الخطوط الملكية المغربية: التحليق فوق التحدّيات

أثبتت الناقلة الرسمية للمغرب، الخطوط الملكية المغربية، المعروفة ب”رام” أيضاً، أن بإمكانها أن تكون شركة مربحة في مواجهة رياح معاكسة تنظيمية وإجتماعية وإقتصادية غير مسبوقة.

مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء: صار المحور الرئيسي لكل رحلات "رام"
مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء: صار المحور الرئيسي لكل رحلات “رام”

الدار البيضاء – باسم رحال

على الرغم من أن شركات الطيران العالمية تتمتع حالياً بظروف سوق حميدة وواعدة، فإن هذه الصناعة تتميَّز بعادة التأرجح من أزمة إلى أخرى على المدى الطويل. لقد إختبرت الناقلات المتمركزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا الواقع أكثر من غيرها، حيث عانت ليس فقط من تداعيات هجمات 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة، والأزمة المالية العالمية في العام 2008، ولكن أيضاً من عواصف “الربيع العربي” التي هبّت في 2011 والتي ما زال تأثيرها مستمراً في تهديد إستقرار المنطقة.
في المغرب، يمكن لشركة الطيران الحاملة لعلمه، الخطوط الملكية المغربية (أو كما هي معروفة “رام” (RAM)) ، إضافة أزمة أخرى إلى تلك القائمة الفعلية المليئة بالمشاكل. في العام 2006، أطلقت حكومة الرباط إتفاق الأجواء المفتوحة مع الإتحاد الأوروبي، الذي فتح أبواب المنافسة ومنح شركات الطيران الأجنبية حق الوصول الحرّ والمطلق إلى البلاد في محاولة لتوسيع وتشجيع قطاع السياحة في المملكة.
الواقع أن هذا الإجراء ذهب ضد تيار غالبية سياسات الطيران المدني في أفريقيا، بل والشرق الأوسط،، التي تنطوي عموماً على حماية شركات الطيران المحلية الرسمية من المنافسة من خلال نظام تعسّفي بقيود ثنائية.
بإتباع طريق الحد من حقوق النقل بالنسبة إلى عدد شركات الطيران المشغّلة وتواتر الخدمات، فإن حكومات عدة تُجبر على نحو فعّال المسافرين على السفر مع شركات الطيران المملوكة للدولة. هذه الحمائية تُتَرجَم إلى أسعار رحلات جوية أعلى وخدمة عملاء دون المستوى.
ولكن حتى في خضم الهجمة التنافسية – وكانت في الواقع هجمة مع 44 شركة طيران تدخل الأجواء المغربية حالياً – برزت الخطوط الملكية المغربية كأكبر ناقل والشركة الأكثر إستقراراً من الناحية المالية بين قريناتها. لذا، متشجعةً ومتحفّزة من هذا النجاح، فهي تخطّط الآن لمضاعفة حجمها خلال العقد المقبل.
“على الرغم من بيئة التحديات (الأجواء المفتوحة)، قررنا مواصلة الإستثمار وتنمية الشركة”، قالت المديرة العامة ل”رام” حبيبة لقلالش في تصريح صحافي.
وأضافت: “لقد نجحنا في الواقع بإنماء الإيرادات، وتنمية حركة المرور، والعودة إلى ثماني سنوات من الأرباح الإيجابية من أصل عشر سنين. وبهذا نكون قد أثبتنا حقاً بأننا شركة طيران مرنة جداً، رغم كافة التغييرات الكبرى التي حدثت في محيطنا”.
كان العامان اللذان نشرت فيهما “الخطوط الملكية المغربية” خسائر تشغيل هما 2010 و2011، حيث خسرت في كل حالة ما يقرب من 500 مليون درهم مغربي (60 مليون دولار في ذلك الوقت). وعلى الرغم من السنوات الصعبة التي عرفتها صناعة الطيران على نطاق أوسع – لا تزال تعاني من الأزمة المالية العالمية – فقد إستطاع المغرب في هذا الوقت رفع الأعداد السنوية للزائرين إلى 9.3 ملايين بزيادة 60 في المئة أكثر عن مستويات ما قبل الأجواء المفتوحة.
الواقع أن “رام” نجحت فعلاً في الحصول على حصتها العادلة من ذلك النمو – إرتفع عدد الركاب الذين نقلتهم الشركة من 3.6 ملايين في 2005 إلى 5.9 ملايين في العام 2009 – لكن نموذج التسعير لديها كان فاشلاً. فقد تراجع متوسط أسعار الرحلات الجوية الى البلاد وسط منافسة شديدة بين الشركات الأوروبية منخفضة التكلفة (شركات الطيران الإقتصادي) “ريان إير” و”إيزي جيت”. وهذا بدوره أجبر “رام” على قبول عوائد خاسرة من الركاب. ومع تضاعف إختراق شركات الطيران الإقتصادي للطرق الدولية أربع مرات إلى 40 في المئة في غضون أربع سنوات فقط، يبدو كما لو أن برنامج الحكومة لتحرير الأجواء، الذي أُطلق بهدف تحقيق نتيجة جيدة، كان ببساطة عميقاً جداً وسريعاً جداً بالنسبة إلى الخطوط الملكية المغربية كي تستطيع مواجهته والصمود أمامه.
من ناحية أخرى، حملت بداية “الربيع العربي” في 2011 المزيد من الضغوط على الناقل المغربي الرسمي “المريض” في حينه. وعلى الرغم من أن المغرب تجنّب إلى حد كبير العنف الذي شهدته دول شمال أفريقيا الأخرى، فقد بدأ الأوروبيون التفكير مرتين قبل السفر إلى المنطقة بأكملها. ومع ذلك، بحلول العام 2012، إستطاعت “رام” العودة مرة أخرى إلى الربحية.
“كيف إستطعنا إدارة الوضع والوصول إلى هذه النتيجة؟ بعد العام 2011 أطلقنا برنامج إعادة هيكلة تمحور حول مجالات عدة”، توضّح لقلالش. مضيفةً: “أولاً، قمنا بتخفيض حجم موظفينا من 5،100 إلى 2،900. وأدّى ذلك إلى تحسّن كبير في الإنتاجية. اليوم، لدينا حوالي 60 موظفاً لكل طائرة، ويُعدّ هذا المعدّل واحداً من أفضل المعدّلات في الصناعة. في واقع الأمر هو أفضل من العديد من شركات الطيران منخفضة التكلفة، التي ليس لديها أي فريق مخصص للمبيعات”.
في منحى آخر، أدّى قطع الطرق الجوية من نقطة إلى نقطة، حيث منافسة شركات الطيران االإقتصادي هي الأقوى، إلى توليد خسائر أيضاً. فقد ألغت الخطوط الملكية المغربية حوالي 20 خطاً جوياً إلى أوروبا من مراكش وغيرها من المدن الثانوية مثل أكادير وفاس وورزازات، محوّلةً الطاقة إلى الشبكة المحور في الدار البيضاء. ونتيجة لذلك، فإن 80 في المئة من رحلاتها تهبط في، أو تُقلِع الآن من أكبر مطار في البلاد (مطار محمد الخامس الدولي). وقد أدّى سحب 10 طائرات ضيِّقة الجسم من الخدمة إلى المساعدة على تنفيذ المزيد من هذه التخفيضات.
ولكن في حين أن أشكال التقلّص هي عنصر ضروري في برامج إعادة هيكلة شركة الطيران، فإنها لا تكفي وحدها لضمان الإستدامة. إن أيّ عمل يصون ويضمن “سلالة” جديدة من الأسواق الوافدة يحتاج إلى تحديد نقطة بيع فريدة من نوعها متميّزة وبعيدة من المنافسة. “إيزي جيت”، بعد كل شيء، تطير إلى الدار البيضاء معقل “رام” من باريس وليون وميلان، ويمكنها إضافة المزيد من الخطوط اذا أرادت. مع ذلك، ما لا يمكنها القيام به هو تكرار ما تقوم به شبكة المركز للناقلة الرسمية “رام” من الشمال إلى الجنوب؛ فهي تفتقر إلى حقوق النقل للطيران من هناك إلى أفريقيا، ولم تُعرب على أية حال عن أي مصلحة لها في التوسع في القارة السمراء.
هذا الواقع الفريد، تؤكد لقلالش، هو واحد من “مفاتيح القوة” الذي سمح للخطوط الملكية المغربية بإستعادة الإنتعاش بسرعة بعد الإنكماش. إن موقع المغرب على الطرف الشمالي الغربي من أفريقيا يجعل منه نقطة جسر مثالية للرحلات بين أوروبا وغرب أفريقيا – وهي ميزة جغرافية تعزّزها ندرة الناقلات الرسمية إلى الجنوب.
“لدينا شبكة غرب أفريقية قوية جدا”، تؤكد المديرة العامة للخطوط الملكية المغربية، مشيرة إلى أن “رام” تخدم 31 نقطة في المنطقة الفرعية. مضيفة بأن “هذه الشبكة تربط معظم المدن في غرب أفريقيا مع بقية العالم من خلال محور الدار البيضاء. ويمكننا تشغيل هذه الرحلات – مثل باريس-الدار البيضاء والدار البيضاء-داكار – بواسطة طائرات متوسطة المدى، والتي هي أقل تكلفة [للتشغيل من طائرات أكبر] والحصول على أوقات ربط (ترانزيت) جيدة جداً. بحيث يساعدنا هذا على بيع تذاكر بأسعار مغرية جدا مقارنة مع شركات الطيران الأخرى التي تسيِّر رحلات مباشرة”.
الشبكة هي في الواقع قوية، وتمتد جنوباً حتى أنغولا وتضم كل دولة في غرب أفريقيا بإستثناء غينيا الإستوائية. يقترن ذلك مع شبكة قوية على قدم المساواة في الشمال، والتي تشمل 32 نقطة أوروبية. لكن هل أن الإندلاع الشنيع لوباء “إيبولا” في غينيا وسيراليون وليبيريا قد أثر في نموذج العمل؟
“لا. فقد قرّرنا مواصلة الرحلات الى هذه الدول لسببين رئيسيين”، تجيب لقلاليش. مضيفةَ: “أولاً وقبل كل شيء، هناك علاقة تاريخية قوية جداً بين المغرب والدول الإفريقية، لذلك نحن لا يمكننا أن تتخلى عنها بسبب هذا المرض. والسبب الثاني هو أننا وضعنا في المكان خطة عمل قوية جداً لمنع أي إنتشار أو تلوث من هذا الوباء المعدي”.
على مدى الأشهر الستة الماضية، تشير، نقلت الخطوط الملكية المغربية أكثر من 30،000 راكب من الدول الثلاث الأكثر تضرّراً. ولم تُسجَّل أي حالة من ال”إيبولا” بين هؤلاء المسافرين، الذين قيست درجات حرارتهم على حد سواء في مطار المنشأ وفي الدار البيضاء. علماً أن جميع طائرات “رام” تحمل أيضاً الآن مجموعات عزل ل”إيبولا” من باب الوقاية. “لذا فإن التدابير التي وضعت في المكان هي كافية للحد من مخاطر إنتشار “إيبولا””، على حد تعبير لقلاليش.
في الواقع، إن منظمة الصحة العالمية إنتقدت شركات الطيران العالمية الأخرى لتعليق رحلاتها إلى غرب أفريقيا بسبب إندلاع “إيبولا”- ومن بينها الخطوط الجوية البريطانية، والخطوط الجوية الفرنسية، وطيران الإمارات – محذّرة من أن الجهود الإنسانية يمكن أن “تختنق” وتتقلّص بسبب الحد من الرحلات الجوية التجارية. إن السفر الجوي ليس عامل خطر كبيراً لنقل وبث “إيبولا”، تفيد الوكالة التابعة للأمم المتحدة، لأنه ليس مرضاً محمولاً جواً، والذين يعانون منه يصبحون فقط معديين عندما تصير الأعراض مؤكّدة وبديهية. إن تجارب “رام” الخالية من المتاعب الخاصة لخدمة غرب أفريقيا تخدم صحة هذا الموقف.
مع وجود خطة عمل واضحة وتحسّن مطرد في المنتوج — رفعت “سكاي تراكس” تصنيف الخطوط الملكية المغربية إلى ثلاث نجوم هذا الصيف، مانحة ذلك لها جراء مقصورة درجة رجال الأعمال الجديدة لديها – صار النمو الآن مرة أخرى على جدول الأعمال. وقد إنضمّت العاصمة التشادية نجامينا بالفعل إلى الشبكة هذا العام، ووصول أول طائرة بوينغ 787 دريملاينر من أصل خمس طائرات في كانون الاول (ديسمبر) الفائت سوف يُشعل عقداً جديداً من التوسع لشركة الطيران المغربية.
ويتكون أسطول “رام” الحالي من 47 طائرة بوينغ “37 737s” (جميعها من نماذج الجيل المقبل، بإستثناء طائرة بوينغ “737-300” التي حوِّلت للشحن)، وأربع طائرات بوينغ “767-300ERs”، طائرة واحدة من نوع بوينغ “747-400″، وخمس طائرات “ATR 72” توربينية تستخدمها شركة جهوية متفرعة من “رام” تدعى “الخطوط الملكية المغربية إكسبرس”.
جنباً إلى جنب مع طائرة “دريملاينر” الآتية – خصصت في البداية للرحلات الطويلة على طرق نيويورك ومونتريال – سوف تبدأ “رام” في العام الجديد في إصدار عطاءات لتوسيع أسطولها على المدى الطويل.
في حزيران (يونيو) 2013، قال الرئيس التنفيذي للشركة إدريس بنهيما بأن “رام” تسعى إلى شراء طائرات الجيل الجديد لتكون بديلاً من الأسطول القديم الذي شاخ، حيث أن الناقل سوف يحتاج بين 20 إلى 30 طائرة جديدة بحلول العام 2020، وأن الشركة تنظر إلى بوينغ 787 للرحلات الطويلة، في حين أنها من جهة أخرى تنظر إلى “إيرباص نيو”، وبوينغ ماكس، و”بومباردييه سي” و”إمبراير” للرحلات المتوسطة المدى”.
ويدعم هذا المشروع رؤية الحكومة لمضاعفة أعداد السياح الوافدين في نهاية العقد الحالي. وإذا سارت الامور وفقاً للخطة، بحلول العام 2025 سوف يكون لدى شركة الطيران المغربية ما يقرب من 100 طائرة. حوالي 85 من هذه ستكون بأجسام ضيّقة، بما في ذلك 20 طائرة، أو نحو ذلك، تتسع ل100 مقعد مثالية للطرق الإقليمية القصيرة. لقد وُضعت طلبية بالفعل للحصول على أربع طائرات من نوع “إمبراير E190s” الصغيرة.
من ناحية أخرى، تحوّل “رام” إنتباهها وإهتمامها أيضاً إلى شراكات جديدة محتملة. ويجري حالياً تقييم – عضوية واحدة من تحالفات الثلاث الكبار لشركات الطيران – “ستار ألّاينس”، و”سكاي تيم” و”وان وورلد”.
وثمة خيار آخر يكمن في العثور على شريك لبيع بعضٍ من أسهم حصة الدولة البالغة 96 في المئة في شركة الطيران، مما يساعدها على تمويل عمليات إستحواذ أسطولها الجديد. وتؤكد لقلاليش بإن شركة “الإتحاد للطيران” في أبوظبي هي من بين الشركات المرجحة لذلك.
وعلى الرغم من أن الوضع في المغرب يُعتبر واحداً من أسواق الطيران الأكثر ليبرالية في أفريقيا، لا زال منافسو “رام” يتذمّرون ويعترضون. الشركة منخفضة التكلفة المنافسة “العربية للطيران المغرب”، التي تأسّست في العام 2009، تتهم الحكومة المغربية بحجب حقوق النقل عنها لفتح خطوط إلى غرب أفريقيا. هذه الحمائية المزعومة، تقول، هو المصدر الحقيقي لنجاح الخطوط الملكية المغربية.
ولكن لقلاليش تنفي هذه المزاعم، مشيرة إلى أن القيود الثنائية وُضعت في المقام الأول من قبل الحكومات الأجنبية، وليس الرباط. وتقول بأن “عدد الرحلات [المخصّصة للمغرب] حقاً محدودة جداً. ببساطة ليس هناك مجال لإضافة منافسة”.
وتضيف: “أنظروا إلى موريتانيا: لقد كانت لدينا 14 رحلة جوية [أسبوعية] إليها. ثم خفضتها الدولة هناك إلى 11، ومن ثم إلى تسع، وبعدها إلى سبع والآن صارت خمس رحلات. لذا مع هذا الحدّ، كيف يمكنك تقاسم السوق مع أي شركة أخرى؟”.
كما كانت الأجواء المفتوحة في جميع أنحاء أوروبا في تسعينات القرن الفائت إيذاناً بناقوس الموت بالنسبة إلى كثير من ناقلات العلم الرسمية، فإن تحرير المغرب لأجوائه منذ العام 2006 كان يمكنه بسهولة أن يدفع بالخطوط الملكية المغربية إلى عرض الحائط. بدلاً من ذلك، فإن الناقل الرسمي المغربي طوّر بشكل حاذق عملياته لإستيعاب هذا الإجراء والرياح المعاكسة اللاحقة.
مع العام الثالث على التوالي من الربحية الذي يلوح في الأفق، فإن “رام” هي تأكيد للقول المأثور: “إن كل ما لا يقتلك يجعلك أقوى فقط”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى