مسار عُمان الوسطي هل يؤدّي إلى إغضاب جيرانها؟
فيما يزداد تدخل دول مجلس التعاون الخليجي في القضايا الإقليمية، تسعى عُمان بنهجها القائم على لجم المواجهات إلى إرضاء جميع الأطراف الفاعلة. ولكن هل ستستطيع عمل ذلك دائماً أم أنها ستثير غضب البعض؟
مسقط – باسم رحّال
هناك الكثير من اللغط والغضب في مجلس التعاون الخليجي في هذه الأيام. الدول الأعضاء، التي فوّضت لفترة طويلة أمور التدخل العسكري في محيطها للاعبين دوليين أكبر، قررت نشر نفوذها بنفسها، متحدّية دول المنطقة والديناميات السياسية.
في خضم هذا الجو المتوتّر، كثيراً ما يُسمَع على مسرح اللعبة السياسية في الخليج همسٌ عاقل بدل الصوت المرتفع الذي يدعو إلى المعركة، الذي يحثّ الجهات الفاعلة الإقليمية على إختيار أقوالها وأفعالها بطريقة أكثر عقلانية. وفي هذا المنحى مارست سلطنة عُمان دائماً شؤون سياستها الخارجية منفصلة عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
فيما أطلقت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى غاراتها الجوية ضد المتمرّدين الحوثيين في اليمن في آذار (مارس) الفائت، فإن مسقط قد إمتنعت وإعتذرت عن عدم المشاركة.
من جهته، أعاد يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان، سبب عدم تورط بلاده إلى “المشاعر العاطفية المشتركة” بين اليمنيين والعُمانيين.
بالنسبة إلى الوزير بن علوي فإن “الخلافات لا تحل إلا بالسلم ولا داعي لإستخدام أسلوب آخر في معالجتها”، موضّحاً أن السلطنة لا تريد أن يكتب التاريخ أنها إشتركت في هذه الحرب.
بوصفها وسيط – دور مارسته مسقط جيداً وبإتقان – بالنسبة إلى الجانبين، فقد أكدت السلطنة على أنه ينبغي إنهاء الصراع في أقرب وقت، وأن جهود السلام يجب حتى أن تؤخذ إلى مجلس الامن الدولي.
ويفيد أهل الخبرة بأن وراء توصية العُمانيين بإجراء المفاوضات على طاولة مستديرة في الأمم المتحدة خيبة أمل مسقط من السياسات الرجعية لجيرانها الأكبر.
إن مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن، التي تسعى إلى تحقيق الإستقرار في البلاد بعد الإنتفاضة الثورية في 2011 من خلال إشراك مختلف الأطراف في الصراع – ودعت إلى إستقالة ثم الرئيس علي عبدالله صالح – لم تُحدِث الكثير من التغيير، على الرغم من أنها إعتبرت في حينها مبادرة ناجحة.
فقد تحدثت الأمم المتحدة عن المبادرة بكلام متوهّج، واصفةً اليمن بأنه “البلد الشرق أوسطي الوحيد الذي يتم فيه إنتقال السلطة من طريق التفاوض وخريطة طريق واضحة من أجل التغيير”.
“لقد كان إنتقال السلطة في اليمن قصة غير عادية، والفضل في ذلك ينبغي أن يذهب إلى اليمنيين،” قال جمال بن عمر، المستشار الخاص للأمين العام للامم المتحدة السابق في اليمن، الذي إستقال الشهر الماضي من منصبه، في ذلك الوقت. مضيفاً: “كان اليمن يتجه ويسير بالتأكيد نحو سيناريو من نوع سوريا. أما الآن فإنه يمر بمرحلة إنتقال سلمي”.
هذا الأمر المتوقع، مع ذلك، لم يتحقق منه شيء، وفيما فشلت جهود بناء السلام ونما الغضب العام تجاه خليفة صالح، الرئيس عبد ربه منصور هادي، إحتلّ الحوثيون – مستفيدين من الإستياء العام – العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول (سبتمبر) الفائت.
فيما أدانت دول مجلس التعاون الخليجي المذعورة هذا الإستيلاء وناقشت تحركاتها المقبلة، فقد دعت عُمان إلى مبادرة ثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي.
وقال بن علوي في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية الصادرة من لندن، بأن اليمن يحتاج إلى “مبادرة يرعاها مجلس التعاون الخليجي أو الدول العشرة المؤيِّدة”.
“يجب أن يكون هناك باب مفتوح لإعطاء اليمنيين الشعور بالثقة في مستقبلهم، بدلاً من اللجوء إلى السلاح أو فرض عقوبات للأمم المتحدة عليهم”،قال في تصريحات نقلتها أيضا” صحيفة “يمن أوبزرفر”.
مع ذلك، لم تكن هناك أي مبادرة ثانية لدول مجلس التعاون الخليجي والسعوديين، بل كانت هناك إستجابة لطلب الرئيس هادي للتدخل، للرد بهجمات جوية.
نأت عُمان بنفسها بعيداً، مع بن علوي مشيراً إلى أن بلاده “لا يمكن أن تعمل على جهود السلام، وفي الوقت عينه تكون جزءاً من حملة عسكرية”.
وكان تحفّظ عُمان عن المشاركة مفهوماً من قبل البعض لكي تكون جزءاً من تضافر الجهود للحفاظ على مسافة واحدة من خطط السعودية لإستعراض عضلاتها ضد إيران الصاعدة التي هي على وشك أن تُقبَل في النظام المالي العالمي في أعقاب الإتفاق النووي.
“لقد كانت عُمان في الماضي في حروب ونزاعات مع جنوب اليمن، التي وجدت حلّاً لها في سبعينات القرن الفائت”، يقول الدكتور عبد الله باعبود مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر. مضيفا”: “لهذا فهي لم تكن تبحث عن صراع آخر مع اليمن، لذا إنسحبت من التحالف ضده. ولكن من ناحية أخرى تتفهم مسقط أسباب إقدام دول مجلس التعاون الخليجي على فعل ما تفعله الآن. بعد كل شيء، هناك إدّعاءات من بعض المسؤولين في إيران أنهم الآن على وشك السيطرة على أربع عواصم عربية – بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لذلك وُضِعت دول مجلس التعاون الخليجي في موقف حرج يفرض عليها الردّ. كان يمكنها أن تجد حلاً سلمياً، وكان هناك إقتراح عُماني في هذا المجال”.
مع ذلك، فقد لجأت دول مجلس التعاون الخليجي القلقة من إحاطة النفوذ الإيراني لها إلى أقرب حلفائها وطلبت مساندتهم لكنها قوبلت بالرد بأنهم لا يريدون التورط.
عندما صوّت البرلمان الباكستاني ضد الإنضمام إلى “عملية عاصفة الحسم”، كما أطلق على التدخل الخليجي بقيادة السعودية، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور محمد قرقاش أن إسلام آباد سيكون عليها أن تدفع “ثمناً باهظاً”، وذكر بأن “الأمن العربي – من ليبيا إلى اليمن – يقع على عاتق الدول العربية وحدها، والأزمة هي إختبارٌ حقيقي للبلدان المجاورة”.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، بإستثناء عُمان، قاطعت قطر لدعمها جماعة “الإخوان المسلمين” – التي وُصِفت بالمنظمة الإرهابية في دولة الإمارات والسعودية – في العام الماضي، وسحبت سفراءها من الدوحة (ما عدا الكويت).
من جهة أخرى، كانت عُمان، التي تتمتع بعلاقات إستراتيجية وإقتصادية وثيقة مع إيران، المحطة الأولى لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لمناقشة الأزمة اليمنية، قبل سفره إلى إسلام آباد لحث باكستان على إعادة النظر في دعمها السابق للجهود السعودية.
وقد تم التساؤل حول موقف السلطنة في كتلة دول مجلس التعاون الخليجي من قبل. والآن، مع إتخاذ هذه الدول نهج المواجهة، فإن دورها مرة أخرى تحت دائرة الضوء.
“تخاطر عُمان في أن تصبح هامشية وخارجية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي التي تبدو أكثر حزماً وبعضلات حيث قد تكون أقل تسامحاً بالنسبة إلى الإختلاف السياسي عندما تواجه مثل هذه التهديدات الخارجية الحادة”، يقول الدكتور كريستيان كوتس-أولريخسن، زميل باحث في معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس في هيوستن.
“إن التحدي الذي يواجه صناع القرار هو أن عُمان تختلف عن معظم جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة إلى معظم القضايا الأمنية الكبيرة في المنطقة، ولديها تصور للتهديدات مختلف جداً من تلك القضايا”، مضيفاً.
عُمان بالتأكيد لا ترى في إيران تهديداً، إذ أنها هي التي سهّلت المحادثات بين واشنطن وطهران بشأن الإتفاق النووي المحتمل. وكانت مسقط أيضاً داعمة لعملية السلام بين إسرائيل ومصر في أواخر سبعينات القرن الفائت، والذي واجه معارضة من الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع القاهرة في ذلك الوقت.
“تتبع عُمان دائماً سياسة خارجية مستقلة”، يقول باعبود. “ليس عليها بالضرورة إتباع سياسة خليجية موحدة لأن ليست هناك واحدة”، على حد قوله.
“لم تتدخّل السلطنة، على الرغم من أن الجيش العُماني كان جزءاً من “درع الجزيرة” لتحرير الكويت، كدولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، لكنها كانت ضد أي تدخل للإطاحة بنظام صدام حسين في ذلك الوقت”، مضيفاً.
“خلال الحرب بين إيران والعراق، لعبت عمان دوراً مهماً للغاية في محاولة التوفيق ووضع نهاية سلمية للحرب والصراع. وخلال إنتفاضة البحرين، لم ترسل السلطنة أي جندي إلى البحرين لأن القضية بالنسبة إلى عُمان كانت مسألة داخلية وكانت تواجه تحدياتها الداخلية الخاصة على أي حال”، على حد تعبير باعبود.
“عُمان هي بلد صغير بموارد محدودة، وهي ليست من هواة السياسة الخارجية المغامرة”، أضاف.
جزء من التفسير لنهج السلطنة المختلف، يقول عوزي رابي، مدير مركز موشي دايان في تل أبيب لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، يكمن في “الثقافة والتراث المتعدّدَي الأعراق، والأديان واللغة”، اللذين يشكّلان وجهة النظر العُمانية العالمية وإدراك التهديدات.
“أعتقد أن واحداً من المؤشرات إلى هذا النوع من السياسة الخارجية الفريدة جداً يُمكن العثور عليه في فكرة طيبة للغاية تُدعى الشرق الأوسطي أو شرق الأوسطية، التي فصّلها يوسف بن علوي”، كما يوضّح.
“لذلك لا تتحدث معي عن هويتك البدائية، لا تتحدث معي حول أين يكمن ولاؤك، تأكد من أن كل واحد منا في الشرق الأوسط يمكنه أن ينضم معاً، ويمكننا أن نشكل نوعاً من صيغة يمكننا بواسطتها ان تكون لدينا القوة لبناء تعاوننا في المستقبل، والذي سوف يُفيد كل واحد منا”، على تعبير رابي.
“هذا هو الشيء الذي أعتقد أنه ما يميّز عُمان ويجعلها فريدة من نوعها في بانوراما الشرق الأوسط”، مضيفاً.
حتى الآن، واجه مسار عُمان الوسطي بالنسبة إلى الصراع الإقليمي والإنخراط مع إيران غضباً خليجياً أقل بكثير من الذي واجهته قطر حول قضية “الإخوان المسلمين”. في أي حال، يقول باعبود، إن تهميش عُمان لا يخدم أي غرض لدول مجلس التعاون الخليجي في هذا الوقت.
“لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستقوم به دول مجلس التعاون الخليجي، وإذا كانت هذه التصريحات التي أطلقها وزير الدولة في الإمارات العربية المتحدة [ضد باكستان] أو ما إذا كانت إعلانات أخرى في دول مجلس التعاون الخليجي ستنفذ”، يقول.
“هناك الكثير من الضجيج حول بناء قوة الدفاع العربية، وهناك الكثير من الحديث حول من سيكون معنا والذي هو ضدنا. أعتقد أنه سيكون أكثر حكمة لدول مجلس التعاون الخليجي عدم تصنيف الدول على هذا الأساس”، يؤكد باعبود، وهو مواطن عُماني.
منذ أن إستقالت الولايات المتحدة من دورها الريادي في حل النزاعات الإقليمية، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز الدعم العسكري في المنطقة، فضلاً عن زيادة الإنفاق على الدفاع. لقد أصبحت المملكة العربية السعودية المستورد العسكري الأكبر هذا العام.
فيما كانت لا تحب المجازفة بالمشاركة في الصراعات، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتخذ الآن نهجاً أكثر تدخّلاً في سوريا، حيث شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وقطر في الغارات الجوية ضد تنظيم “الدولة الإسلاميةً، وفي ليبيا، حيث قامت دولة الإمارات بهجمات جوية ضد الميليشيات الليبية.
من أجل تعزيز الأمن الإقليمي، كانت سلطنة عمان أول من وضعت إقتراحاً، بعد إنتهاء حرب الخليج، “لخلق قوة عسكرية خليجية لكي تكون رادعاً لأي نوع من التحدّي”، “يقول باعبود.
مع هذا إختارت دول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من ذلك دعوة قوات عسكرية من مصرية وسوريا للمرابطة في الخليج، في إطار ما كان يسمى إتفاق دمشق، الذي وقِّع في العام 1991.
” بعدها تبيَّن لها أن ذلك كان فكرة خاطئة فدفعت المال للمصريين والسوريين لعدم إثارة غضبهم”، يضيف باعبود.
ويوضِّح: “هذا هو الأمر الذي تختلف فيه عُمان حقاً عن دول الخليج الأخرى. وضمن دول مجلس التعاون الخليجي هناك بعض القرارات الذي إتُّخذ لم يكن مدروساً جيداً، بما في ذلك إتفاق دمشق، وتوسيع مجلس التعاون الخليجي لضم الأردن والمغرب بعد “الربيع العربي”. وقد دفعت دول المجلس ثمن ذلك من المال مرة أخرى، وأحرجت نفسها”.
إذا نجح التدخل في اليمن، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون أكثر ثقة بنفسها، ومن المرجح أن تتعاون مع دول عربية أخرى لحل النزاعات الإقليمية، يشير باعبود.
مع ذلك، فإن الصراع، أضاف، كان “مقامرة خطيرة جداً” للمملكة العربية السعودية، ويمكن تلمس آثاراً أكثر حدة في سلطنة عمان، والتي قد تعاني من التداعيات غير المباشرة من تصاعد التمرد في اليمن المجاور.
“عمان قلقة للغاية من الحرب في اليمن وعواقبها، وواحدة منها هي الخوف من أن تكون المنظمات الإرهابية، مثل تنظيم “القاعدة” وغيره، قد وجدت مساحة أكبر للعمل”، يقول باعبود.
“هذا هو الأمر الذي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تساعد فيه عُمان لحماية حدودها، إذ أن موارد السلطنة محدودة وتواجه تحديات، وهناك قيود وحدود بالنسبة إلى المقدار الذي يمكنها القيام به”، حسب قوله.
عارض بن علوي بصراحة إتحاداً خليجياً في حوار المنامة الذي عقد في البحرين في العام 2013. ويقول باعبود أن الفكرة لا تزال مبكرة للتنفيذ، مع إعتبار السلطنة لها بأنها مجرد “بيان سياسي”.
ويختم قائلاً: “أعتقد أن عُمان مستاءة جداً أو مصابة بخيبة أمل من المسار الذي تسير عليه عملية التكامل الخليجي. إنها لا تفي حقاً بما كانت تأمل وتحلم به مسقط، والذي هو أبعد من ذلك، تعميق التكامل في جميع المجالات”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.