العودة إِلى سعيد عقل في LAU

هنري زغيب*

مخطئًا كنتُ حين مرَّ ببالي أَنْ قد يكونُ غامَ وراءَ النسيان. فما أَعلنْتُ عن مؤْتمر “10 سنوات على غياب سعيد عقل” بتنظيم “مركز التراث اللبنانيّ” فيها، نهار الإثنين مطلع هذا الأُسبوع (8 الجاري)، حتى تهاطَلَتْ تَتَابُعًا وسائلُ الإِعلام، تلفزيونيُّها وإِذاعيُّها وصحافيُّها وجمْعُ مواقعها الإِلكترونية، تستطلعُ وتَنشُرُ وتَبُثُّ وتُذيع الخبرَ موجَزًا أَو مُفَصَّلًا، ما شعرتُ معه كم كنتُ فعلًا مخطئَ الظنِّ أنَّ سعيد عقل،  بعد 10 سنوات على غيابه، غامَ في ضباب النسيان.

“هلق وقْتها” وسْط ما يجري في غزَّة وجنوب لبنان؟ يَزعقُ بعض السلبيين المتشائمين الـمُغْلَقي الرؤْية والطُموح.

نعم. “هلق وقْتها” أَكثرَ من أَيِّ وقت. لا إِذاعةَ مقاومةٍ أَو متابعةٍ أَمنيةٍ إِلَّا وتُهدُر فيها تكرارًا كلَّ يومٍ صرخةُ سعيد عقل:

“الآنَ الآنَ وليس غدًا أَجراسُ العودة فَلْتُقرَع… أَنا لا أَنساكِ فلسطين.. ويشُدُّ يشدُّ بيَ البُعْدُ”.

نعم “هلَّق وقْتها”، وليس أَبلغُ  وقعًا من قول سعيد عقل:

“الجنوبُ اشمخْ به رأْسًا.. رضًا.. كانَ لبنانُ إِذا كانَ الجنوبُ”.

نعم “هلَّق وقْتها”، وكيف لا يكونُهُ، وسعيد عقل شَحَنَنا بالمقاومة العنيدة يوم صدَح قبل نصف قرن:

بلى: سنبقى، ويبقى فوق صخرته لبنان، قَهَّارَ مَن ما غيرُهم قُهِروا

وقالَ من خطرٍ نَمضي إِلى خطرٍ؟؟؟ ما هَمَّ ! نحن خُلقْنا بيتُنا الخطَـرُ

لهذا انعقد مؤْتمر “عشر سنوات على غياب سعيد عقل” وكان بيننا سعيد عقل قويَّ الحضور في غيابه الساطع، مع نخبةٍ رائعةٍ ممَّن يعرفون عُمْقيًّا سعيد عقل: مع مي الريحاني من واشنطن وعبدالله نعمان من باريس، ومن لبنان مع سهيل مطر وشوقي بزيع وزهيدة درويش جبور وهند أَديب وأَلكسندر نجار، وختامًا مع أُمسية غنائية من شعر سعيد عقل يقودُها المايسترو أَندريه الحاج وتؤَدِّيها كارلا رميا وأُوركسترا لبنانية مختارة.

هكذا نحفَظ في ذاكرتنا الجَماعية أَعلامَنا الكبار الذين هُم أَعمدةُ الوطنِ الخالدةُ الناشبةُ في الزمان. بلى: هُم، لا أَهلُ السلطةِ الهشَّة الذين هشَّمُوا بفسادهم الدولة فَهَشَّشُوها.

من موزار إِلى بيتهوفن إِلى تشايكوفسكي إِلى رافيل إِلى سائر المبدعين… ما يُبْقيهم أَحياءَ بيننا أَنَّ الأُوركسترات السمفونية والفيلهارمونية تُدرِج أَعمالهم تَوَاليًا في برامجها السنوية. هكذا “مركزُ التراث اللبناني” يُدرِج في برامجه السنوية استذكارَ الأَعلام المبدعين اللبنانيين، كي يَظلُّوا ماثلينَ في الذاكرة الجَمَاعية اللبنانية جيلًا بعد جيل.

بلى: بهم نَبقى، بهم نكبُر، بهم على الصعوبات نَقوى على ما قال سعيد عقل:

“جبالُنا هي نحن… الريحُ تضْرِبها، نَقْوى… وما يُعطِ قصْفُ الرعد نختزنِ”

ولهذا اختزنَّا لقاءَنا الحيَّ به كي يَصُحَّ فينا ما بشَّر هو به:

“نتحدَّى الدُنيا شُعوبًا وأَمصارًا… ونبني أَنَّـى نَشَأْ لُبنانَا”.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى