الاعتراف بفلسطين: مَعرَكَةُ الرَمزيّة التي تُرعِبُ المَحَاوِر

قد يُنظَرُ إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوةٍ رمزية بلا أثر، لكن ما بينَ تل أبيب وطهران والدوحة يتكشّفُ صراعٌ أعمق حول مَن يَملكُ حقَّ تعريف مستقبل المنطقة. فالرموزُ في العلاقات الدولية ليست تفاصيل عابرة، بل مفاتيح تُعيدُ رَسمَ السرديّات وتُمهّدُ لمساراتٍ سياسيّة وقانونية قد تُغيّرُ موازين القوى جذريًا.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس محمود عبّاس: الأول يؤكد للثاني فرنسا ستعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية.

ملاك جعفر عباس*

“الاعترافُ بالدولة الفلسطينية مُجَرَّدُ خطوةٍ رمزية لا تُغيِّرُ في واقعِ الأمرِ شيئًا”، لازمةٌ دأبت الولايات المتحدة وإسرائيل، والقوى المُتحاربة معها من “محور الممانعة” ومحور “الإخوان المسلمين” (للمفارقة!)، على تردادها منذ أن اتّخَذَ الجهدُ الذي تقوده المملكة العربية السعودية زخمًا أكبر في المحافل الدولية، وانضمّت إليه دولٌ وازنة كفرنسا وبريطانيا وكندا. ولكن على الأرض، تبدو فلسطين مطوَّقة ومخنوقة جغرافيًا بالاحتلال، فيما تتآكل سلطتها السياسية على أراضيها يومًا بعد يوم تحت وطأة الإبادة في غزة والتوسُّع الاستيطاني والضمّ في الضفة الغربية، وفوق كل ذلك، يقف الفيتو الأميركي حاجزًا صلبًا يمنعُ أيَّ اعترافٍ أُممي كامل بالدولة الفلسطينية عبر مجلس الأمن الدولي. وهنا يبرز السؤال الذي يردّده الإعلام الإسرائيلي، وللمفارقة، إعلام المقاومة أيضًا: إذا كان الاعترافُ محكومًا عليه بالفشل، فلماذا كلُّ هذا الجهد والعناء من أجل أمرٍ لن يتحقّق؟

سؤالٌ قد يبدو منطقيًا للوهلة الأولى، لكنه يغفل بُعدًا أكثر خطورة وظلامًا: إذا كان المسارُ “مجرّدَ هراءٍ رمزي” كما يُقال، فلماذا إذن يُواجَهُ بهذا القدر من الشراسة والرفض من قبل المحاور الثلاثة معًا؟

لا شكَّ أنَّ الرمزية في لغة العلاقات الدولية تتجاوز الأحلام والتمنيات لتُشكّل أُطُرًا تُبنى على أساسها لاحقًا السرديات والأسس القانونية والمسارات السياسية التي يُمكِنُ أن تتحوَّلَ إلى نتائج ملموسة لاحقًا. بالنسبة إلى إسرائيل، فأيُّ اعترافٍ دولي بدولةٍ فلسطينية يقوّضُ فكرة السيطرة الإسرائيلية المطلقة على الأرض بين النهر والبحر، ويحارب رمزية الادِّعاء التوراتي بأنَّ إسرائيل الكبرى وَعدٌ إلهي لبَني إسرائيل عليهم تطبيقه على أرضِ الواقع بالسيطرة على أرض فلسطين التاريخية وأجزاءٍ من الدول العربية المجاورة، برمزيةٍ أخرى تستند إلى ما هو أكثر واقعية: العالم يرى بعينه الإبادة والتهجير والتجويع لشعبٍ مُتجذّر في أرضِ أجداده يستحق الحياة عليها بسلام الى جانب دولة إسرائيل وليس مكان دولة إسرائيل. هذه الخطوة “الرمزية التافهة” أوصلت 147 دولة في العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية وبشرعية منظمة التحرير بعد أن أفنى الفلسطينيون أكثر من سبعين عامًا من تاريخهم النضالي ليعترف العالم بهم، هذا العالم الذي كانت تسيطر عليه سردية أنَّ إسرائيل قامت على أرضٍ بلا شعب.

وتتناحر المشاريع الثلاثة في الإقليم، مشروعُ إسرائيل الكبرى كما تتصوّره قوى اليمين الإسرائيلي، ومشروع الإسلام السياسي الإخواني الذي تدعمه قطر وتركيا عبر “حماس”، ومشروع “محور الممانعة” الإيراني على النفوذ والسيطرة لكنها تُغذّي وتسلف بعضها من خلال تقويضها لمفهوم الدولة الوطنية وفشل مسار التسوية. لذا عندما يبرزُ لاعبٌ رابع يعمل على اعادة تعريف الصراع من خلال إحياء مفهوم الدولة الوطنية في إقليمٍ ذوت فيه الحدود الجغرافية إلى أقصى حد، يُحارَب بهذه الشراسة، من الجميع.

مشروع إسرائيل الكبرى ونفي الدولة الفلسطينية

تبلور مشروع “إسرائيل الكبرى” تاريخيًا بعد العام 1967، ثم تعزّز مع صعود التيارات الدينية-القومية واليمين الاستيطاني. جوهره رفضُ الانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية واعتبار السيطرة الدائمة –المباشرة أو غير المباشرة– قدرًا إستراتيجيًا لإسرائيل. ضمنَ هذا التصوُّر، أيُّ اعترافٍ دولي بدولةٍ فلسطينية يُعدّ مسًّا بشرعية الاستيطان والضم، وتهديدًا لسردية الأمن الإسرائيلي. فالاعترافُ قد يقودُ إلى ضغوطٍ اقتصادية وقانونية ليس اخطرها حظر منتجات المستوطنات، لكن ربما يصل إلى توسيع الولاية القضائية للمحاكم الدولية ويُقوّي مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كمفاوض شرعي ووحيد بغطاء دولي أوسع.

تتصرّف الحكومة الإسرائيلية الحالية على هذا الأساس: كلُّ تقدُّمٍ على مسار الاعتراف أو محاولات وقف الحرب في غزة عبر تفاوضٍ يفضي لتسويةٍ سياسية يُواجَه بصلابة، بل وبتهديدات بإجراءات أحادية مضادّة كضمّ أجزاء من الضفة، وتوسيع الاستيطان أو احتلال غزة واستتباعها للسيادة الاسرائيلية. لذا، لا يُنظر إلى الاعتراف كرمزٍ فارغ، بل كبذرةٍ قانونية-سياسية قد تنمو لتصبح معادلًا استراتيجيًا مقابل القوة العسكرية الإسرائيلية.

مشروع “الإخوان المسلمين”: من المقاومة الى الأمّة

حركة “حماس” هي الامتداد الفلسطيني لجماعة “الإخوان المسلمين”. ومنذ 2007، ومع انقلابها على الشرعية وسيطرتها على غزة، أصبحت تمثّل سلطةَ أمرٍ واقع خارج مشروع الدولة الوطنية الفلسطينية كما تصوّرتها منظمة التحرير الفلسطينية. وقد ساهم الدعم القطري التركي لحركات الإسلام السياسي، ومن ضمنها “حماس”، قبل وخلال عشرية ما عرف ب”الربيع العربي”، في ملء الفراغ في بلدان ترهّلت فيها الدولة او انقسمت نخبها، وهذا واقعٌ ينسحبُ أيضًا على الفلسطينيين. هذا المشروع يتبنّى سردية الأمة الإسلامية العابرة للحدود أكثر من تبنّيه سردية الدولة الوطنية وحدودها ومؤسساته. وصحيح أن الإخوان لا يرفضون علنًا حل الدولتين، لكن خطابهم الإعلامي وأداءهم السياسي يميلان الى تحقير المسار السياسي أمام العسكري، وتخوين أيِّ محاولةٍ لقطع الطريق على سفك مزيد من الدماء في معارك خاسرة. هكذا اصطدم المشروع الإخواني بمشروع الدولة الفلسطينية التفاوضي، أي أوسلو، والتقى موضوعيًا، وإن من موقعٍ النقيض، مع مشروع “إسرائيل الكبرى” اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو. كلٌّ منهما قَوَّضَ المسار التفاوضي لأسبابه. فَشَلُ “أوسلو” عزّزَ سردية اليمين بمُعاداة السلام كنهجٍ استراتيجي من اجل الحفاظ على دولة إسرائيل من الانهيار الداخلي، ورسّخ شرعية “المقاومة” باعتبارها لا تسكت على الصلف الإسرائيلي في مواجهةِ شعبٍ أعزل من جهةٍ أخرى، وأضعف فكرة الدولة الوطنية باعتبارها خيارًا انهزاميًا لا رغبةَ لأحدٍ بالاستثمار فيها.

مشروع “محور المقاومة” الإيراني: الدولة رهينة الدويلة

من المنظور الايراني، يُعتَبرُ قيام دولة فلسطينية بقرارٍ عربي-دولي بعيدًا من المحور، خصوصًا إذا ما اقترن بنزع سلاح الفصائل في لبنان وفلسطين، تجريدًا لإيران من مبرّر نفوذها وشرعية خطابها. لذا فهي تفضّل استمرار بيئة اللا-تسوية التي تُبرُّر السلاح المتقدّم والربط العملياتي بين الساحات. فمنذ العام 1979 كرّست إيران إستراتيجية الأذرع، تحت مسمى تصدير الثورة، في بناء شبكات مسلحة تدين بالولاء للولي الفقيه وتعمل داخل دولٍ عربية هشّة أو منقسمة كلبنان وسوريا، واليمن والعراق وفلسطين. جوهر المشروع هو قضم سيادة الدولة الوطنية لمصلحة المحور وابتلاعها حيث أمكن حين تتراجع شرعية مؤسّسات الدولة لصالح شرعية “المقاومة”. وقد شكّلَ “حزب الله” في لبنان النموذج الأبرز حيث فرض سلاحه قرار الحرب والسلم وأدخل البلاد في حروبٍ ومعادلات خارج الإجماع الوطني. وفي فلسطين، دعمت إيران “حماس” و”الجهاد الإسلامي” كمخالب أمامية في مواجهة إسرائيل، مع تبايناتٍ مرحلية لم تُلغِ التقاطع عند لحظات الصراع الحاسم.

7 تشرين الأول/ أكتوبر: الانفجار الذي كشف تشابك المشاريع

مثّلَ هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 نقطة تحوّل رمزية وعمليّة. من منظور “حماس” ومحورها، كان الهدف كسر قواعد الاشتباك وضرب هيبة الردع الإسرائيلي، والأهم تفخيخ مسار التطبيع السعودي-الإسرائيلي الذي كان يقترب من لحظة تفاهم كبيرة ترعاها واشنطن. أدّى الهجوم إلى مقتل مئات المدنيين وأسر عشرات الرهائن، ففتح الطريق أمام حربٍ إسرائيلية غير مسبوقة على غزة تحت شعار “القضاء على حماس”، وتحوّلت غزة إلى ساحة تدمير هائل وإبادة جماعية بلا هوادة.

لكن الأهم استراتيجيًا أنَّ الحرب شكلت نقطة تقاطع ظرفية خدمت الأجندات الثلاث. فمن جهة، منحت عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) الحكومة الإسرائيلية تفويضًا داخليًا ودوليًا أوليًا لتطبيق أقصى أجندتها الأمنية والعسكرية، وللتقدّم على مسارات هندسة “وقائع نهائية” في الضفة الغربية وغزة. ومن جهة ثانية، غذّت صور الدمار في غزة سردية “المقاومة” وعزّزت شرعيتها الجماهيرية في المنطقة، وسمحت لإيران بتوسيع نطاق الاشتباك إلى جبهات لبنان وسوريا والبحر الأحمر وصولًا إلى البرّ الفارسي. وبين هذين القطبين، بدت السلطة الفلسطينية أضعف من أيِّ وقت، ما زاد فراغ الدولة الوطنية وأضعف قدرتها التمثيلية.

السعودية ومشروع “استعادة الدولة”: تحدّي المُثلّث

على خلفية هذا الانهيار، برزت مقاربةٌ سعودية تسعى إلى إعادة الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية كإطارٍ للحل في فلسطين ولبنان. فلسفةُ هذه المقاربة تقومُ على ثلاث ركائز: أولًا، إعادة تمكين السلطة الفلسطينية كممثل شرعي وحيد، وتوسيع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لتثبيت مرجعية تفاوضية من دولة إلى دولة. ثانيًا، تحصين الدولة اللبنانية ومؤسّساتها، وخصوصًا الجيش، في مواجهة سلاح “حزب الله” ومنطق الدولة داخل الدولة. ثالثًا، نسج مظلة عربية دولية، مجموعة السبع، الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي تدفع باتجاه مسارٍ سياسي يفرض على إسرائيل أثمانًا للضمّ والاستيطان، وعلى الفصائل أثمانًا للإبقاء على السلاح خارج سيادة الدولة.

هذه المقاربة تصطدم مباشرةً بالمشاريع الثلاثة، فالنسبة إلى إسرائيل هي تُعيد إحياء حل الدولتين وتُحوّلُ الاعتراف إلى أداة ضغطٍ شرعي على الاستيطان وتغيير الخرائط، وتُحاصر سردية “لا شريكَ فلسطينيًا نتحاور معه”. لذا ستقاوم تل أبيب كل خطوة تجعل الدولة الفلسطينية منطلقًا لا نتيجةً نهائية، وستلوّح بإجراءات أحادية مضادة. أما بالنسبة إلى “حماس” ومن بعدها محور الإسلام السياسي، ترمي المبادرة إلى نزع سلاح الفصائل وإعادة توحيد القرار الأمني والسياسي في إطار الدولة ومؤسّساتها، ما يعني عمليًا إنهاء شرعية المقاومة بوصفها حكومة. سيُواجَهُ ذلك بخطابٍ أنَّ الدولة بلا سيادة مجرّد خدعة، وأنَّ الاعتراف فارغ، وأنَّ المقاومة وحدها تُغيّرُ موازين القوى. أما بالنسبة إلى “محور الممانعة” فإنَّ نجاحَ هذا المسار يعني تجفيف مسوغات السلاح المتفلّت ونهاية امتدادات الأذرع في لبنان وفلسطين، وإخراج طهران من معادلة القرار الفلسطيني واللبناني. لذا سيكون الرد عبر رفع منسوب الاشتباك وفتح جبهات موضعية أو الضغط لنسف أيِّ صفقة تُقوّي منطق الدولة.

بهذا المعنى، يمكن فهم شراسة المقاومة التي ستلقاها مقاربة “استعادة الدولة”، فهي ليست مجرد خلافٍ على تفاصيل، بل تناقض بنيوي بين منطق المَحَاور ومنطق الدولة. ولذلك قد نرى، كما رأينا بعد 7 تشلاين الأول (أكتوبر)، حالاتٍ من الخدمات التبادلية بين مشاريع متصارعة: تشدد من طرفٍ يبرّر تشدد الطرف المقابل ويضرب مسار الدولة. ضربُ الوساطة في الدوحة مثلًا أفاد هدف إسرائيل في كسر “حماس” تفاوضيًا، لكنه في الوقت نفسه غذّى خطاب المعسكرين الإخواني والإيراني بأنَّ الديبلوماسية فخّ وأن السلاح هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو.

لماذا الرمزية مهمة إذًا؟

لأنَّ الاعتراف الرمزي يصنع شرعية، والشرعية تمنح أدوات. اعترافٌ أوسع بفلسطين يرفع كلفة الاستيطان قانونيًا واقتصاديًا، ويمنح منظمة التحرير الفلسطينية مكانةً تفاوضية أعلى، ويحوّل حلّ الدولتين من أفقٍ بعيد إلى مرجعيةٍ قائمة يُحاسب الفاعلون على أساسها. بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، هذا مسارٌ قد يُفقدهما السيطرةً على الإطار والوتيرة، ويُعطي طرفًا عربيًا-دوليًا تقوده الرياض قدرةً على تحديد شروط اللعبة. وبالنسبة إلى “حماس” وإيران، الاعتراف الذي يقترن بإعادة بناء مؤسسات الدولة ودمج غزة في سلطةٍ واحدة يضرب أساس شرعية السلاح خارج الدولة.

المعركة حول “الاعتراف الرمزي” ليست صراع شعارات، إنها حرب على المعنى: مَن يملك حق تعريف المستقبل السياسي لفلسطين ولبنان والمنطقة؟ إن أُتيحَ للاعتراف أن يتحوّل إلى قاعدةٍ لعملٍ سياسي وقانوني منضبط، ستنشأ كلفةٌ تراكمية على مشروع إسرائيل الكبرى وعلى مشاريع المقاومة والأذرع المترامية خلف الحدود. لهذا بالذات، سيُقاتَل هذا المسار من المشاريع الثلاثة بكل ما اوتيت من عزم، لأنه يَسحب من كلٍّ منها رأسمالها الرمزي. ومع ذلك، فإنَّ إصرار عواصم عربيةٍ وأوروبية على الاعتراف والتقدم بخطواتٍ سياسية (ولو رمزية) يقول إنَّ الرموز تصنع الوقائع إذا كُتب لها الاستمرار والتراكم. فإما أن تُفتح نافذةٌ لعودة الدولة الوطنية كحَكَمٍ ومرجعية، وإما أن تبقى المنطقة ساحةً مفتوحة لمشاريع عابرة للحدود تتصارع وتتصالح على حساب المجتمعات وحقوقها ومستقبل ابنائها. في كلتا الحالتين، سنفهم لماذا يُقاتَل الاعتراف الرمزي بضراوة، لأنه ليس رمزيًا كما يبدو، بل مفصليًّا في الصراع على مستقبل الشرق الأوسط.

  • ملاك جعفر عباس هي كاتبة سياسية وإعلامية لبنانية حاورت شخصيات عربية وعالمية عدة خلال عملها في شبكة “بي بي سي نيوز عربي”. وقد تخصصت في دراسة مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة في جامعة كينغز كولدج لندن. يمكن التواصل معها عبر منصة Linkedin على: linkedin.com/in/malakjaafar

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى