أَشهر شاعرات العالَم (1)

روپِّــي وكتابها الشهير (3 ملايين نسخة – 25 ترجمة)

هنري زغيب*

لن يكون لأَحدٍ أَن يحدِّد هذا الكائن العجيب الذي هو الشعر. أَقصى ما يمكن تعريفه أَنه فن جميل يتيح التعبير بالكلمات عن المشاعر. من عصرِ إِلى عصر ومن جيلٍ إِلى جيل، يبقى هو ذاتُه جوهرًا وتعبيرًا. له قدرة عجيبة على هَزِّ عواطفنا وإِلهامنا، ويَصلنا بالعالَم عبر القصائد في جميع الثقافات والأَزمنة.   

هنا حلقة أُولى من سلسلةٍ عن أَشهر شاعرات العالَـم انتشارًا وترجماتٍ إِلى لغاتٍ عالَمية، وتأْثيرًا في مجتمعاتهن.

شخصي وفردي

سحر الشعر أَنه يرسم في مخيلة القارئ (والسامع والـمُشاهد والحاضر في القاعة) صُوَرًا تَتَتَابَع من وزن، من تفعيلة، من إِيقاع، من قافية، من مباغَتةٍ في اللامأْلوف أَو اللامسموع. وهذا شعور فردي شخصي خاص لا يشترك به الآخرون. يتَمَظهر في انفعالِ مشاعرَ تتماوج بين الحب واليأْس وما بينهما. وللشعر أَشكال وأَساليب، ولكلٍّ منها بُنْيَتُهُ وخصائصه.

مسرح الزهريّ (برامبتون) حيث تقرأُ معظم قصائدها

المرأَة والشعر

عبر العصور كانت المرأَة تتوسَّل الشعر سلاحًا تحارب به ضغوطًا عليها وقيودًا، وتدافع عن شؤُونٍ حولها، من غيابٍ (أَو نقصٍ) في التربية والتعليم، أَو إِقصائها عن الحلقات الأَدبية الذكُورية. لذا كتبَت الشعر ردَّةَ فعلٍ لا فعلًا مباشَرًا، كما حال إِملي ديكنسون ومايا إنجلو في التعبير عن رفضهما إِنكارًا وصلَفًا في التعامل مع المرأَة.

ومِن الشاعرات مَن ناضلن من أَجل استقلال الهند وحقوق المرأَة في المجالات الاجتماعية والسياسية. فهذه آدريانَّا ريْتْشْ تحدَّت النُظُم الاجتماعية في عصرها، ودافعَت عن قوة المرأَة في المجتمع، مطْلقةً لها حريةَ القول والفعل والجنس والجندرة والهوية. وهاتان روپِّــي كور ووارسان شايْرْ اشتهرتا بقصائدهما الداعية إِلى محاربة الهجرة والتهجير، والمدافعة عن الأُنوثة وعالَم المرأَة، كما قصائد آنَّا سِكْسْتون وشارون أُولْدْز التي مجَّدت الأُمومة وحرية الجنس من خلال تجاربهنّ الشخصية.

روپِّــي تقرأُ من قصائدها في المسرح الزهريّ
  1. رُوپِّـي كُور Rupi Kaur

كانت في الحادية والعشرين، وطالبة جامعية، حين أَصدرَتْ مجموعتَها الشعرية الأُولى “حليبٌ وعسَل” (2014). أَحدثَت جدلًا واسعًا هيَّأَها أَن تُصبح لاحقًا إِحدى أَشهر شاعرات العالَم جِدَّةً وجرأَةً واختراقَ ممنوعات.

يومها، حين أَنجزت تحضيرها المخطوطة، عرَضَتْها على ثلاثة ناشرين، فرفضوها. ولَمَّا كانت في المدرسة الثانوية تعلَّمَتْ مبادئَ الإِخراج الطباعي، وضعَت لمخطوطتها إِخراجًا بسيطًا، وأَصدرَتْها كتابًا على حسابها الخاص آملةً أَن يكون لها وقْعٌ يرضيها.

راجَ الكتاب بشكلٍ مُفاجئٍ مذهلٍ، فتعهَّدتْه “دار إِندروز ماكميل للنشر” (كانساس سيتي، ولاية ميسوري الأَميركية)، وأَصدرتْه في طبعة أَنيقة راحت تتناسل طبعات متتالية. وإذا بتلك المجموعة سنة 2020 تبقى على لائحة جريدة “نيويورك تايمز لأَكثر الكتب مبيعًا” طيلة 165 أَسبوعًا. بلغَت المبيعات 3 ملايين نسخة، وتُرجمَت حتى مطلع 2025 إِلى 25 لغة. ساعدَت وسائط التواصُل الإلكتروني على هذا الرواج المذهل. وأَجمع النقاد على سبب هذا الرواج أَنَّ شعرها بسيط وواضح، ولا يتطلَّب جهدًا لفهمه وتفسير مضامينه ورموزه.

من هي؟

ولدَت روپِّــي في منطقة البنجاب (الهند) سنة 1992، وهي تنتمي إلى طائفة السيخ المنتشرة في تلك المنطقة. غادرَت سنة 1995 مع أَهلها إِلى كندا (مدينة برامبْتون في مقاطعة أُونتاريو)، وفي جامعة واترلو (أُونتاريو) تخصَّصت في أُصول البلاغة اللغوية والكتابة الإِبداعية، المادة التي عادت فدرَّستْها في الثانويات وبعض المعاهد الجامعية.

سنة 2017 أَصدرَت “الشمس وبناتُها الأَزهار”، قالت عنها إِنها قصيدةٌ طويلة متتالية تمتدُّ على 250 صفحة. وسنة 2020 أَصدرت مجموعتها الثالثة “الجسَدُ منزلًا – الشفاء بالكلمات” وفيها رسومٌ من الشاعرة. وسرعان ما احتلت هذه المجموعة لائحة “أَكثر الكتب مبيعًا لسنة 2020”.

رواج سريع ساطع

سنة 2014، في الذكرى العاشرة لصدور مجموعتها “حليب وعسَل”، صدرَت طبعة جديدة للكتاب، بغلاف جديد، وفصل إِضافي عن الشعر، ومقدمة خاصة بالطبعة الجديدة ومناسبتها، وشروح جديدة لبعض ما جاء في مقطوعاتها الشعرية.

عنوان هذه المجموعة عائد إِلى عنوان قصيدةٍ كتبَتْها روپِّــي سنة 2012، استعملَت فيها عبارة حليب وعسَل لترمز إِلى المثابرة والقوة لدى الأَرامل من نساء السيخ اللواتي نَجَون من المجزرة المرعبة التي تعرض لها السيخ سنة 1984.

رواجُ شعرها، ذاقتْه من آلاف زوار المواقع الإِلكترونية، إِذ راحوا يراسلونها، ويعبِّرون عن تماهيهم بقصائدها التي قالوها تعبِّر عن مشاعرهم وتجاربهم في الهجرة من بلدانهم الأُولى.

تتميز مجموعاتُها بجمعها بين اللغة المحكية والنثر والشعر والأَحداث الواقعية وتلك المتَخَيَّلة، كما تتميز بانسياب قصائدها من دون فذلكاتٍ لغوية، وبجرأَةٍ في مواضيع الحب والشفاء وجمال الحياة النسائية.

الحلقة الثانية: شاعرات جديدات.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت – دبي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى