بقاء البشرية على المحكّ في معركة تغيّر المناخ

بقلم كابي طبراني

يُعتَبَر تغيّر المناخ قضية العصر المُلحّة، ونحن راهناً أمام لحظة حاسمة. فالآثار العالمية لهذا التغيّر واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، إذ تغيّرت أنماط الطقس والمناخ وباتت تُهدّد الإنتاج الغذائي، وارتفع منسوب مياه البحار، الأمر الذي زاد من خطر الفيضانات الكارثية والظواهر المناخية العنيفة… إن التكيّف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومُكلفاً في المستقبل إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية وسريعة الآن.

الواقع أن تَغُيُّرُ المناخ يُدمّر كوكبنا وبمعدلٍ أسرع بكثير مما كان مُتَوَقَّعاً. وقد أصدر “الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ” التابع للأمم المتحدة أخيراً تقريراً حذّر فيه من زيادة مخاطر نقص الغذاء والمياه بسبب تغيّر المناخ. وإذا لم نتصرَّف ونفعل شيئاً الآن، فإن نصف مليار شخص يعيشون في مناطق مُعرَّضة للتصحّر سيفقدون الأراضي الصالحة للزراعة التي يعتمدون عليها للحصول على الدخل والعيش. وهذا الأمر يزيد من خطر النزوح والمجاعة. في العام 2017 وحده، قدّر مركز مراقبة النزوح الداخلي التابع للمجلس النروجي للاجئين أن 18.8 مليون شخص إضطروا إلى الفرار من منازلهم بسبب الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ.

هذا الإتجاه المُقلق يؤثر فينا وعلينا جميعاً. كان تموز (يوليو) الفائت الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث اجتاحت موجات الحرّ أوروبا، وتسبّبت في ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية. لدينا جميعاً دورٌ نلعبه في إنقاذ البيئة. أحد الحلول هو تبنّي عادات صديقة للبيئة مثل استخدام الأكياس القابلة لإعادة الإستخدام بدلاً من الأكياس البلاستيكية، وشراء المنتجات بأقل قدر من التعبئة. يجب علينا أيضاً أن نضع في اعتبارنا البصمة الكربونية، وننظر إلى جوانب حياتنا اليومية التي يُمكن أن تُسبب ضرراً لكوكبنا الغالي ونتجنّبها.

ولكن يجب دعم الإجراءات الفردية من خلال سياسات وطنية أفضل لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. في نيجيريا، تتحوَّل الأراضي التي كانت خصبة ذات يوم إلى صحراء. وقد تسبّب هذا في تصادم الرعاة والمزارعين المحليين بعنف على الموارد المتضائلة في المنطقة، مما أودى بحياة أكثر من 10,000 شخص في العقد الفائت. كما يُغطّي التصحّر نحو 68% من المساحة الإجمالية للدول العربية، وأن هناك ما يزيد على 90 مليون نسمة يتهدّدهم شبح الجفاف والفقر، إضافة إلى 500 مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي تحوّلت إلى صحارى.

من ناحية أخرى، هناك مساحات كبيرة في معظم البلدان العربية، خصوصاً في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، مغطاة برمال متحركة، فهي تُمثّل نحو 9 .36% من مساحة المملكة العربية السعودية وتقريباً النسبة عينها من مناطق عدة في السودان وجنوب المغرب، وتتضرّر بلدان أخرى بنسب متفاوتة. وتتجلّى المشكلة بشكل مقلق في مصر التي تبلغ مساحة الصحارى فيها نحو 25% من مساحتها الكلية، حيث تحتل البلاد الآن المركز الأول في التصحّر عالمياً، وهي تفقد سنوياً نحو 30 ألف فدان من الأراضي الزراعية.

إن تهديد التصحّر يلوح أيضاً في شبه الجزيرة العربية. في الإمارات العربية المتحدة، هناك خطط جارية للحفاظ على حقول الخث و”الآيكة الساحلية” المعروفة أيضاً ب”المانغروف” (Mangrove) التي تشمل النباتات التي تعيش في البيئات الشاطئية المالحة في البلاد، والتي تمتص بشكل طبيعي ثاني أوكسيد الكربون، وهو أحد غازات الدفيئة التي تساهم في ظاهرة الإحتباس الحراري. في حزيران (يونيو) الفائت، قادت أبو ظبي الحوار العالمي من خلال إستضافة اجتماع الأمم المتحدة للمناخ، وهو مقدمة لمؤتمر المنظمة الدولية حول تغيّر المناخ في الشهر المقبل في نيويورك.

يجب تشجيع مثل هذه المبادرات لأن تغيّر المناخ ليس مشكلة مُنعزِلة تُعزى إلى عامل واحد أو بلد واحد. في العام 2015، وقّعت 195 دولة، بما في ذلك 21 دولة عربية، على اتفاقية باريس وتعهّدت بالحدّ من ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم إلى 1.5 درجة مئوية. ومع ذلك، قبل عامين، إنسحبت الولايات المتحدة من الإتفاقية، على الرغم من كونها ثاني أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم، وحذّر “الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ” بأنه إذا واصلنا عاداتنا الحالية، سترتفع درجات الحرارة العالمية إلى 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول العام 2100.

إن أحدث تقرير للأمم المتحدة هو تذكيرٌ وتحذير بأن الساعة تدور بسرعة وجرس الإنذار يُقرَع بالنسبة إلى أكبر أزمة في عصرنا. لذا تقع على عاتق الحكومات والهيئات الدولية والأفراد مسؤولية العمل معاً وسريعاً لمكافحة تغيّر المناخ قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى