واشنطن قد تندم على إدارة ظهرها للمنطقة

لندن – هيكل الشريف

كان هناك الكثير من النقاش حول محور الولايات المتحدة الأميركية بعيداً من منطقة الشرق الأوسط وتجاه شرق آسيا. ووصف المدافعون عن الرئيس باراك أوباما هذا التحوّل الإستراتيجي على أنه ضروري. وقال منتقدون أن أولوية واشنطن الجديدة لا مبرر لها في الوقت الذي يغرق العالم العربي في هذه الإضطرابات.
ليس أيٌّ من الرأيين متكاملاً. إن تركيز أوباما على آسيا يمكن الدفاع عنه بالتأكيد في بيئة عالمية يحدّدها صعود الصين وتحوّل القوة الإقتصادية شرقاً. أما بالنسبة إلى الإضطرابات في الشرق الأوسط، فهذا هو السبب بالضبط لماذا تحرّكت إدارة أوباما بعيداً. إن إدارة الأحداث هنا قد إستنزفت الطاقات والأموال الأميركية، من دون تحقيق مكاسب كبيرة.
مع ذلك، يمكن توجيه النقد المبرّر إلى أساليب أوباما. عندما تولّى منصبه، أعلن الرئيس الأميركي عن تغيير في الإتجاه بعيداً من المنطقة التي، على مدى عقود، أصبحت تعتمد إعتماداً كبيراً على واشنطن. لم يُدرك، أو إهتم لإدراك، أن هذا من شأنه أن يخلق فراغاً وعدم إستقرار الأمر الذي، في الواقع، يعوّق تحديد أولوياته في آسيا.
في كثير من الأحيان تكمن أصعب مراحل الديبلوماسية في إدارة التحوّلات الكبرى. أوباما يكتشف هذا الآن، فيما يواصل المفاوضات النووية مع إيران. إن تقلبات السياسة الخارجية المتطرفة تؤثر في المصالح الخاصة، وتفرض سلوكاً جديداً على البيروقراطية، تؤدي إلى تغيير الوقت الذي يكرسه الرؤساء لمناطق معينة وهذا يعني أن الموازنات لا بد من إعادة توجيهها.
هذا هو السبب في أن التحوّلات يجب أن تُجرى بعناية، ليس فقط لضمان أن تكون ناجحة، ولكن لتجنّب ترك الحلفاء في وضع حرج. في هذا المعنى فإن محور أوباما إلى آسيا هو حالة نموذجية لكيفية عدم إحداث تحوّل إستراتيجي.
لمدة 70 عاماً، كان الشرق الأوسط مركز الإنشغالات الأميركية. أربعة مذاهب رئاسية مباشرة أو غير مباشرة هدفت إلى تعزيز الأمن الإقليمي. وقد تم بناء علاقات إستراتيجية أميركية مع المملكة العربية السعودية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أول علاقة إستراتيجية لأميركا مع دولة عربية، التي بنيت على أساس حماية أميركية في مقابل محافظة المملكة على الإستقرار في أسواق النفط. للإشارة فجأة إلى أن المنطقة قد فقدت أهميتها لا بد أن يؤدي ذلك إلى الخراب.
مشكلة أوباما الرئيسية هي أنه قام بشيئين في وقت واحد، الأمر الذي ولّد حالة من الذعر. فقد إنسحب من المنطقة، وفي الوقت عينه سعى إلى تطبيع العلاقات مع إيران من خلال الإتفاق النووي. وهذا عزّز وسائل ايران على مواصلة طموحاتها الإقليمية في الوقت الذي يشعر حلفاء واشنطن بأنهم تُركوا لمصيرهم وحيدين.
كان خطأ أوباما أنه لم يظهر أي صبر للديبلوماسية التي كان ينبغي أن تحيط بمحور شرق آسيا. لم يكن لديه تقدير كيف يمكن لمنطقة الشرق الأوسط التي تعتمد على الولايات المتحدة أن تستجيب إلى تحوّل في السياسة التي لم تزعج واشنطن أبداً نفسها لتنسيق تنفيذه مع حلفائها. وإذا كان هذا الاعتماد على أميركا غير صحي، فإن اللوم يقع على الأميركيين إلى حد كبير.
بدلاً من العمل على تأثير إنتقال سلس، حيث يبدي أوباما نواياه، ثم يعمل مع الحلفاء الإقليميين على إنشاء هياكل لملء الفراغ، فإن الرئيس الأميركي لم يفعل أي شيء. وقد زار المنطقة مرات عدة نسبياً وكرّس إهتماماً ضئيلاً لمشاكلها. فقد حمل معه بيروقراطية السياسة الخارجية.
المفارقة هي أنه عندما يوجَّه الإنتباه بعيداً من منطقة، فإن الإدارة في كثير من الأحيان ينبغي أن تمضي المزيد من الوقت عليها في الفترة الإنتقالية. كانت أوروبا نقطة محورية في الجهود الأميركية خلال الحرب الباردة. ولكن عندما إنتهى التنافس مع الإتحاد السوفياتي، ظلت الولايات المتحدة تشعر بالقلق بالنسبة إلى أوروبا، مما أدى إلى مشاركتها في البلقان. إن سياسة الإخفاق الباردة، بالصيغة التي إعتمدها أوباما، هي سياسة غير مسؤولة.
قد يكون أوباما يسعى إلى خلق توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط لتخفيف العبء عن الولايات المتحدة. ومع ذلك، يشعر الشركاء الإقليميون بأن هذا ينم عن التخلي. إن حلفاء واشنطن في الخليج، ناهيك عن إسرائيل، إعتبروا التطبيع الأميركي مع إيران على أنه خيانة.
الإنفتاح على إيران قد يكون له العديد من الفوائد. لكن أوباما لم يوضّح أبداً تماماً ماذا يريد. ورداً على هذا الغموض، إعتمد حلفاء أميركا العرب سياسات لمكافحة النفوذ الإيراني في سوريا واليمن والعراق. وقد أدى ذلك إلى عدد من الأزمات التي تجعل من المفارقات أنه من الصعب على واشنطن إعادة توجيه نفسها بعيداً من المنطقة.
الواقع أن الإنتفاضة السورية، التي أصبحت حرباً إقليمية بالوكالة التي أهملها أوباما، أوجدت مناخاً يسمح بصعود “داعش” وأعادت أميركا مرة أخرى إلى المنطقة عسكرياً. وبالمثل، فإن الحرب في اليمن، في حين أنها قد توضّح مبادرة جديدة من جانب العديد من الدول العربية، فقد أدّت إلى وضعٍ سمح لتنظيم “القاعدة” بتوسيع المنطقة الخاضعة لسيطرته.
في حديث مع مؤيدي نهج أوباما، غالباً ما يفاجأ المرء بسماع دفاع ضيق عن موقف الرئيس. حجتهم أن أميركا لم تعد لديها الوسائل المالية ولم تعد تعتمد على النفط في المنطقة وهذا مبرر كاف لإبتعاد واشنطن عن المنطقة.
ولكن هذا لا يكفي. إن التقاعس له عواقب. أوباما، من خلال تجنب إدارة التحوّل في الإستراتيجية بشكل منطقي مع حلفائه في المنطقة، فشل في الإعداد لملء الفراغ الذي يتلو ذلك، الأمر الذي زاد التقلب الإقليمي وأربك سياسة أميركا. وهذا سوف يطارد الولايات المتحدة لسنوات مقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى