مصارف عُمان تتطلّع إلى الخارج لتحقيق طموحاتها
خلافاً لبعض جيرانه الأكثر شهرة ولمعاناً، لم يتأثر القطاع المصرفي في سلطنة عُمان كثيراً من الأزمة المالية العالمية، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى تركيزه على السوق المحلية وسياسة البنك المركزي الحذرة. ومع ذلك، في حين أن التوقعات في المدى القصير تبدو جيّدة وقوية، فإن تراجع أسعار النفط وزيادة المنافسة في الداخل تطرح تحدّيات في المدى الطويل.
مسقط – باسم رحّال
إن خروج القطاع المصرفي العُماني من الأزمة المالية العالمية سالماً نسبياً لم يكن شيئاً مستغرباً. في السنوات التي سبقت الأزمة، سلكت البنوك في البلاد مساراً حريصاً على النمو المستدام، الأمر الذي حدّ من تعرضها إلى ذلك النوع من المخاطر الذي قوَّض بعضاً من نظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي.
بتوجيه من البنك المركزي في البلاد، ركّز معظم المقرضين على السوق المحلية، وهذه الإستراتيجية ولّدت نظاماً مصرفياً مرناً ومستقراً. وقد أنتج هذا النهج مساراً تصاعدياً ملحوظاً، إن لم يكن مذهلاً، للمصارف في السلطنة. اليوم، كما يؤكّد الخبراء، تمثّل المصارف في عُمان إحدى قصص النمو الأكثر إثارة للإعجاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نمو هائل
وفقاً لقاعدة بيانات “أسواق العرب”، بلغ متوسط العائد على الأصول بالنسبة إلى المُقرضين العُمانيين حتى نهاية العام 2013 معدل 1.85٪، مقارنة مع معدل متوسط لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ 1.73٪. وبالمثل، فإن نسبة كفاية رأس المال الإجمالي للمُقرضين العُمانيين وصلت إلى 11.61٪، مقارنة مع رقم إقليمي يبلغ 10.66٪. وقد كان الدافع الأكبر إلى هذا النجاح هو قوة إقتصاد البلاد، الذي سجّل معدّلاً سنوياً مركّباً لنمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 4.7٪ خلال السنوات الخمس الماضية، وفقاً لمركز الأبحاث الأميركي “هيريتدج فاوندايشن” (Heritage Foundation).
كما كان ذلك نتاج الرقابة المميّزة للبنك المركزي العُماني، الذي كان يضع في إعتباره خلق نموذج عمل مصرفي مسؤول. “لا بدّ من الثناء على البنك المركزي العُماني الذي إتبع طريقة قلّلت من المخاطر التي كان يمكن أن يتعرض لها القطاع المالي في السلطنة. لقد تصرّف دائماً بسرعة من حيث تنفيذ التنظيم، وأنقذ عدداً من المُقرضين العُمانيين من المشاريع التجارية غير الحكيمة”، يقول محمد محفوظ العارضي، رئيس مجلس إدارة البنك الوطني العُماني، ثاني أكبر بنك في البلاد من حيث إجمالي الأصول.
وقد رافق هذا النهج الحذر بالنسبة إلى الرقابة إتباع منحى تدريجي للتنظيم، والذي برز البنك المركزي العُماني من خلاله واحداً من المنظّمين الأكثر ريادة في المنطقة. وكما هو الحال في العديد من الإقتصادات في المنطقة، فقد جرت العادة على “تجويع” الشركات العُمانية الصغيرة والمتوسطة الحجم من الإئتمان. ولمعالجة ذلك، نفّذ البنك المركزي بجرأة الحد الأدنى من متطلبات الإقراض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث بلغ 5٪ من إجمالي المحفظة الإئتمانية للبنوك في العام 2013.
في حين كانت عُمان آخر دولة خليجية تأذن وتسمح بالمصرفية الإسلامية في العام 2012، فقد أصبحت أول دولة خليجية تُنشىء هيئة مركزية للرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية في أواخر العام 2014، والتي تضم خبراء في الشريعة الإسلامية يحدّدون الأدوات والأنشطة المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة؛ حيث يتم منع معاملات مثل مدفوعات الفائدة والمضاربات النقدية الخالصة. وهذا الهيكل المركزي، الذي يعتمد على خبرة ولايات قضائية مثل ماليزيا، من المتوقع أن يحسّن المعايير وإتساق التمويل الإسلامي في البلاد. وفي إشارة إلى فعالية هذا النهج، فمن المتوقع أن يحذو المصرفان المركزيان في كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين حذو مسقط من خلال سن نظم مركزية للمصرفية الإسلامية في الأشهر المقبلة، وفقاً لتقارير صحافية محلية.
غيوم في الأفق؟
بالنسبة إلى المُقرضين في سلطنة عمان، فقد أدّت هذه التطورات، إلى جانب إقتصاد قوي في البلاد وخططٍ حكومية واسعة للبنية التحتية، إلى سنة مالية ناجحة في 2014. ومع ذلك، فإن الصورة في المدى الطويل تبدو أقل وضوحاً. من الممكن أن ينخفض النمو الإقتصادي في البلاد في المدى المتوسط إذا ظلّت أسعار الطاقة مكتئبة. وعلاوة على ذلك، إن البيئة التنظيمية التي خدمت البنوك في السلطنة بشكل جيّد جداً في السنوات الأخيرة لديها أيضاً القدرة على خنق النمو في المدى الطويل في سوق تنافسية للغاية من طريق الحدّ من إحتمالات التوسع.
“إن العام 2015 سيشكّل فترة من المنافسة المتزايدة في القطاع المصرفي في سلطنة عُمان مع إطلاق قنوات تنافسية ومنتجات جديدة لتلبية إحتياجات قطاعات [أعمال] جديدة ناشئة”، يقول عبد الرزاق علي عيسى، الرئيس التنفيذي لبنك مسقط، أكبر بنك في عُمان من حيث رأس المال فئة 1 ومجموع الأصول على حد سواء.
في الوقت الراهن، لا تزال غالبية المؤشرات إيجابية والعاملون في الصناعة متفائلين بشأن الآفاق القريبة الأجل. وقد بُرِّرت أو تأكّدت هذه الآراء من خلال أداء أكبر البنوك في سلطنة عمان على مدى الأشهر ال12 الماضية. فقد شهد بنك مسقط زيادة في أرباحه الصافية في نهاية العام، 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014، بنسبة 7.3٪ من 152 مليون ريال عُماني (395.27 مليون دولار) إلى 163.23 مليون ريال عُماني، في حين إرتفع صافي القروض والتسليف بنسبة 8.4٪. “شهد القطاع المصرفي والمالي أداء صحياً في العام 2014 جنباً إلى جنب مع النمو الإقتصادي الذي قاده الطلب الإستهلاكي المستدام وأنشطة القطاع العام. وبلغ نمو الإئتمان المصرفي أكثر من 10٪ بحلول نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 ليصل إلى 16.8 مليار ريال عُماني مقارنة ب15.2 مليار ريال عُماني خلال الفترة عينها في العام 2013 “، يقول عبد الرزاق علي عيسى.
وفي الوقت عينه، حافظ بنك ظفار، المُقرِض الأول في البلاد من حيث العائد على الأصول والعائد على رأس المال، على زخم نموه الهائل، مسجّلاً توسّعاً صافياً بلغ 14.23٪ في العام على أساس سنوي. “كانت النتيجة مرضية جداً بالنسبة إلى العام 2014. ونحن نحصد ثمار إستراتيجيتنا لمدة خمس سنوات، التي بدأت في العام 2012، والتي تركّز على الإستثمارات في مجال التكنولوجيا وتعزيز كفاءة عملياتنا”، يقول عبد الحكيم بن عمر العجيلي، الرئيس التنفيذي لبنك ظفار .
ومع ذلك، كان البنك الوطني العُماني المصرف الذي نشر أرقاماً لافتة أكثر في العام 2014. فقد زاد صافي الأرباح بنسبة 21٪ ليصل إلى 50.3 مليون ريال عُماني في العام 2014، إرتفاعاً من 41.4 مليون ريال عُماني في العام الذي سبقه. ورافق هذا النجاح نمواً متواضعاً في مجموع الموجودات، التي شهدت إرتفاعاً بنسبة 3٪ لتصل إلى 2976.1 مليون ريال عُماني بحلول نهاية العام 2014. “لقد عملنا بجدّ لتطوير فريقنا، وجذب المواهب الجديدة وأصبحنا أكثر كفاءة. هناك إمكانية كبيرة للنمو عبر القطاع المالي في سلطنة عمان، ونحن نعتقد بأن أداءنا يتحدث عن قوة الإقتصاد العماني”، يقول العارضي.
مخاوف النفط
مع ذلك، على الرغم من التوقّعات الصعودية المتفائلة التي يُجمع عليها معظم المُقرضين في البلاد، فإن بيئة أسعار النفط المكتئبة تقدّم تحدّيات في المدى الطويل. في حين أن تواصل الإنفاق الحكومي وتطوير البنية التحتية الجاري حالياً سوف يقلّل من تأثير بيئة الأسعار هذه في المدى القصير، فإن معظم المراقبين يعترف أن 2016 سيكون عاماً أكثر صعوبة بالنسبة إلى القطاع المصرفي في سلطنة عُمان.
لقد أشار تقرير لوكالة التصنيف الإئتماني “موديز”، في كانون الأول (ديسمبر) 2014، إلى أن عُمان سوف تكون أكثر تضرراً من إنخفاض أسعار النفط بسبب إرتفاع نقطة التعادل المالي لديها بالنسبة إلى سعر النفط والإحتياطي المالي المنخفض نسبياً الذي تملكه مقارنة مع جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي. “نعتقد أن مراجعة والحد من المشاريع غير الإستراتيجية، مثل إلغاء المشاريع الرأسمالية الضخمة غير الضرورية في هذه المرحلة، وتأخير تطوير البنية التحتية غير الأساسية، سيكون نقطة إنطلاق تستفيد من التجربة السابقة عندما تراجعت أسعار النفط”، كما ذكر التقرير.
في كانون الثاني (يناير) الفائت، أصدرت الحكومة العُمانية موازنة 2015 التي زادت الإنفاق بنحو 4.5٪ عن العام السابق، حيث إفترضت أن سعر برميل النفط سيكون 65 دولاراً لفترة 2015-2017، الأمر الذي سيحوّل التوازن المالي في البلاد إلى المنطقة السلبية وعجز يصل إلى -15.2٪ خلال هذه الفترة، وفقاً لتوقعات البنك الدولي. في حين أن الحكومة قد تتدخل إما من خلال خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، فإن إصدار سندات سيادية من المرجح أن تموّل هذا التوسع في العجز.
وفي هذا الصدد، كانت طموحات الحكومة مصدر ثقة بالنسبة إلى معظم المُقرضين، فيما قلة تنبّأت بإنخفاض نشاط الشركات الكبرى في البلاد في المدى القصير. “إن إنخفاض أسعار النفط سيجعل بالتأكيد قطاع الشركات أكثر حذراً وسوف يحاول ترشيد تكاليفه. ومع ذلك، فإن العام 2015 لن يواجه كثيراً من الصعوبات لأن غالبية المشاريع جارية وتنفذ فعلياً. ولأبعد من ذلك، نحتاج إلى الإنتظار لنرى ما سيحدث”، على حد قول العجيلي من بنك ظفار.
مسار ثابت
مع توقع إصدار الحكومة سندات تقليدية وإسلامية بقيمة 500 مليون ريال عُماني في النصف الأول من العام الجاري، يبدو واضحاً أنه ليست هناك شهية تُذكر لتغيير مسار التنمية الإقتصادية في البلاد. “يجد القطاع المصرفي نفسه في وضع جيد حيث سيواصل أداءه القوي نظراً إلى تركيز الحكومة المستمر على التنويع الإقتصادي وتطوير البنية التحتية في جميع أنحاء السلطنة”، يقول عيسى من بنك مسقط.
أما الآن، فإن الأولوية هي لتنويع إقتصاد يعتمد على الهيدروكربونات، ولتحقيق ذلك من خلال السماح للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تزدهر. هنا، يلعب القطاع المصرفي دوراً كبيراً، بعد إدخال الحد الأدنى من متطلبات الإقراض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل البنك المركزي في العام 2013.
“كان لذلك تأثير كبير في القطاع المصرفي في سلطنة عُمان. إن خمسة في المئة من محافظ الإقراض لدى البنوك سوف تستهدف في نهاية المطاف الشركات الصغيرة والمتوسطة، والذي يُعتبر شيئاً مهماً. لقد وُضِعت البنوك تحت الضغط ولكن أعتقد أنه من الضغط الجيد. يجب أن تكون أكثر مرونة كمُقرض، وعليك أن تكون على بيّنة من التحديات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة”، كما يقول العارضي من البنك الوطني العُماني.
على الرغم من أن المُقرِضين العُمانيين قد مُنحوا تمديداً لتلبية هذه المتطلبات حتى كانون الأول (ديسمبر) 2015، فإن أكثريتهم تتحرك الآن بسرعة للتعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد. لقد تم توظيف موظّفين جدد، وتقديم خدمات ومنتجات وفروع جديدة في أنحاء البلاد للإستفادة من الإمكانات التي توفّرها هذه السوق المحرومة إلى حد كبير.
“وكجزء من إلتزامه بتشجيع المبادرات الريادية، أطلق بنك مسقط أخيراً برنامج “نجاحي” للمنتجات والخدمات البنكية الذي إستهدف وأفاد الشركات الصغيرة والصغيرة جداً. وبالمثل، فإن المبادرة التي تقدّم التمويل من دون ضمان سوف تكون دفعة قوية للشركات الناشئة والشركات الصغيرة في عُمان”، يقول عيسى.
وبالنسبة إلى معظمهم، فإن التحدي الآن يكمن في إيجاد نهج فعّال لمعالجة ملفّات الإئتمان الرقيقة، وتقييم الممارسات التجارية المُبهمة كثيراً وتطوير حلول المنتجات والخدمات لتلبية إحتياجات الشركات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد.
“عند التعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، تحتاج إلى خبرة كبيرة داخل المصرف لفهم متطلبات التمويل الدقيق الخاص بها. ورداً على ذلك، قمنا بتوسيع فريقنا وطوّرنا مراكز تجارية يديرها مختصون. لدينا 68 فرعاً من الفروع التي نود إستخدامها كمنافذ من أجل بيع خدماتنا في فضاء الشركات الصغيرة والمتوسطة. في الماضي كانت فروعنا أكثر تركيزاً على جانب التجزئة؛ الآن صارت مزيجاً من خدمات التجزئة والشركات الصغيرة والمتوسطة”، كما يقول العجيلي.
إنتعاش التمويل الإسلامي
بالإضافة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن قطاع التمويل الإسلامي هو الإحتمال الألمع في المدى الطويل بالنسبة إلى معظم المُقرضين العُمانيين. ومنذ أن سمح البنك المركزي بالخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في أواخر العام 2013، فقد شهدت الصناعة معدّلات نمو ممتازة. مع مصرفين من المقرضين يتوافقان مع الشريعة الإسلامية في البلاد، بنك العزّ الإسلامي وبنك نزوى، إلى جانب خمس نوافذ، فإن معظم البنوك إستفاد سريعاً من هذه الفرصة. وقد وصلت قيمة الأصول المصرفية الإسلامية الآن إلى 5٪ من مجموع النظام المالي العُماني.
إن ما حقّقه قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية في سلطنة عمان من العمل بطاقة كاملة خلال ما يزيد قليلاً على العامين يُعتبر أمراً لافتاً. ولوضع هذا التطور في سياقه الصحيح، لقد إستغرقت أندونيسيا، التي سمحت بإنشاء مؤسسات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية في أوائل تسعينات القرن الفائت، أكثر من عقدين من الزمن لتحقيق النتيجة عينها. “عندما أُطلِق القطاع هنا، لم يكن أحد يتوقع هذا النوع من النمو في أول عامين. وكانت التوقعات منخفضة جداً”، يقول سهيل نيازي، كبير مسؤولي “ميسرة للخدمات المصرفية الإسلامية”، وهي نافذة متوافقة مع الشريعة الإسلامية لبنك ظفار.
اليوم، كل النوافذ والمؤسسات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بشكل كامل تزدهر. إن “ميثاق” الذي يعمل تحت مظلة بنك مسقط، هو مركز الخدمات المالية الإسلامية في عُمان؛ وهو يشكل حصة 50٪ من التمويل من إجمالي سوق الخدمات المصرفية الإسلامية في البلاد. “برأس مال مدفوع قدره 150 مليون ريال عُماني، ركزت المصرفية الإسلامية في “ميثاق” على عملية التطوير كمؤسسة مالية إسلامية ذات مرجعية على المستويين المحلي والإقليمي”، يقول عيسى من بنك مسقط.
الواقع أن المشجّع هنا هو أن الكثير من هذا النمو نشأ من الأعمال الجديدة وكذلك من التحويلات من البنوك التقليدية. إن قوة إقتصاد البلاد هي أحد الأسباب للأرقام المثيرة للإعجاب لنمو البنوك الإسلامية. ومع ذلك، وفقاً لنيازي، بأن هذا الأمر هو أيضاً نتاج التركيبة السكانية المواتية في سلطنة عُمان. “فقط أكثر من 40٪ من السكان هم دون سن ال34. وهذا يعني أن هناك تزايداً في المعروض من الخرّيجين الجدد المقبلين إلى سوق العمل ويبحثون عن خيارات من الخدمات المالية. إن التركيبة السكانية الشابة مفتوحة جداً على الخدمات المصرفية الإسلامية في سلطنة عمان، ونحن نرى في ذلك فرصة للنمو المستمر”.
بنك العزّ الإسلامي، الذي أصبح في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 مُقرضاً كاملاً متوافقاً مع الشريعة الإسلامية، قد إستفاد بالمثل من الإرتفاع المثير للإهتمام في التمويل المتوافق مع الشريعة. وعلى الرغم من تحديات التشغيل ككيان حديث العهد، فإن أرقام أيلول (سبتمبر) 2014 تظهر أن محفظة التمويل في البنك قد بلغت 49.2 مليون ريال عُماني، في حين إن إجمالي أصوله بلغ 104.23 مليون ريال عُماني. وقد وسّع “العز” شبكته ووصل إلى صلالة في نهاية كانون الثاني (يناير) الفائت، الأمر الذي أعطى البنك مجموع خمسة فروع بما في ذلك مقرّه.
“إن إطلاق البنكين الإسلاميين في وقت واحد مع النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية قد خلق منصة تحدٍّ مثيرة للسوق حتى الآن”، يقول سلام سعيد الشقصي، الرئيس التنفيذي لبنك العزّ الإسلامي. “ونتيجة لأننا من الوافدين الجدد إلى السوق نريد أن نفرّق أنفسنا عن غيرنا من خلال كفاءة خدماتنا ونهجنا بالنسبة إلى تجربة العملاء. لدينا أيضاً تركيز كبير على القنوات المصرفية البديلة، بما في ذلك الجوّال والخدمات المصرفية عبر الإنترنت”.
من جهة أخرى، إن إنشاء الهيئة الشرعية المركزية في أواخر العام 2014، تحت رعاية البنك المركزي العُماني، سوف تقوم بدعم النمو في هذه الصناعة في المدى الطويل. على وجه الخصوص، فإنها ستكون بمثابة نقطة مرجعية تساعد على توحيد معايير الصناعة في البلاد، فضلاً عن القيام بدور التحكيم في حال وجود أي خلافات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وعلاوة على ذلك، فإن لديها القدرة على تحفيز تطوير الخبرات في البلاد في مجال التمويل الإسلامي، وضمان أن تصبح عُمان مركزاً عالمياً مهماً من حيث مساهمتها في رأس المال البشري في الصناعة إقليمياً ودولياً.
إلى أين الآن؟
ليس هناك شك في أن الصورة في المدى القصير بالنسبة إلى المُقرضين في سلطنة عُمان واعدة. ولكن هناك أسئلة حقيقية تبقى حول كيفية تطور القطاع المصرفي من هذا المنعطف. في حين أن النظام ككل مستقر، لكنه في الوقت عينه ذو قدرة تنافسية عالية. إن القطاع المالي، بالتزامن مع صناعة النفط والغاز، صار ناضجاً ويهيمن على مشهد الأعمال في البلاد.
وهذا يعني أن إمكانية التوسع الكبير، في بلد يعد أكثر من 4 ملايين شخص، لا يزال محدوداً. وفي الوقت عينه، فإن البنك المركزي الرقيب التنظيمي في سلطنة عُمان، الذي يشكل الضامن للإستقرار، قد وضع أيضاً ضغطاً على السوق من خلال الحدّ من نطاق أنشطة الإقراض في البنوك والحفاظ على أن يكون تركيزها محلياً.
“أعتقد بقوة بأن المرحلة المقبلة للأعمال المصرفية في عُمان ليست في عُمان. المرحلة التالية هي خارج السلطنة. لقد وصلنا إلى مستوى من النضج والقدرة التنافسية حيث أن النمو العضوي ليس هو الحل في المدى الطويل للقطاع. كصناعة، نحن بحاجة إلى إجراء مناقشات حول أين نمضي من هنا”، يقول الشقصي.
في بحث نُشر في حزيران (يونيو) 2014، لاحظت وكالة “موديز” للتصنيف الإئتماني أن غالبية المُقرضين المتوسطي الحجم في البلاد تواجه منافسة وتنظيماً شديدين في سعيها إلى تحسين الأداء. ووفقاً للتقرير، فإن صافي هوامش الفائدة للبنك الوطني العُماني وبنك ظفار وبنك “أتش أس بي سي” (HSBC) عُمان وبنك عُمان العربي تراجع بمقدار 100 نقطة أساس بين عامي 2009 و2013.
“لدينا بعض التحديات الخطيرة، بما في ذلك الشباب الذين لديهم إحتياجات متزايدة، والموارد الحكومية محدودة. يجب على القطاع الخاص أن ينمو ليصبح مستقلاً وقوياً بما يكفي للمساهمة في النمو الوطني من خلال توفير فرص حقيقية ومستدامة للعمل. ولتحقيق كل هذا سيكون الأمر صعباً للغاية من خلال البقاء والتركيز فقط على داخل البلد”، يقول الشقصي.
مع قطاع مصرفي قوي وجيّد التنظيم، والذي لا يزال يتابع تقديم أداء أعلى من المعايير الإقليمية، تتطلع عُمان الآن إلى المستقبل. كيف ستختار البلاد، وبنوكها، التوجه من هنا ستكون له آثار ليس فقط في هذا البلد ولكن في المنطقة ككل.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.