لا ربيعَ عربيّاً في هونغ كونغ

بقلم البروفسور بيار الخوري*

منذ بدأت الإضطرابات في المقاطعة الصينية ذات الإدارة الخاصة هونغ كونغ، دأب الإعلام الغربي على تصوير ما يحصل على أنه ثورة الهونكونغيين لاستعادة استقلال المقاطعة.

إستعادة الإستقلال! أي إستقلال؟

هونغ كونغ لم تكن يوماً مُستقلِّة إلّا بعد عودتها الى الأرض الصينية الرئيسة، “ماين لاند”. لقد كانت مستعمرة بريطانية.

السياسيون الغربيون، ومعهم بعض الاعلام المتخصص بالثورات، يجهدون في قلب الحقائق التاريخية، بحيث تُستخدَم كلمة “يستعيدون” التي تصلح فقط لأيام الإستعمار. والا لماذا الإستعادة؟

هناك وجهان لاضطرابات هونغ كونغ، الأول يرتبط بالإعتراض على إجراءاتٍ حكومية مركزية صينية أحدثت تخوّفاً لدى جزء من مجتمع الأعمال في المقاطعة من توحيد الأنظمة بينها وبين البرّ الرئيس، والوجه الثاني يحاول الغرب جاهداً عدم تظهيره وهو مرتبط بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.

من جهتها تحاول المملكة المتحدة اليوم طرح نفسها بصفتها الأم الحنون للهونكونغيين، وفي الواقع هي تخدم الأجندة الأميركية الرئيسة تجاه الصين.

تماماً كما ورّطت بريطانيا نفسها من دون مبرّر في حرب احتجاز الناقلات في مضيق هرمز لحساب الولايات المتحدة عندما احتجزت ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق متوجهة إلى سوريا، تفعل الأمر عينه بطرق مُختلفة في تدخّلها بالشؤون الصينية.

لم يعد لدى لندن مصالح سياسية في هونغ كونغ منذ تاريخ إنتقال السلطة الى الصين في الأول من تموز (يوليو) 1997 بحسب الإتفاق المُوقَّع بين الدولتين والذي أنهى رسمياً الإستعمار البريطاني الذي دام 156 سنة، وأيّ ادّعاء بحق التدخّل بعد هذا التاريخ هو تدخل يناقض مندرجات القانون الدولي ويُعتَبَر تدخلاً بالشؤون الداخلية للدول الأخرى. في كل الأحوال، لو كانت بريطانيا حريصة على الهونكونغيين فلماذا سلّمت الجزيرة للدولة الأم؟

يبدو سياق الأحداث واضحاً في تناغم المواقف الأميركية والبريطانية مع تحركات مجموعات خاصة ضمن المتظاهرين تتعمّد تحويل الإعتراض الى تحدّي وجود السلطة، ودفع الأمور الى أعمال عنف دنيئة بالإعتداء الفظّ على مواطنين عزّل، كما باحتراف متدرّب على مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة، وما جرى في مطار هونغ كونغ تحت عدسات الكاميرات يتحدث عن نفسه صراحة.

هناك محاولات حثيثة لدفع السلطات الصينية الى استعمال القمع والبطش ضد المتظاهرين من أجل استخدام ذلك لتشويه صورة الصين دولياً وربما محاولة عزلها. ويَعلَم من خبر السياسات الأميركية تجاه الشعوب ان هذه الشعوب تُستخدَم ولا تُخدَم، ولنا في تجربة الدموع الأميركية والغربية على الشعوب العربية، خصوصاً خلال “الربيع العربي” و”ربيع الأكراد”، خير دليل على ذلك.

-إهتموا أنتم بتدمير بلدانكم ونحن نهتم ببيعكم على مذبح مصالحنا.-

الصين ليست دولة هشة، رغم الأخطاء التي ارتكبتها سلطات هونغ كونغ التي تتصرف كسلطة مراقبة لا كسلطة حاكمة، ولم تستطع فهم هواجس الهونكونغيين قبل وقوع الأزمة. ولكن الصين ستخرج من ازمة هونغ كونع بطريقة او بأخرى.  ولكن ماذا عن الذين أحرقوا سفنهم في الجزيرة؟

  • البروفسور بيار الخوري أكاديمي وباحث لبناني، يشغل حالياً مركز نائب رئيس الجمعية العربية -الصينية للتعاون والتنمية وأمين سرّ الجمعية الإقتصادية -اللبنانية.
  • الآراء الواردة في هذا المقال تمثّل آراء الكاتب وليس بالضرورة آراء “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى