آنَ الأوان

راشد فايد*

تأخّرت ولادةُ “المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني عن لبنان”، قبل أسبوع، نحو 10 أعوام، أو أكثر، عن موعدها المنطقي يوم أسقط الأمين العام ل”حزب الله” المٌهَيمِن كل غلالة تستر كونه أداة ايرانية للتوسّع في لبنان، ولاحقًا المنطقة العربية، من العراق إلى اليمن، وبينهما سوريا ولبنان.

كان ذلك في شباط (فبراير) 2012، حين أعلن لجمهوره، عبر نقلٍ تلفزيوني، بمناسبة عيد المولد النبوي، أنه حصل “على دعمٍ معنوي وسياسي ومادي في كافة الاشكال من الجمهورية الإسلامية منذ العام 1982″، مؤكّدًا، للمرة الأولى منذ ولادة تنظيمه، ما كان يعرفه حتى العوام في لبنان، وما سبقته إلى كشفه طهران نفسها قبل خطابه المذكور بأيام. وبرغم أن تجارب دول العالم تُفيده، وتُفيدُ حتى الجهلة، بأن لا شيء بلا ثمن ما، فقد أصرَّ على أن “إيران لم تصدر إيعازات أو تعليمات إلى “حزب الله” منذ تأسيسه”، برغم أن الحزب اعلن، منذ تأسيسه، في الثمانينات من القرن الفائت، وأكد ذلك أمينه العام، بعدما قويت شوكته لاحقًا، أن “لبنان جُزءٌ من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني”.

وفي العام 2016 وفي تحدٍّ للدعوات التي تُطالب بمحاصرة مصادر تمويل “حزب الله” ونقل الأموال له في البنوك للحدّ من قدرته على التسليح والإنفاق قال السيّد حسن نصر الله إن “موازنة “حزب الله” ومعاشاته وأكله وشربه وسلاحه ومصاريفه من الجمهورية الإسلامية في إيران”.

توّجت هذه الملامح الفاقعة للنيات الإستعمارية الإيرانية بتصريحات مسؤولين ايرانيين عن سيطرة طهران على 4 عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وما لبث قائد فيلق القدس آنئذٍ قاسم سليماني، الذي صفّته أميركا، أن قال، ومن بيروت، بعد الإنتخابات النيابية الفائتة، أن “طهران تملك الأغلبية النيابية في لبنان”، ولا يخرج من هذا الإطار، التلميحات والتصريحات الإيرانية عن الهلال الفارسي، أو الهلال الشيعي، الذي كان أول من حذّر منه ملك الأردن عبد الله الثاني.

تُوَضِّحُ الوقائع، عمليًا، أن الدور الإيراني، هو احتلال، أي نمط من أنماط الإستعمار الذي يتنوّع بين السياسي والثقافي والإجتماعي والإحلالي والإستيطاني والعسكري، ويتوافر منه في لبنان، على الأقل 4 من 6.فالسياسي يتجلّى في القبضة الحديدية على المواقع النيابية ومسار الدولة التي يوفر أغلبها فائض قوة السلاح، ويتأتى الثقافي من مناهج التعليم في شبكة المدارس التي يُهيمن عليها الحزب، أو المُشَيَّدة في مناطق نفوذه، فيما يتضح الإجتماعي في منع الناس من إشهار فرحهم إلا بإيقاع ديني، وإعطاء أولادهم أسماء ايرانية، وإذا كان الإستعماران الإحلالي والتوطيني غير واضحَين فإن العسكري لا يحتاج أي ارتسام.

رفض الإحتلال ليس ترفًا يُمكن تأجيله. إنه عنوان مرحلة جديدة ما عاد مُمكِنًا أن تنتظر، خصوصًا أن إيران عبر تاريخها من الشاهنشاه إلى الولي الفقيه اعتادت على إماتة الوقت لتمرير سيطرتها من احتلال الأحواز أي عربستان إلى الجزر الإماراتية واليوم لبنان، وقبله العراق وبعض سوريا واليمن، وفي جميعها لم “يُقصِّر” الحزب.

قبل زهاء ثلاثين سنة لم يوارب الأمين العام للحزب، ولم يكن يومها في منصبه الحزبي الحالي. جاهرَ بأنه  وتنظيمه تحت مظلة طهران ذات الأطماع التوسعية، ولم يجد من يردّ عليه بأكثر من التصريحات السياسية. واليوم فيما يسابق نظام أيران انفجار الأزمة الإجتماعية الخانقة، يستعجل الفرج في فيينا، قبل أن يكتشف أهله ما عاشته دول الإتحاد السوفياتي: الصواريخ الباليستية، وغزو الفضاء والصناعات العسكرية لا يمكن أن تسد جوع الشعوب، لا سيما إلى الحرية. آن أوان رفع الإحتلال.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى