الإقتصاد “الداعشي” وتأثيره في الإقتصادين الإقليمي والدولي

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

يعترف الكثير من المحلّلين السياسيين أن ظاهرة “الدولة الإسلامية”، أو ما صار يعرف ب”داعش”، هي نتيجة طبيعية لتزايد النفوذ الإيراني في الخليج العربي، خصوصاً بعد سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وسياسة رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي التي أقصت قسماً كبيراً من المجتمع العراقي. وهذه الظاهرة أخذت تتمدّد نتيجة عوامل عدة وعلى رأسها: (1) الدعم من بعض الدول الإقليمية والعالمية التي رأت في النفوذ الإيراني خطراً على وجودها؛ (2) الحرمان الذي تعرض له شق كبير من الشعبين العراقي والسوري، (3) الأنظمة العربية التي ظاهرها ديموقراطي وباطنها ديكتاتوري، و (4) السياسات الغربية التي غذّت شعور العداء خصوصاً في الفترة التي تلت سقوط نظام البعث في بغداد.
إلا أن المُدهش في هذه الظاهرة هي الموارد المالية التي يتمتع بها هذا التنظيم السلفي المتشدّد والتي جذبت العديد من المناصرين من جميع بلدان العالم. وهذه الموارد المالية التي قدّرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية ل”داعش” تتراوح ما بين 1.5 و2.3 ملياري دولار سنوياً، منها 1095 مليون دولار واردات من بيع نفط الأبار من سوريا والعراق (بحسب مجلة “Matter”)، و430 مليون دولار الغنيمة التي وضع يده عليها في فرع البنك المركزي العراقي في الموصل، و343 مليون دولار تبرعات من مناصرين أغنياء، و36 مليون دولار من بيع الأثار… وهذه الموارد تكفي لتغطية كلفة الموارد البشرية والتشغيلية للتنظيم. فبحسب بعض الخبراء العسكريين تحتاج منظمة مؤلفة من عشرات ألوف المسلحين للإستمرار إلى موارد مالية بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، وهذا يعني أن تنظيم “داعش” يملك الأموال الكافية لدفع رواتب وأجور مقاتليه إذ يتم دفع 400 دولار للمقاتل السوري والعراقي و700 دولار للمقاتل الأجنبي. وبحسب الإستخبارات الأميركية يُقدر عديد “داعش” بـ 30 ألف مُقاتل، ما يعني أن التنظيم قادر على دفع أجور مقاتليه لعشرات السنين.
وبحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، فإن عدد الأبار التي وضع “داعش” يده عليها يبلغ 11 بئراً تدّر عليه 1095 مليار دولار. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع تدني الأسعار التي يعرضها “داعش” لكل برميل نفط. وهذا سبب إنخفاض أسعار البترول الأميركي الخام من 107 دولار في أواسط حزيران (يونيو) إلى 90 دولار أميركي في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام، وهذا ما يُحفز النمو العالمي عبر تخفيض كلفة الإنتاج للكثير من الدول الغربية.
على صعيد آخر، فإن الضربات ضد “داعش” تُحرّك الصناعة العسكرية على صعيد مباشر عبر الضربات العسكرية، وبشكل غير مباشر عبر الصفقات التي تقرّها دول المنطقة مع الدول الغربية، الأمر الذي من دون أدنى شك يؤدي إلى دفع النمو في هذه الأخيرة. وبما أن الإقتصادات الغربية لها وزنها المهم وتأثيرها في الإقتصاد الدولي، فإن هذا سيدفع بالعجلة الإقتصادية العالمية إلى الدوران أكثر عبر تشابك إقتصادات الدول وخصوصاً مع الإقتصادات النامية (الصين، والهند…).
وبهذا نستنتج أن ظاهرة “داعش” مفيدة للإقتصاد العالمي الذي يعيش مرحلة ركود قوية قد تصل إلى الإنكماش، وهذا الأمر يشكّل خطراً على الإقتصاد كما حصل مع اليابان في تسعينات القرن الفائت.
والسؤال الذي يُمكن طرحه هو: ما الذي سيُحرك الإقتصاد العالمي في حال تم القضاء على “داعش”؟ الجواب يكمن في مرحلة الإعمار التي ستلي القضاء على هذا التنظيم السلفي المتشدّد. فمثلاً تُقدّر كلفة إعادة إعمار سوريا حتى اليوم بـ 250 مليار دولار. وإذا ما أضفنا كلفة الأضرار الناتجة عن ضربات التحالف الدولي ضد “داعش”، فإن هذا الرقم سيتخطّى الـ 300 مليار دولار. أما في العراق، فنرى أن الدمار الناتج عن إحتلال “داعش” لبعض مناطقه سيزيد من ديون الدولة الخارجية والتي سيتم دفعها من عائدات النفط.
على صعيد آخر، نرى أن نمو الإقتصاد العالمي سيزداد عبر آلية معقّدة تبدأ بتحفيز الصناعة العسكرية وتخفيض أسعار البترول. وهذا الأمر سيؤدي إلى زيادة فرص العمل وبالتالي الإستهلاك مما سيزيد حجم الإستثمارات. وإذا أخذنا تشابك الإقتصادات العالمية وإختصاص “الماكينات” الاقتصادية للدول، سيزداد الطلب الإستهلاكي في بعض الدول الغربية. وبما أن هذه الدول تستورد قسماً من إستهلاكها من الدول النامية، فإن إقتصادات هذه الأخيرة ستنمو بفعل زيادة فرص العمل والإستهلاك الداخلي والخارجي.
ويمكن أن نستنتج مما تقدّم، إذا وضعنا جانباً الخسائر الإنسانية والضحايا الناتجة عن تنطيم “داعش”، أن الدول العظمى تستفيد من هذه الظاهرة لتحريك العجلة الإقتصادية في ديارها، إضافة إلى الفوائد السياسية وإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد. كل هذا سيكون له تأثير في تغيير هيكلية تعلّق وإرتباط الإقتصادات العربية بالإقتصاد العالمي وخصوصاً بالنسبة إلى النفط الذي سيباع قسم منه بشكل حرّ عبر نظام العرض والطلب؛ أما القسم الأخر فسيكون رهينة لسد ديون الحرب وتمويل بعض الإقتصادات الغربية.
ومهما كان نوع “السيناريو” الذي سيطال المنطقة العربية، فإن الدرس الأساسي من هذه الحرب هو أن الإقتصاد النفطي العربي سيموّل الإقتصاد العالمي وذلك نظراً إلى السيولة التي يُنتجها هيدروكربونياً. لكن هذا الهدف لن يكون الوحيد، فمع إنخفاض الإحتياط العالمي من النفط سابقاً وإزدياد قوة منظمة “اوبك”، كان على الدول الغربية في حينه إيجاد وسيلة للحد من قوتها وهذا ما يحصل حالياً مع الظاهرة “الداعشية”.

• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى