كَيفَ أَوصَلَت ثلاثةُ عُقودٍ من الديبلوماسِيّةِ السَيِّئة “حزب الله” إلى السلطة

مايكل يونغ*

في الأسبوع الفائت، اتّهم وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إيران بمحاولة “شراء” لبنان من خلال تزويده بالوقود لمحطات الكهرباء. وقال غانتس: “إيران، من خلال “حزب الله”، تحاول شراء لبنان من خلال توفير الوقود وإصلاح نظام الكهرباء وبناء محطات الطاقة”، مُحذِّرًا من نفوذ طهران الكبير على البلاد.

لم يكن غانتس مُخطئًا، لكنه لم يكن دقيقًا. لم يذكر كيف لعبت إسرائيل نفسها دورًا رئيسًا في تعزيز نفوذ “حزب الله” وإيران في لبنان. ولم تكن إسرائيل وحدها. خلال فترة ما بعد الحرب في لبنان، كان للعديد من الدول العربية والغربية دورٌ فعّال في حماية النظام السياسي الذي يُفَضِّل إيران، وبشكلٍ أساس من خلال الدفاع عن هيمنة حليفة طهران الرئيسة، سوريا، على المشهد السياسي اللبناني.

منذ البداية كانت النوايا السورية واضحة جدًا. عندما انتهت الحرب الأهلية في العام 1990، كانت دمشق هي وسيط القوة بلا منازع في لبنان وكُلِّفَت بتنفيذ شروط اتفاق الطائف لعام 1989. وكان الاتفاق، فعليًا، تفاهمًا سوريًا-سعوديًا على لبنان نال مباركة الولايات المتحدة. كان أحد مُكوِّناته الرئيسة هو حل الميليشيات اللبنانية في زمن الحرب ونزع سلاحها.

لكن سوريا فرضت استثناءً على هذا الشرط. قرّرت عدم نزع سلاح “حزب الله” والعديد من الجماعات الأخرى القريبة من دمشق لأنها كانت جُزءًا من المقاومة ضد إسرائيل، التي كانت لا تزال تحتل أجزاءً من جنوب لبنان. بالنسبة إلى الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، سمح القرار له الاحتفاظ بوسيلة ضغطٍ عسكري ضد إسرائيل بينما كانت سوريا والدولة العبرية تتفاوضان على السلام في سياق عملية مدريد وتداعياتها.

ما يعنيه هذا هو أن إيران وسوريا واصلتا تسليح وتدريب وحماية استقلالية “حزب الله” في وقت كانت الحكومة اللبنانية تسعى إلى إعادة تأكيد احتكارها للقوة والسلطة في البلاد. لكن ثبت أن هذا الطموح كان وهميًّا، حيث كانت هناك منذ البداية خطوطٌ حمراء لكيفية تعامل السلطات مع “حزب الله”.

في العام 1996، عزّزَ “حزب الله” قوته بشكل كبير عندما شنَّت إسرائيل عملية عسكرية ضد لبنان بعد أن أطلق “حزب الله” صواريخ على شمال إسرائيل. وقد فعل الحزب ذلك ردًّا على هجومٍ إسرائيلي أدى إلى مقتل مواطنَين لبنانِيَين. وقد أدّى الصراع القصير، الذي أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية “عناقيد الغضب”، إلى نتيجة خطيرة.

الاتفاق الذي أنهى القتال تم التفاوض عليه في دمشق من قبل وزير الخارجية الأميركي آنذاك، وارن كريستوفر. ونظراً إلى أن صانع القرار الحقيقي في الشأن اللبناني هو حافظ الأسد، لم يتحدّث كريستوفر مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت. بدلًا من ذلك، كان على اللبنانيين السفر إلى سوريا للقائه. لم يُمثّل سلوك كريستوفر أقل من اعترافٍ صريحٍ بالحكم السوري على لبنان.

مع ذلك، كانت النتيجةُ الرئيسة للصراع حقيقةَ أنه انتهى من خلال اتفاقية غير رسمية بين إسرائيل و”حزب الله”، عُرفت باسم تفاهم نيسان (إبريل). أرسى هذا الاتفاق “قواعد اللعبة” بين الطرفين في حربهما المستمرة في جنوب لبنان. وقد رفع هذا الأمر ضمنيًا “حزب الله” إلى مستوى فاعلٍ سياسي على قدم المساواة مع إسرائيل – لاعبٌ مُنفَصِلٌ عن الدولة اللبنانية، التي كانت الخاسر الأكبر في الحرب.

من الجيد أن يتذكّرَ غانتس تلك الفترة، لأنها كانت من بين أول الدلائل الملموسة على أن “حزب الله” يضطلع بدورٍ في الأمن القومي أكثر أهمية من دور الجيش والحكومة في بيروت. وبالموافقة على تفاهم نيسان (إبريل)، قبلت إسرائيل هذا الواقع وأظهرت أنه ليست لديها مشاكل في التوصل إلى تسوية مؤقتة مع حليف إيران المحلّي.

لم يتغيّر شيء يُذكَر بعد ذلك، لا سيما في الفترة التي سبقت الانسحاب العسكري السوري من لبنان في العام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. لم يكن الأمر كذلك حتى العام 2004 عندما أيدت واشنطن، مع فرنسا، قرارًا للأمم المتحدة يدعو إلى انسحاب سوريا. قبل ذلك، كانت البلاد إلى حد كبير عنصرًا مساعدًا في التعاملات الأميركية والفرنسية مع دمشق.

على سبيل المثال، في نيسان (أبريل) 1996، ربط الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك، في خطاب ألقاه أمام البرلمان اللبناني، انسحابًا سوريًا من لبنان بصفقات سلام يبرمها لبنان وسوريا مع إسرائيل. كانت هذه طريقة ديبلوماسية للقول إنه حتى يتم التوصل إلى مثل هذه الاتفاقات، فإن فرنسا ستقبل بوجود سوري في لبنان.

خلال السنوات التي لم يعد فيها الجيش السوري منتشرًا في لبنان، كان اللبنانيون يساهمون بشكلٍ كبير في تحصين النفوذ الإيراني على بلادهم. الرئيس الحالي ميشال عون، بعد معارضته ل”حزب الله” في منفاه، تحالف معه في العام 2006، مُعتقدًا، وبحق، أن هذا التحالف سيوصله إلى قصر بعبدا. لقد كانت إنتهازية سياسيين بدون مبادئ لعنة وأذى لأولئك الذين يسعون إلى لبنان ذي سيادة حقيقية.

لقد كان الوقت في أوائل العام 1990 عندما أنشأت إيران و”حزب الله”، بدعم من سوريا، البنية التحتية العسكرية التي سمحت ل”حزب الله” بالسيطرة على لبنان بعد مغادرة السوريين. كان هذا وقتًا نظرت فيه مجموعة من القوى الإقليمية والدولية في الاتجاه الآخر حيث قامت سوريا وإيران بدعم “حزب الله” على حساب الدولة اللبنانية. على أولئك الذين يستهدفون لبنان اليوم لكونه بؤرة استيطانية إيرانية وقاعدة أمامية للجمهورية الإسلامية أن يتذكّروا ذلك.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى