في لبنان، لا حلَّ للمأزق

بيروت – رئيف عمرو

لفترة وجيزة في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت كان هناك أمل في أن ينتخب لبنان رئيساً جديداً للجمهورية. كانت الرئاسة شاغرة منذ أيار (مايو) 2014، ومع ذلك، لم تستطع القوى السياسية اللبنانية المنقسمة جداً للوصول إلى إتفاق لإيجاد خليفة للرئيس ميشال سليمان.
جاء التفاؤل على أثر ورود تقارير عن إجتماع جرى في باريس بين القيادي البارز في تحالف 14 آذار، سعد الحريري، والسياسي المسيحي الماروني البارز في تحالف 8 آذار المنافس، سليمان فرنجية. لقد أراد الحريري الخروج من المأزق الرئاسي من خلال دعم ترشيح فرنجية، في صفقة قد تؤدي بعودة الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء.
كان سبب الجمود رفض سياسي ماروني آخر ميشال عون، السماح لكتلته لحضور جلسات الإنتخاب في البرلمان، ما لم يكن هناك إتفاق مسبق على إنتخابه هو رئيساً للبلاد. تضامناً مع عون، لم تحضر كتلة نواب “حزب الله” هذه الدورات جنباً إلى جنب مع حلفائها، الأمر الذي منع إكتمال النصاب.
أبعد من ذلك، يرتبط هدف “حزب الله” بالأحداث الإقليمية. يريد الحزب ضمان أن الرئيس الجديد سيدافع عن “حكمه الذاتي” العسكري، نيابة عن إيران، ويشعر بأن تحوّلاً في التوازن في سوريا لصالحه من شأنه أن يسهّل مثل هذا الخيار.
من ناحية أخرى يرى “حزب الله” تحالفه مع عون بأن له قيمة إستراتيجية. فهذا الأخير يتمتع بدعم كبير من المسيحيين ويسيطر على كتلة برلمانية كبيرة. وهذا هو السبب في رد فعل الحزب الذي تجلّى بعدم الثقة تجاه إنفتاح الحريري على فرنجية. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن مبادرة الحريري جاءت بعد ضوء أخضر سعودي مدعومة من الأميركيين جعلها مشبوهة على نحو مضاعف.
ونُقل عن عون أنه غاضب من فرنجية، إذ أنه برى ترشيح الأخير محاولة لتقويض فرص إنتخابه هو. في إجتماعات منفصلة مع عون والأمين العام ل”حزب الله”، حسن نصر الله، سمع فرنجية من عون قوله بأنه سيتابع ترشيحه، في حين كرّر نصر الله أن الحزب سيستمر في دعم عون، كما فعل منذ بعض الوقت.
وهذا يشير الى أن مشروع فرنجية، إن لم يمت، فقد أصيب بالتعثّر. ومع ذلك، فإن نائب زغرتا، الحليف المقرب لبشار الأسد، زار دمشق في 13 كانون الأول (ديسمبر)، حيث عاد إلى لبنان “مرتاحاً جداً”، كما ذكرت إحدى الصحف اللبنانية. مع ذلك، فإن ما ينطوي أو يعني هذا كان غير واضح، على الرغم من أن تقارير غير مؤكدة أشارت بأن الأسد لم يكن مشجّعاً.
والواقع ليس من المؤكد أن الدعم السوري سوف يكون كافياً لضمان إنتخاب فرنجية. إن أولويات إيران و”حزب الله” قد تسود. إن إجبارهما على التخلي عن عون لمصلحة فرنجية قد يكون خطاً أحمر في وقت يحتاج “حزب الله” شريكاً طائفياً قوياً للمضي قدماً في جدول أعماله داخل لبنان وعزل الطائفة السنية.
إضافة إلى ذلك، هناك إئتلاف من الأحزاب المارونية الأخرى يعارض إنتخاب فرنجية غير “التيار الوطني الحر”، بما في ذلك “القوات اللبنانية” وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار. وكان سمير جعجع، رئيس “القوات اللبنانية”، مرشح قوى 14 آذار الرسمي، وكان غاضباً من تحوّل الحريري إلى دعم فرنجية. والأسوأ من ذلك، فقد فعل ذلك من دون إعلامه وخلف ظهره.
كان جميع الموارنة، بالإضافة إلى ذلك، معادين لمشروع مؤيديه الرئيسيين من السياسيين غير المسيحيين، بمن فيهم الحريري ولكن أيضاً وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي. غير قادرين على الإتفاق في ما بينهم، كان الموارنة غاضبين أن آخرين كانوا يحاولون إيجاد حلّ لا يمكنه في نهاية المطاف أن يعود بالنفع على المجتمع الماروني، حسب رأيهم.
ربما يكون مصير فرنجية الآن موضوع نقاش بين القوى الإقليمية والغربية. إن غياب الرئيس زعزع إستقرار النظام السياسي وفي العام الماضي دفع وزراء عون الحكومة إلى حافة الإنهيار لتأمين إنتخابه.وقد ألمح رئيس الحكومة تمام سلام إلى أنه ما لم يقُم مجلس الوزراء بعمله بشكل صحيح، فإنه سوف يستقيل، والسماح للحكومة لكي تتحول إلى حكومة تصريف أعمال.
وقد خلق هذا قلقاً على نطاق واسع بأنه ما لم يتم إعادة تنشيط مؤسسات الدولة اللبنانية قريباً، فإن البلاد قد تغرق في عدم الإستقرار السياسي والخراب المالي. وهذا قد يخلق وضعاً خطيراً للغاية، وهو وضعٌ تفاقم بسبب وجود ما يزيد على مليون لاجئ سوري في البلاد.
إن موقف عون لا يمكن الدفاع عنه على نحو متزايد. فهو تجاوز الثمانين عاماً، ويواجه معارضة قوية من الطائفة السنية، وبقدر ما تطول المدة لمنع إنتخاب بديل، بقدر ما سيعاني لبنان. مع ذلك، لم يسمح عون أبداً بتأثير تصرفاته المدمّرة لتغيير رأيه. فهو سيذهب الى أقصى الحدود لتلبية طموحه.
والسؤال هو ما إذا كان “حزب الله” يمكن أن يذهب معه إلى آخر الطريق. لم يظهر الحزب حتى الآن أي علامات للتراجع. ومع ذلك، فقد سقطت الأقنعة وسوف يكون على “حزب الله” إمتصاص إرتفاع تكاليف تعنت عون، في وقت لا تزال أولويته الحرب في سوريا. وإذا تغيرت الحسابات الإقليمية، فإن الإختراق يصبح ممكناً. ولكن قلّة من اللبنانيين يعتقدون ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى