مدى تأثيرها في القطاع المصرفي. والجدير ذكره أن الأشخاص المستهدفين يسعون دائماً إلى العمل من خلال القروض والحسابات الدائنة رغم إمتلاكهم أصول كبيرة. ولكن، حتى لو تبيَّن ذلك، من المعروف أن الأشخاص الثلاثة لديهم ممتلكات ما يخوّل مصرف لبنان إيجاد حلول سريعة.
في نهاية المطاف، فإن القرار الأخير سيدفع المصارف والشركات في لبنان إلى أن تكون أكثر حذراً خشيةً من أن تُفرَض عليها عقوبات مما قد يستدعي المزيد من الخناق على نشاط “حزب اللة” والذي هو أيضاً سيبتكر طرقاً جديدة لتلافي العقوبات.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى