تحقيق الإستدامة من خلال الطاقة الشمسية
لندن – هاني مكارم
الفكرة بأن “الإستدامة” هي مفهوم معقول وقابل للتمويل تبدو أمراً صعباً وتجمع بين نقيضين تقريباً بالنسبة إلى معظم الخبراء التقليديين في إدارة الأصول، ولكن الفكرة بأن الإستثمار يمكنه أن يُكسِب المال ويوفّر فوائد طويلة الأمد للشعب بدأت تنتشر وتؤتي ثمارها.
المقرضون الدوليون، مثل مؤسسة التمويل الدولية وصندوق “أوبك” للتنمية الدولية (أوفيد) وغيرهما، تدفع وتشجّع على مزيد من الإستثمارات في المفاهيم المستدامة. وتعمل شركات الأسهم الخاصة جنباً إلى جنب مع مطوّري المشاريع، وأصحاب رؤوس الأموال، والحكومات، من أجل تعزيز المفاهيم التي وضعت “الإستدامة” في الأمام والوسط. إن الإستثمارات التي توفّر عوائد جيدة وفوائد جمّة على قدم المساواة للشعب والإقتصاد والبلاد، غالباً ما تَجِد أنه من الأسهل عليها بكثير تأمين تمويل الديون بأسعار فائدة أكثر تنافسية.
“أوفيد”، على سبيل المثال، وبصرف النظر عن الجدوى الإجتماعية والإقتصادية والبيئية للمشروع، تنظر أيضاً إلى نسبة مساهمته الشاملة في التخفيف من حدة الفقر وتحقيق التنمية في البلد الشريك، وبالتالي مشجِّعةً ومُمهِّدةً الطريق أمام مشاريع أكثر إستدامة. إن الإستثمارات التي لا يتم الحكم عليها من خلال الجدوى التجارية فحسب، ولكن أيضاً من خلال المسؤولية الإجتماعية، لديها فرصة أفضل بكثير للنجاح.
في الأشهر الأخيرة، أصبحت الطاقة الشمسية الضوئية حاملة علم الأصول التي تجلب الإستدامة والربحية معاً. كل بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلن أهدافاً جديرة بالثناء بالنسبة إلى الطاقة المتجددة حتى العام 2020 – من المملكة العربية السعودية 10،000 ميغاواط (54،000 ميغاواط بحلول العام 2032) إلى 6،300 ميغاواط في المغرب – ولكن غالبية البرامج تأخرت عن جدولها الزمني.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أرخص بكثير بالمقارنة مع الوقود الأحفوري الذي هو أحد العوامل الرئيسية لإرتفاع شعبية الطاقة الشمسية كإستثمار لدى شركات إدارة الأصول والحكومات على حد سواء.
بالنسبة إلى مخيم الإستدامة، فإن الحقيقة الثابتة بأن الطاقة الشمسية تولّد فرص عمل أكثر من أيِّ مصادر أخرى للطاقة هو وضع مربح. وفقاً لدراسة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، يتم خلق 20 فرصة عمل سنوياً وإنشاء 13 مؤسسة عمل في العام لكل ميغاواط واحدة من الألواح الشمسية المثبتة. وتفيدنا حسابات بدائية بأن ما يقرب من 300 وظيفة سنوياً يتم خلقها من بناء محطة للطاقة الشمسية الضوئية بقوة 10 ميغاواط.
ففي حين أن الطاقة الشمسية هي إتجاه ضخم مؤكَّد، فهل هذا الإتجاه هو واحد مستدام ذاتياً أم إنه فقاعة أخرى؟ مع القليل من المساعدة من المستثمرين وتنمية الإبتكار والتفكير إلى الأمام يمكن أن تكون مكتفية ومستدامة ذاتياً.
إن كثافة القوى العاملة في الطاقة الشمسية هي حقاً نعمة، ولكن من دون التعليم والتدريب المناسبين تصبح نقمة. يجب على الدول التي تتطلع إلى الطاقة الشمسية أن تستثمر في تطوير القوى العاملة المحلية. وهذا سوف يساعد على خلق فرص عمل والإحتفاظ بها بدلاً من المواهب المستوردة. وقد بدأت جامعات في بعض البلدان مثل سلطنة عُمان والأردن فعلياً عملية نقل المعرفة وإفتتحت برامج على مستوى عالمي تركّز على قطاع الطاقة المتجددة، لكن الكثير منها لم يبدأ بعد.
جانب رئيسي آخر لتنمية الطاقة الشمسية هو الإستثمار الكبير مُقدَّماً والمطلوب لوضعها موضع التنفيذ. إن الوحدات الضوئية تشكّل الجزء الأكبر من الإستثمار. وهذا يعني أنه في حين أن محطة توليد كهرباء عادية بطاقة 100 ميغاواط قد تُبنى بإستثمار حوالي 150 مليون دولار، فإن جزءاً كبيراً من هذا الإستثمار سوف يذهب إلى شركات تصنيع وحدات الطاقة الشمسية في بلدان مثل الصين وألمانيا أو الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، إن إنشاء معايير المحتوى المحلّي يصبح من المهم جداً للبلاد. فقط من طريق إعداد وحدة تصنيع يمكن للبلاد المستثمرة أن تستفيد إقتصادياً وإجتماعياً بشكل كامل من محطة للطاقة الشمسية. بالنسبة إلى مديري الأصول، فإن معدلاً عالياً من المحتوى المحلي يجعلها أكثر عرضة وجاذبية لتأمين التمويل من بنوك التنمية المحلية ويجعل الإستثمار أكثر فعالية.
وتلعب المرافق المساندة أيضاً دوراً مهماً يساعد على التنمية الشاملة للصناعة. إن محطة ضوئية قابلة للحياة إقتصادياً يجب أن تنتج في كل ثانية من أشعة الشمس التي تتلقاها، خصوصاً وأنها لا تنتج في أثناء الليل. حتى أن تعطيلاً صغيراً يمكنه أن يؤدي إلى خسائر. مع أقرب المهندسين والفنيين المؤهلّين يتركزون في أوروبا أو جنوب آسيا، فإن تشغيل محطات الطاقة يحتمل أن يؤدي إلى تكاليف باهظة لأعمال التصليح غير المتوقع. وهذا يمكن تخفيفه من خلال الإستثمار في مشاريع صغيرة ومتوسطة لتطوير صناعة جديدة حول قطاع الطاقة الشمسية. إن إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة يساعد البلاد على تحسين الإقتصاد ويجعل الإستثمار أكثر أمناً و”بقعة جميلة” للمقرضين الدوليين.
في حين أن النظرة العدوانية تؤكد التشجيع على التغيير، فإن التنمية المُستدامة هي أكثر أهمية. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا ينبغي أن يُنظَر إلى صناعة الطاقة الشمسية كونها مجرد فرصة إستثمارية مجزية، ولكن بوصفها منارة للإستدامة.