الضرائب في لبنان: ما لها وما عليها

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

في ظل التراجع الحاصل في أداء الإقتصاد اللبناني في السنوات الأخيرة، و محاولة مصرف لبنان التخفيف من هذا التراجع عبر الحزمات المتتالية السنوية التي ضخّ بها في القطاع المصرفي و الإقتصاد، يُطرَح تساؤل كبير حول السياسة المالية والضريبية للدولة وجدواها. فالدين العام في تصاعد مستمر، و لا يوجد ما يشير إلى أن النظام الضريبي القائم، رغم وطأته الكبيرة السلبية على كاهل المواطن، إستطاع الحدّ من تفاقم الدين العام أو المساهمة في لجم التفاوت الطبقي، أو جذب الإستثمارات و تحفيز النمو الإقتصادي.
يهدف أي نظام ضريبي في العالم إلى تحقيق أهداف أربعة أساسية عبر التأثير في منظومة الحوافز الإنتاجية والإستهلاكية في الإقتصاد وإعادة توزيع الثروات و المداخيل. ويكمن الهدف الأول في حسن إعادة توزيع الدخل الوطني. والهدف الثاني يسعى إلى تحقيق النمو الإقتصادي، لأن هناك علاقة وطيدة بين مستوى الضرائب والنمو الإقتصادي. والهدف الثالث يكمن في ترشيد الإستهلاك و الإنتاج، بينما يسعى الهدف الأخير إلى إستعمال الضريبة كوسيلة لجمع المال من أجل واردات الموازنة العامة. وإذا ما نظرنا إلى النظام الضريبي في لبنان، فأنه ينقسم إلى نوعين من الضرائب، الضرائب على الدخل (ضرائب على أرباح الشركات، وعلى الأجور والمعاشات، وعلى دخل رأس المال المنقول) ومن ضرائب أخرى (إشتراكات الضمان الإجتماعي، رسم الطابع المالي، رسوم الجمارك، ضريبة الممتلكات ورسم ضريبة القيمة المضافة (TVA. بعض هذه الضرائب مباشر و آخر غير مباشر، منها أنظمة ضريبية تصاعدية وبعضها الأخر مسطّح.
وإذا أمعنّا أكثر في تفاصيل هذه الضرائب، نلاحظ أن معظمها في لبنان تصاعدي. فالضريبة على أرباح الشركات تحتسب على أساس مسطح بقيمة ١٥٪، بينما تتراوح بين ٤٪ لشريحة الأرباح التي تقل عن تسعة ملايين ليرة وتصل إلى ٢١٪ للأرباح التي تفوق ال104 ملايين ليرة على مداخيل الشركاء في هذه الشركات. يوجد بعض الإعفاءت التي تستفيد منها المؤسسات التربوية والصحية والتعاونيات وغيرها، لكنها قديمة غير متجدّدة ولا ترقى إلى الدور المطلوب للنظام الضريبي. أما الضريبة على الرواتب فهي تصاعدية أيضاً تتراوح بين ٢٪ لشريحة الراتب التي تقل عن ستة ملايين ليرة لتصل إلى ٢٠٪ للشريحة التي تفوق ال120 مليون ليرة. الإعفاءات في هذا الإطار تشمل الممرّضين وعمال التنظيف في المستشفيات، بالإضافة إلى عمال القطاع الزراعي. في المقابل فإن الضرائب على أرباح الأموال المنقولة، و بالتحديد الربح الموزع على المساهمين فهي ١٠٪، تُعفى منها الأموال المستثمرة مع الدولة اللبنانية والمودعة لدى مصرف لبنان. بالنسبة إلى مساهمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي فتصل إلى ٢١٫٥٪ من الدخل على عاتق رب العمل، ويفرض ٢٪ على الأجير. و إذا ما نظرنا إلى ضرائب العقارات فتتراوح بين صفر ٪ للقيمة ما دون الستة ملايين ليرة وصولاً إلى ١٤٪ للشريحة التي تفوق المئة مليون. أما الضريبة على القيمة المضافة فهي ١٠٪ بينما تختلف الرسوم الجمركية لتتراوح بين صفر ٪ و٧٠٪.
