الطاقة الشمسية تُكهرِب العالم و”تُنوِّر” ليالي فقرائه
أُعلن في مرات عدة سابقة بأن الطاقة الشمسية هي المنتصرة في معركة الطاقة، وسرعان ما كانت خطواتها تتعثّر. من السهل أن يبقى المرء متشككاً اليوم، نظراً إلى أن الطاقة الشمسية حالياً تشكّل أقل من واحد في المئة من إمدادات الطاقة العالمية. لكنها أيضاً تتوسع بوتيرة أسرع من أي مصدر آخر للطاقة، حيث بلغ متوسط معدل نموها 50 في المئة سنوياً على مدى السنوات الست الفائتة. لقد زادت قدرة المنشآت السنوية لألواح الخلايا الشمسية من أقل من 0.3 جيغاواط في العام 2000 إلى 45 جيغاواط في العام 2014، ما يكفي لتشغيل أكثر من 7.4 ملايين منزل أميركي. الواقع أن هذه المرة يبدو الوضع مختلفاً حقاً: الطاقة الشمسية مستعدة للمنافسة وفقاً لشروطها.
واشنطن – محمد زين الدين
الزخم الذي يكمن وراء الطاقة الشمسية في هذه الأيام جاء نتيجة للإبتكارات في التنظيم والصناعة والتكنولوجيا والتمويل. في عدد من الأسواق، لم تعد تحتاج إلى الإعانات العامة للمنافسة على السعر مع مصادر الطاقة التقليدية، مثل الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية. الواقع أن وكالة الطاقة الدولية، التي إتخذت تاريخياً نهجاً محافظاً لتقييم آفاق الطاقة الشمسية، قد توقّعت أنه بحلول العام 2050، في أفضل سيناريو، ستكون الطاقة الشمسية أكبر مصدر وحيد للطاقة، مولّدةً ما يقرب من 27 في المئة من الكهرباء في جميع أنحاء العالم.
إذا حدث ذلك، فإن النتائج ستكون عميقة. سوف تصل الكهرباء إلى أماكن لم تكن تعرف ماذا يعني الحصول على الضوء أو الحرارة عند الطلب. ويمكن أن يهبط سعر الكهرباء، وسوف يكون على المرافق التقليدية معرفة كيفية التكيّف. لكن المكاسب البيئية، من حيث خفض إنبعاثات الجسيمات، والكبريت، والغازات المسببة للإحتباس الحراري، ستكون عميقة.
قوة السياسة
هناك أربعة عوامل تكمن وراء إرتفاع وإنتعاش الطاقة الشمسية. الأول هو الدعم التنظيمي. في جميع أنحاء العالم، سنّت الحكومات مجموعة من السياسات المناصرة للطاقة الشمسية، بما في ذلك المتطلبات والشروط التي تفرض على المرافق أن تولّد جزءاً معيناً من الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتعريفات مدعومة (سعر مضمون لكل كيلووات من الطاقة الشمسية)، والإعانات لمصنّعي الألواح الشمسية والأسر التي تشتري منها. وقد دعم صناع السياسة الطاقة الشمسية لعدد من الأسباب، بما في ذلك الرغبة في الحد من الإنبعاثات، وتنويع إمدادات الطاقة في بلدانهم، وخلق فرص عمل. ولعل الأهم من ذلك، أنهم إعترفوا بإمكانات الطاقة الشمسية الطويلة الأمد وأرادوا تعزيز السوق لها.
ألمانيا، البلد الذي يتمتع بالسياسات الأكثر تقدماً، أضافت 35 جيغاواط من لوحات الطاقة الشمسية في السنين العشر الماضية، متزعّمةً غالبية الطلب العالمي في معظم ذلك الوقت. في أميركا، أدّت مجموعة من الولايات والتفويضات المحفّزة — التي تفرض بناء مرافق لإنتاج كمية معينة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ومنح إئتمان ضريبي فيديرالي يسمح لدافعي الضرائب شطب 30 في المئة من تكلفة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية — إلى المساعدة في إقلاع هذا المصدر من الطاقة. من العام 2000 إلى العام 2013، زادت قدرة الألواح الشمسية في البلاد في هذه الفترة من 18 ميغاواط إلى أكثر من 12،000 ميغاواط، ما يكفي لتزويد ما يقرب من مليون منزل.
ليس من المستغرب بأن الدعم التنظيمي لم يكن دائماً كفؤاً من الناحية الإقتصادية، ولكنه كان فعّالاً في خلق الطلب الذي يكفي لتبلور وتشكيل صناعة الألواح الشمسية الكبيرة، ولتعلّم كيفية التنافس. حتى فيما كانت الصناعة تعاني هزّات مؤلمة –في السنوات الوسطى من العقد الفائت، على وجه الخصوص، أفلست عشرات من شركات تصنيع الألواح الشمسية– واصلت المنشآت إرتفاعها، وأصبحت الصناعة أكثر تنافسية. تقريباً كل منشآت الطاقة الشمسية في ولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال، أخذت إعانات من الدولة في العام 2007. وبحلول نهاية العام 2013، كان هناك 40 في المئة منها يفعل ذلك. إن الدعم الإتحادي لا يزال متاحاً، بطبيعة الحال.
العامل الثاني هو التصنيع، وخصوصاً في الصين. بداية منذ حوالي العام 2005، دخل المصنّعون هناك سوق الألواح الشمسية لمطاردة تزايد الطلب العالمي، وهم يصنعون الآن ما يقرب من ثلثي الإنتاج العالمي من الألواح الشمسية. إن المنافسة الصينية تقلّص هوامش الربح وتقود العديد من المورّدين إلى الإقفال، ولكنها أدّت أيضاً إلى تحسين عمليات الإنتاج وإقتصادات الحجم الجديدة، مخفِّضةً التكاليف بشكل كبير.
شهد العقد الفائت إبتكارات تكنولوجية في مجال التصنيع وإنخفاض أسعار الفائدة وسلاسل توريد أصغر حجماً وتحسّن إقتصادات الحجم؛ كما إنخفض سعر “بولي سيليكون”، المادة الخام المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية، بنسبة 90 في المئة خلال هذه الفترة. والنتيجة النهائية هي أن تكلفة الألواح الشمسية قد إنخفضت بنسبة 80 في المئة منذ العام 2005. والأسعار لا تزال هابطة، من خمسة إلى 12 في المئة في النصف الأول من العام 2014، وهناك مجال أمامها لكي تشهد المزيد من الإنخفاض. وما يُسمّى تكاليف ناعمة –يعني تكلفة كل شيء ما عدا المعدات، مثل التصاريح والتركيب والصيانة – تبلغ ما يقرب من ثلثي سعر الكلفة الكلية لأنظمة الطاقة الشمسية السكنية في الولايات المتحدة. إن التكاليف الناعمة هي حوالي ثلث سعرها في ألمانيا، حيث، من بين عوامل أخرى، سهّلت المعايير الوطنية للتركيب وبسّطت عملية السماح.
أما العامل الثالث وراء إنتعاش وإرتفاع الطاقة الشمسية فهو الإبتكار التكنولوجي. ببطء ولكن بثبات، أصبحت الألواح الشمسية أكثر كفاءة. وقد بلغت معدلات الكفاءة ذروتها نحو 20 في المئة– وهذا يعني أن اللوحة قادرة على توليد 2 واط من الكهرباء لكل 10 واط من أشعة الشمس- ولكن هذا الرقم يمكن أن ينمو كما التجارب في الصناعة مع عدد من التقنيات والمواد الجديدة. إذا حصل ذلك، فيمكن تحقيق وفورات تكون كبيرة: كل زيادة نقطة مئوية في الكفاءة يمكن أن تُترجَم إلى خفض التكاليف خمسة في المئة بالنسبة إلى النظام بأكمله. وهناك أيضاً مساحة لقدر أكبر من الكفاءة بعد توليد الكهرباء، عند فقدان الطاقة كتيار مباشر (ينتج من اللوحات) يتم تحويلها إلى تيار متردّد (مطلوب لتوزيع الشبكة الكهربائية).
العامل الرابع والأخير ينطوي على التمويل. إن وضع نظام شمسي يستتبع ويتطلب تكاليف أولية عالية. إن تركيب الألواح على سطح منزل نموذجي يتطلب حوالي 15،000 إلى 20،000 دولار، وعلى الرغم من أن الإستثمار يمكن أن يؤتي ثماره مع مرور الوقت، فإن أسراً وشركات كثيرة تخشى من إنفاق الكثير من النقود في وقت واحد. إن نماذج تمويل جديدة بدأت تعالج هذه المشكلة. تحت أنظمة مُلكية طرف ثالث، فإن أصحاب المنازل يوقّعون العقود مع الشركات التي تقوم بتثبيت وصيانة الألواح الشمسية. في المقابل، يدفع المستهلك إما معدّلاً شهرياً معيَّناً أو سعراً ثابتاً لكل وحدة – حيث أنه لا يدفع أي مبالغ نقدية من جيبه ولكنه يستمر في الحصول على فواتير كهرباء أقل كلفة. في العامين 2012 و2013، إستخدم أكثر من ثلثي المنشآت في كاليفورنيا هذا النهج في التمويل، ولهذا السبب تقود الولاية باقي البلاد عندما يتعلق الأمر بالطاقة الشمسية.
مردود أكثر للمال
نظراً إلى هذه الإتجاهات، ليس من الخطأ الإفتراض بأن تكاليف الطاقة الشمسية في العديد من الأسواق سوف يستمر بالتراجع بنسبة ثمانية إلى 12 في المئة سنوياً. “فيرست سولار” (First Solar)، وهي شركة مصنِّعة مقرها ولاية أريزونا، تتوقع أن تنخفض تكاليف وحدات الإنتاج الشمسية لديها من 63 سنتاً لكل واط في في العام 2014 إلى نحو 40 سنتاً لكل واط في العام 2017. إن المَرَافق التي تعتمد على الفحم والغاز الطبيعي — سلعتان تخضعان لتأرجح أسعار السوق– لا يمكن أبداً أن تكون واثقة جداً من تخفيضات متواصلة في العام على أساس سنوي.
إن تطوير التكنولوجيات لتخزين الكهرباء –على وجه الخصوص البطاريات– سيساعد أيضاً على تطوير الطاقة الشمسية. من دون تخزين، يمكن تسخير الطاقة الشمسية فقط عندما تكون الشمس مشرقة. مع التخزين، يمكن إستخدامها عندما تكون تكاليف الطاقة أعلى. لقد إنخفضت تكاليف تخزين البطارية بنحو 70 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، وبالفعل، فإن شركات مثل “سولار سيتي” “”Solar City صارت تقوم بتغليف الألواح الشمسية مع بطاريات معبّأة. السعر قد ينخفض بنسبة 70 في المئة أخرى في العقد المقبل، حيث أن التكنولوجيا وطرق التصنيع تتحسّن، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الأبحاث في مجال البطارية التي أجرتها شركات إلكترونيات إستهلاكية مثل “باناسونيك” وشركات السيارات الكهربائية مثل “تيسلا”.
ليس آمناً أن نعقد آمالاً كثيرة على قفزات كبيرة إلى الأمام في الكفاءة والتخزين. ولكن حتى من دون هذا التقدم، فإن الطاقة الشمسية تشق طريقها إلى الأسواق الرئيسية. في الولايات المتحدة، صارت الألواح الشمسية على السطح تنافسية بالفعل في أماكن تتمتع بكثير من الشمس وأسعار طاقة عالية، مثل “هاواي” وأجزاء من ولاية كاليفورنيا. وفيما تستمر تكلفة الطاقة الشمسية في الإنخفاض خلال العقد المقبل، فإنها يمكن أن تكون مفيدة من الناحية الإقتصادية بالنسبة إلى المستهلكين في عشر ولايات أميركية بحلول العام 2020 ولقطاعات محددة من العملاء –مثل تلك التي تعرف إرتفاعاً في إستهلاك الكهرباء وأسطح المباني مواتية للألواح — في أكثر من 25 ولاية بحلول العام 2030، حتى من دون الدعم الحكومي. في كثير من أنحاء أوستراليا ووسط وجنوب أوروبا، فإن الطاقة الشمسية ستصل قريباً إلى نقطة تحوّل إقتصادية. والصين، حيث العديد من المدن قذرة بحيث يتحول فيها لون الثلج رمادياً عندما يصل إلى الأرض، تضغط بشدة، بهدف تركيب 70 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام 2017.
في الشرق الأوسط،، تتنافس الطاقة الشمسية مع توليد الكهرباء من النفط، والذي يكلف 12 سنتاً لكل كيلووات ساعة. في العام 2014، وافقت هيئة كهرباء ومياه دبي على شراء الطاقة الشمسية بنصف هذا السعر. وتمثّل الطاقة الشمسية الآن أقل من 100 ميغاواط من الطاقة في المملكة العربية السعودية المشمسة، وذلك لأن معامل الطاقة النفطية هي رخيصة جداً، مع المنتجين للكهرباء يدفعون فقط أكثر قليلاً من تكلفة إنتاج البرميل (نحو 5 دولارات). وفيما تحوّلت الدول المنتجة للنفط بعيداً من حرق النفط محلياً من أجل بيعه بأسعار مرتفعة في الأسواق الدولية، فإن قضية الحصول على الطاقة الشمسية ستكون أقوى.
وإستجابة لهذا المنطق، فقد كشفت الحكومة السعودية النقاب عن خطط لإنتاج 2 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام 2015 و41 جيغاواط بحلول العام 2032.
اليابان ليست بلداً مُشمِساً، لكنها تراهن بشكل كبير أيضاً على الطاقة الشمسية، حيث أنها تسعى إلى إيجاد بدائل من محطات الطاقة النووية التي أغلقتها في أعقاب كارثة فوكوشيما في العام 2011. فقد أصدرت تعريفات تغذية سخية لتوليد الطاقة الشمسية والمصادر البديلة الأخرى، وبنت أكثر من 8 جيغاواط من الطاقة الشمسية في العام 2014 كما حدّدت هدفاً عاماً للحصول على مصادر طاقة متجددة بنسبة 20 في المئة من قطاع الطاقة بحلول العام 2030، حوالي ضعف الرقم قبل وقوع الكارثة. وهناك أيضاً مجال لمزيد من الطاقة الشمسية في البلدان الآسيوية، مثل الصين وكوريا الجنوبية، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال أيضاً، حيث يرتبط سعره بسعر النفط الذي هو بالتالي يمكن أن يتأرجح صعوداً وهبوطاً.
في الأماكن التي لم تصلها الكهرباء بشكل مستمر بعد، مثل معظم دول جنوب آسيا وأفريقيا، فإن الطاقة الشمسية هي عادة ما تكون أرخص وأسهل للوصول من مصادر الطاقة التقليدية. في الهند، حيث تفتقر حوالي 100،000 قرية وبلدة إلى الحصول على الكهرباء، فإن الطاقة الشمسية هي بالفعل أقل تكلفة من البدائل المحتملة، مثل الفحم أو الديزل (وغالباً ما تكون أكثر موثوقية). وتلغي الطاقة الشمسية الحاجة إلى إنتظار مدّ خطوط النقل السلكية للوصول إلى البلدة. ويبدو أن رئيس وزراء الهند الجديد، نارندرا مودي، يرى فوائد ذلك، حيث أعلن في كانون الثاني (يناير) الفائت هدفاً طموحاً لبناء 100 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام 2022، والتي يمكن أن تجعل الهند أكبر منتج للطاقة الشمسية في العالم. بالنسبة إلى القرى التي لا ترتبط بالشبكة الكهربائية، فإن الجمع بين الألواح الشمسية، والإضاءة الكفؤة والفعّالة، ومقابس الهاتف الخلوي، ومضخات المياه الكهربائية سوف تحسّن نوعية حياة مئات الملايين من البشر.
إمكانيات التعطيل
فيما أسعار الطاقة الشمسية بدأت تتناسب مع معدلات مصادر الطاقة التقليدية في المزيد من الأسواق، فإن قدرة الطاقة الشمسية المثبتة في كل عام قد تزيد من نحو 45 جيغاواط حالياً إلى أكثر من 200 جيغاواط بحلول العام 2025. ومن شأن ذلك أن يعطّل جذرياً قطاع الطاقة الكهربائي.
في أوروبا، إن إنتشار الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وغيرهما من المصادر المتجددة قد غيّر تكوين قطاع الكهرباء. إن حصة السوق من مصادر الطاقة المتجدّدة هناك قد إرتفع من ستة في المئة من الإجمالي في العام 2006 إلى 12 في المئة بحلول نهاية العام 2013، وقد إرتفع أكثر من ذلك بكثير في بعض البلدان. هذا المزوّد الجديد الكبير، جنباً إلى جنب مع إنخفاض النمو (أو حتى الإنكماش) في الطلب بسبب مكاسب الكفاءة وبطء النمو الإقتصادي، قد ساعد على إنخفاض أسعار الجملة للطاقة. الثمن الذي يدفعه المستهلكون لا يزال مرتفعاً، مع ذلك، نظراً إلى تكلفة البنية التحتية بالإضافة إلى الضرائب المختلفة. يدفع المستهلكون الأوروبيون ما معدله نحو 26 سنتاً لكل كيلووات ساعة، مقارنة مع 12 سنتاً يدفعها الأميركيون.
من ناحية أخرى، جعل إرتفاع الأسعار في أوروبا الأمر أسهل على مصادر الطاقة المتجدّدة للمُنافَسة، فيما المتطلبات والشروط تُعطي الأولوية لمرافق الطاقة المتجدّدة على الشبكة الكهربائية. ولكن المرافق الأوروبية تعاني جزئياً بسبب هذا النمو في الطاقة المتجددة. من ذروة 1.3 تريليون دولار من العام 2008 إلى نهاية العام 2013، إنخفضت قيمتها السوقية بمقدار النصف. في العام 2014، أعلنت أكبر شركة للكهرباء في ألمانيا، “E.ON”، عن خطوة جذرية: من أجل التركيز على القوة المتجدّدة، سوف تحوّل محطات الطاقة النووية والوقود الأحفوري إلى شركة منفصلة. المرافق في اليابان، أيضاً، وجدت نفسها غير مستعدة لزيادة الطاقة الشمسية، وهي تهدد بالتوقف عن الوصول إلى الشبكة.
المرافق في أجزاء من الولايات المتحدة بدأت تواجه مشاكل مماثلة أيضاً. تقليدياً، بقيت المرافق في أميركا مربحة من خلال إلتقاطها كل الطلب الجديد على الكهرباء، ولكن الطاقة الشمسية تهدد الآن تدفق تلك الإيرادات الموثوقة. في النصف الأول من العام 2014، شكلت الطاقة الشمسية ربع القدرات الجديدة، والمنزل المجهّز بالألواح الشمسية لا يشتري قدراً أكبر من الطاقة من الشبكة. إن الإنخفاض الناتج في الطلب يقلّص مقدار رأس المال الجديد الذي يمكن أن يستثمر في المرافق التقليدية، وهذا يعني أنه حتى إذا إستمرت الطاقة الشمسية في توليد جزء صغير نسبياً من الكهرباء في الولايات المتحدة، فإنه يمكن أن يكون لها أثر كبير في مستقبل هذه الصناعة. في إستطلاع أجرته الشركة الإستشارية “أكسنتشر” (Accenture)، تبيّن أن 61 في المئة من المديرين التنفيذيين للمرافق قالوا بأنهم كانوا يتوقّعون خسائر ملحوظة في الإيرادات نتيجة لإنتشار مصادر الطاقة الموزّعة، بما في ذلك الطاقة الشمسية.
ويمكن للطاقة الشمسية أن تهزّ قطاعات أخرى أيضاً. في صناعة الإسكان، على سبيل المثال، إن إنتشار الألواح الشمسية على السطح يمكن أن يحوّل ممارسات البناء والتصميم. وفي التصنيع، يمكن أن تنتقل المعامل الى مناطق ذات ظروف مواتية للطاقة الشمسية المنخفضة التكلفة. وفي الزراعة، يمكن للبلدان الحارة التي تفتقر إلى المياه العذبة تسخير الطاقة الشمسية لتحلية وضخ الماء، وتمكين المزارعين من العمل في أرض جدباء سابقاً. ويشير التاريخ إلى أنه عندما تصبح سلعة أرخص وأقل تكلفة، فإن طرق جديدة غير متوقعة لإستخدامها تحدث.
المخاطر والمرونة
وسط كل هذا التفاؤل، ما هي الأشياء أو الأمور التي قد تؤخّر مسيرة الطاقة الشمسية؟ أحد الإحتمالات هو أن تعمد الحكومات إلى تفكيك أو إضعاف سياساتها الداعمة. وهذا يمكن أن يضرّ، كما كان الأمر عندما أوقفت إسبانيا الدعم في أعقاب الأزمة المالية وعندما خفّضت ألمانيا تعريفات التغذية لديها. في كلا السوقين، عرف الإعتماد على الطاقة الشمسية تباطؤاً، ولكن هذه الصناعة ككل بقيت مستمرة ومتداولة. في الواقع، لقد أثبتت صناعة الطاقة الشمسية مرونة، عائدةً أصغر حجماً وأقوى من الهزّة المؤلمة التي عرفتها قبل عشر سنين.
الواقع أن أكبر المخاطر في العديد من الأسواق ليس لأن الدعم الحكومي سيتوقف ولكن لأن القضايا التنظيمية الطويلة الأمد ستتفاقم. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تشعر المرافق التقليدية بالقلق من أن يحصل المستهلكون للطاقة الشمسية على “رحلة” مجانية تقريباً، نظراً إلى أنهم يعتمدون على الشبكة الكهربائية في الأيام الملبّدة بالغيوم وعندما تغرب الشمس حتى الآن، وبالتالي لا يغطون التكاليف الثابتة بالنسبة إلى الشبكة. وفي بعض الولايات، عندما يبيع المستهلكون الكهرباء إلى الشبكة، فإنهم يحصلون على نسبة من البيع بالمفرّق مقابل ذلك بدلاً من معدل أقل بالجملة، وهي ممارسة تعرف ب”صافي القياس”.
ورداً على ذلك، يريد بعض المرافق أن يُدفِّع الأسر التي لديها لوحات على السطح من أجل الوصول إلى الشبكة، فارضاً رسوم معروفة بفاتورة “الطلب” أو “القدرة”. ومن شأن ذلك أن يغيّر إقتصاديات الطاقة الشمسية إلى حد كبير، وهذا يتوقف على مدى إرتفاع الرسوم. إن بعض المرافق في الولايات المتحدة يرغب في إسترداد التكاليف الثابتة الكاملة للتوزيع من عملاء الطاقة الشمسية وأيضاً في إنهاء “صافي القياس”. مع ذلك، قد لا يذهب المنظّمون إلى هذا الحد. في العام 2013، على سبيل المثال، سمحت ولاية أريزونا لأكبر شركاتها الكهربائية فرض رسوم ثابتة على الأسر التي لديها الطاقة الشمسية، ولكن الرسوم كانت أقل بكثير مما كان مأمولاً، وحافظت الولاية على “صافي القياس”.
كيف ومتى يتم حلّ النقاش حول إستعادة التكاليف الثابتة في بلد تلوَ الآخر سيكون واحداً من أهم العوامل الذي سيحدّد مدى سرعة توسّع الطاقة الشمسية ومقدار ما سوف يكون منها مركزياً (في شكل محطات بعيدة وكبيرة للطاقة الشمسية) وكمّ منها سيكون لامركزياً (على أسطح المنازل). ويمكن للجانبين أن يأخذ الأمثولة من صناعة الإتصالات. عندما تم كسر الإحتكار في هذه الصناعة في الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الفائت، ضمن الداخلون الجدد إلى السوق الوصول إلى البنية التحتية القائمة لكنهم إضطروا الى دفع رسوم معقولة تعوِّض المقدّمين الحاليين عن خدماتهم، في حين تركوا مجالاً أيضاً لمنافسة جديدة. ويجدر بالذكر أن قطاع مرافق غير مربح لا يفيد أحداً؛ وإن شبكة موثوقة هي ضرورة وطنية. وكما صرح الرئيس التنفيذي ل”سولار سيتي” (SolarCity)، ليندون رايف، لصحيفة “فاينانشال تايمز: “من المهم والضروري أن تكون هناك شبكة”.
مقارنة مع النزاع التنظيمي فإن التحديات الأخرى تبدو سهلة للتعامل معها. إن أحد المخاطر المحتملة يكمن في حتمية إرتفاع أسعار الفائدة (أسعار الفائدة ليس لها مكان تذهب إليه سوى الإرتفاع)، الذي من شأنه أن يرفع تكاليف تمويل الطاقة الشمسية. ولكن هناك طلباً قوياً بين المستثمرين المؤسسيين على”رأس المال العائد” – الشركات المتداولة علناً التي تتلقى التدفق النقدي من الطاقة المتجددة. وينبغي لهذه الإستثمارات المنخفضة المخاطر أن تساعد تكاليف التمويل المعتدلة. الى جانب ذلك، إن أسعار فائدة مرتفعة تؤثر أيضاً في بدائل أخرى كثيفة رأس المال لتوليد الطاقة.
هناك خطر آخر هو أن مصادر الطاقة المنخفضة التكلفة، مثل الغاز الطبيعي من الودائع الصخري، يمكن أن تقوّض إقتصاديات الطاقة الشمسية. في المدى القصير، يمكن أن تحدث. وفي المدى الطويل، مع ذلك، فإن الغاز الطبيعي هو صديق أكثر منه عدو للطاقة الشمسية. الغاز الطبيعي يميل إلى أن يكون مصدراً رخيصاً وموثوقاً به للطاقة المرنة، والذي يمكنه أن يكمّل الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء من خلال توفيره 24 ساعة مصدراً إحتياطياً. وهذا يقلّل من تكاليف دمج الطاقة الشمسية إلى الشبكة. في الواقع، إن الطاقة الشمسية تتمتع بمكانة قوية في الأمكنة التي لديها أدنى أسعار للغاز الطبيعي في العالم: أميركا الشمالية.
وهناك خطر ثالث محتمل وهو أن يحصل أخيراً الإندماج النووي أو بعض الإختراقات الأخرى. ربما، ولكن هذا هو أمر إفتراضي. والأفضل المراهنة على تقنية مثبتة التي تشهد مبيعاتها إزدهاراً وتكاليفها إنخفاضاً.
وهنا تأتي الشمس
الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية، التي توفّر اليوم الثلثين أو أكثر من الطاقة العالمية، ليست على وشك أن تختفي. لكن حتى مع إنخفاض معدّلات إختراقها السوق حالياً، فقد بدأت الطاقة الشمسية تحويل الإقتصاد في مجال الكهرباء. الواقع هذا هو فجر عصر الطاقة الشمسية.
إذا كان هذا الأمر يبدو متفائلاً أكثر من اللازم، ينبغي النظر إلى تكنولوجيا أخرى إنطلقت من الفضول إلى الواقع في غضون عقود: السيارة. عندما نزلت أول سيارة إلى الشارع الأميركي في تسعينات القرن الثامن عشر، سخر المشككون وقالوا بأنها “عربة من دون حصان” ليس لها مستقبل. في العام 1900، كانت هناك سيارة واحدة فقط لكل 10،000 أميركي. وفي العام 1908، مع ذلك، وصل نموذج “تي” (T) إلى السوق، مما جعل السيارات أكثر قبولاً لعدد أكبر من الناس لأسعارها المعقولة. وبحلول العام 1920، كان هناك ما يقرب من 900 سيارة لكل 10،000 أميركي. إن صناعة الطاقة الشمسية العالمية هي في مرحلة مماثلة إلى حيث كانت صناعة السيارات في العام 1920. وكما أنه لم تكن بعد القاعدة العامة بالنسبة إلى الأميركيين تتمثل بإقتناء سيارة في العام 1920، فقد أصبحت بعدها من الأمور العادية. ويمكن أن تتغير المعايير بسرعة. بين عامي 1920 و1930، وصل معدل مُلكية السيارات إلى 2،170 سيارة لكل 10،000 أميركي. وصارت الولايات المتحدة الآن بلد السيارة.
إن السنين العشر المقبلة قد تشهد شيئاً من هذا القبيل مع الطاقة الشمسية، ولكن على نطاق عالمي. ولن يكون من المستغرب على الإطلاق، على سبيل المثال، إذا بنيت معظم المشاريع السكنية الجديدة، وخصوصاً في الأجزاء الأشمس في أوروبا والولايات المتحدة، مع الطاقة الشمسية؛ أو إذا أضيء معظم تلك ال100،000 قرية هندية، التي هي من دون كهرباء، ليلاً بفضل الطاقة الشمسية. حتى من دون وجود قفزة كبيرة إلى الأمام في الكفاءة والبطاريات، وحتى مع سياسات حكومية معرقلة وفي بعض الأحيان متناقضة، فقد صار الزخم الذي يقف وراء الطاقة الشمسية شيئاً لا يمكن إيقافه.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.