“موديز”: لبنان يواجه تحديات ماليّة
رأت وكالة “موديز” للتصنيف الإئتماني، أن لبنان يستفيد حالياً من تراجع أسعار النفط وزيادة تدفقات الإيرادات إلى الخزينة، لكن اقتصاده يبقى معرّضاً للصدمات الداخلية والخارجية. وشدّدت على أن الخلافات بين الأطراف السياسيين تمثّل تحدياً كبيراً، تظهر نتائجه في عدم القدرة على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإعتبرت أن الإستقطاب السياسي يخفّض فاعلية تطبيق السياسات العامة، خصوصاً أن الإصلاحات المالية الملحّة لا تزال حبراً على ورق منذ سنوات، وتُستبعَد معالجتها حالياً. وأشارت في تقرير أصدرته في الشهر الفائت، إلى أن التوافق على الإصلاح الإقتصادي يبقى غامضاً وسط مناخ سياسي محتدم يعيق تطوّر تنافسية إقتصاد البلد، وبالتالي فإن العجز المالي وعبء الدين العام سيرتفعان في 2015 و2016.
وقال المحلّل في “موديز”، ماتياس أنغونين: “يستفيد لبنان حالياً، من تحسّن قصير ينبع من تراجع أسعار النفط وضخّ عائدات قطاع الإتصالات إلى الخزينة العامة وبعض الإنفاق الرأسمالي، إلا أن الخطوات العملية تبقى غير كافية لكبح المنحى السلبي السائد في المالية العامة”. وأضاف: “ستواصل الأوضاع الإقتصادية المتباطئة فرض تحديات مالية، وستزيد تعريض البلد للصدمات السياسية”.
وتوقعت الوكالة أن يبقى النمو الإقتصادي في لبنان عند حدود 2.5 في المئة في العام الحالي كما كان عليه في 2013، بإرتفاع عن مستوى إثنين في المئة الذي سجّله في العام الفائت. وتشير الوكالة إلى أن النمو الاقتصادي، وإلى جانب الإستفادة من التراجع العالمي لأسعار النفط، سيلقى دعماً من تحسّن طفيف في الأرقام السياحية، وزيادة التسليفات للقطاع الخاص بدعم من حزمة الإنعاش التي أطلقها المصرف المركزي، لكنها نبّهت إلى أن النشاط في القطاع العقاري يبقى أبطأ مما كان عليه في الفترة التي سبقت عام 2011.
ووفق “موديز”، فإن الدين السيادي سيرتفع في العامين الحالي والمقبل إلى نحو 126 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بعدما سجّل تراجعاً في 2014، لكنها تشير إلى أن لبنان أظهر قدرة قوية على تحمّل مستويات أعلى من المديونية، مستعيناً بالرغبة الدائمة لدى المصارف في تمويل حاجات الدولة بفضل التدفقات القوية للودائع، لافتة إلى أن التحويلات من الخارج تساهم في شكل كبير في إستقرار القطاع المصرفي.
وإعتبرت وكالة التصنيف أن العجز المالي سينتج في شكل رئيسي من مواصلة التحويلات إلى مؤسسة “كهرباء لبنان”، والتي تشكّل على رغم إنخفاضها أخيراً، جزءاً وازناً من الإنفاق الحكومي، كما أن الإنفاق على رواتب القطاع العام سيرتفع بعد زيادة عديد القوى الأمنية. ومع ذلك، فإن العجز المالي يبقى أدنى من المستويات التي وصل إليها في عامي 2012 و2013.
وشدّدت على أن إحتياط العملات الأجنبية لدى “مصرف لبنان”، والذي تضاعف حجمه في العام الحالي ثلاث مرات عمّا كان عليه في 2007 ليصل إلى 33.8 مليار دولار، يبقى عامل إستقرار في البلد ويمنح الثقة في النظام المالي وفي سياسة سعر صرف العملة المحلية.
من جهة ثانية، رأى البنك الدولي في تقرير صدر أخيراً، بعنوان “تشخيص منهجي للبنان 2015″، أن البلد لطالما تأثر منذ أن نال إستقلاله، بنظام الطائفية السياسية الذي رسم خريطة الدولة عبر العقود، “وكان الهدف، في الأصل، من إنشاء نظام سياسي بطابعه الطائفي هو تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة للمجتمعات المذهبية المحلية، ولكن ما لبث أن تحوّل هذا النظام ليصبح في نظر كثر عائقاً أمام الحوكمة السليمة والفاعلة، إذ أدّى إلى شللٍ واضحٍ في عملية أخذ القرار وصناعة السياسات، وبالتالي إلى إفراغ مؤسسات الدولة”. وأضاف: “أثبت النظام الطائفي في لبنان أنه الوسيلة الأقوى لتعريض البلد للتدخلات الخارجية التي تسبّبت بتغذية الخلافات والصراعات بين الفئات المحلية”.
وتزامنت جهود إيجاد فرص العمل في لبنان مع إرتفاعٍ ملحوظ في القوى العاملة، وفق البنك الدولي، لكن تلك الفرص إفتقدت النوعية المطلوبة. “وتأثرت قضايا النمو والفقر وفرص العمل أخيراً، في شكل سلبي بسبب تداعيات الأزمة السورية على لبنان، خصوصاً التدفق الكبير للاجئين السوريين إلى البلد. ولا يزال جزء كبير من اللبنانيين، خصوصاً الشباب الحاصل على شهادات جامعية، يلجأ إلى الهجرة خارج البلاد طلباً لفرصٍ نوعيةٍ في مجال العمل لا يوفرها لبنان”.
ويفترض التشخيص الخاص بالبنك الدولي، بأن جذور الفشل في توليد النمو المتكامل وفرص العمل تكمن في عائقين أساسيين مترابطين، أولاً: الحكم الطائفي، أي تولّي الحكم من جانب طبقة نخبوية تستخدم ذريعة الطائفية قناعاً لها، وثانياً: الصراع والعنف الناجمان، جزئياً، عن صراعات واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط. وقدر الكلفة السنوية للخلل الناجم عن الحكم الطائفي بـ9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفت إلى أن الهيكلية القائمة تجعل الدولة لا تحاسب المواطنين الذين يخالفون القانون إذا كانوا من المقرَّبين من النخبة المسيطرة طائفياً، أو من هم على صلة بأصحاب النفوذ الأثرياء، ما يعزز من سلطة النخبة المسيطرة ويغذي نظام المحسوبية.
وعرض البنك الدولي علاجات تشمل وضع إستراتيجية تهدف مباشرة إلى الحدّ من تفاقم تداعيات العائقين المذكورين، وإستراتيجية ترمي إلى تطوير برنامج إصلاحي كحافزٍ أقوى يُبطل النظام القائم. وشملت بعض الأمثلة حول الاستراتيجية الأولى، تطبيق بنود أساسية من إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية من خلال إعتماد قانون اللامركزية، وإنشاء مجلس مصغر ضمن البرلمان يجري إنتخابه على أساسٍ غير طائفي، وتحسين كيفية الحصول على المعلومات الإحصائية، وتعزيز الإستقرار السياسي، وإصلاح المؤسسات وتطويرها.
أما الإستراتيجية الثانية، فتتضمّن وفق التقرير، الأمثلة التالية: العمل لتحليل شامل يبيّن حدة التداعيات السياسية والاقتصادية بالنسبة إلى القطاعات المتداخلة، وتصميم حزمة كبيرة من الإصلاحات، وفرض نهج الاستفادة من الفرص حينما تُتاح، والعمل على موضوع الطبقة النخبوية المسيطرة، والمشاركة الإجتماعية “الأفقية”، وإدارة قضية النزوح السوري إلى لبنان وتحويلها إلى فرصة محتملة.