رغم هذه الصفة التصاعدية و التي تهدف إلى إرساء عدالة إجتماعية أفضل، فإن إرتفاع مستويات الفقر في لبنان والتفاوت الطبقي يشيران إلى فشلها في تحقيق هذا الهدف. و من أجل تحقيق الهدف الثاني أي تحفيز الإقتصاد، وجب على الضريبة أن تكون أداة مرنة أي أن تستعمل بشكل دوري، بينما تتصف الضريبة في لبنان بالصلابة وعدم تماشيها مع التقلبات في الدورة الإقتصادية، فتلك الأرقام أعلاه لم يتم تعديلها منذ زمنٍ بعيد وتبدو في الوقت عينه عمياء تفتقر إلى التمييز الدقيق بين الأنشطة الإقتصادية التي تصدر عنها تلك المداخيل سواءً كانت أرباح شركات أو رواتب وغيرها. في الوقت عينه تفتقر الضريبة على القيمة المضافة إلى القدرة على ترشيد الإستهلاك سواء في لجم التلوث، أو التخفيف من الأمراض المستعصية و الخطيرة، أو توجيه سلوك الشباب في تخصصاتهم الجامعية وغيرها.
بناءً عليه يبدو أن مفهوم الدولة للضريبة محصورٌ بدرجةٍ كبيرة بالهدف الرابع أي تمويل عجز الموازنة، وهي سمة من سمات التخلف الضريبي. فليس إذا كان لدينا عجز في الموازنة يعني أنه يتوجب علينا رفع الضريبة. هذه مقاربة خاطئة وحتى اليوم لم تُستعمل الضرائب في لبنان إلّا من أجل غايتها الرابعة الأقل أهمية بين المهمات كلها. إن وضع النظام الضريبي في لبنان خدمةً للدين العام المتفاقم يعتبر هدراً لنتاج المواطن وأرباح الشركات والتي من الأجدر أن تستهلك أو يعاد إستثمارها. إذا أردنا أن نطبق المهمة الاولى للضريبة أي إرساء عدالة إجتماعية، فينبغي أن تركّز الضرائب على الدخل الفردي، ومن الأفضل القيام ب” تجميع” لكل المداخيل الفردية شرط أن تفرض على المجموع نسب ضريبية معتدلة وليس نسب مرتفعة. فالدولة لم تنجح في أي شيء في المجال الضريبي، ولا في مجال الموازنات المالية. فهي لم تحقق أي هدف من خلال النظام الضريبي، لا في مجال الدين العام أو حجم الإقتصاد، ولا في المجال الإستثماري، ولا في مسائل التصدير والإستيراد والإنتاجية وفرص العمل والبطالة والتضخم.
كل ما ذكر أعلاه لم يتطرق إلى التهرب الضريبي الذي يشجّع عليها موظفون في القطاع العام أكثر من الشركات والأفراد أنفسهم فيتحول هؤلاء من موظفين في القطاع العام إلى سماسرة و شركاء في هذا المال يقتطعون منه ما قدروا عليه، فينافسون الدولة بتقديم عروضات ضريبية أوفر للمواطن فيصل إلى خزينة الدولة جزءاً بسيطاً من المستحقات الضريبية. لذلك فإن من الحلول التي نطرحها تخفيض نسبة الضريبة لتدفع المواطن إلى التصريح الصريح لتزول الحاجة إلى محاولة التهرب من خلال سماسرة القطاع العام.
أما ما تم جبايته، فيتعرض للإنفاق الرسمي الذي يتصّف بالكثير من الهدر المالي، من محاصصة وسمسرات وصفقات مشبوهة، وإثراء غير مشروع؛ كل ذلك على حساب الناس وعلى حساب حياتهم ونوعية مستوى عيشهم. إن تخلّف النظام الضريبي في لبنان، إضافةً إلى الفساد الفاضح الذي يتصف به الإنفاق العام، تجعل منه أسيراً لأصحاب ألدين و الفاسدين في المؤسسات العامة، ما يؤدي إلى إنعدام الثقة بين المواطن و الدولة و يدفعه إلى ركوب موجة الفساد، الأمر الذي يدفع لبنان إلى المزيد من الفشل الإقتصادي في تعطل أهم الأدوات لإدارة الإقتصاد.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى