قراءَةٌ في الوَضعِ الدولي صيف 2025

في صيف 2025، تتشكل ملامح نظام دولي جديد يتأرجح بين صعود الشرق وتراجع الغرب، وسط صراعات اقتصادية وسياسية محتدمة. ومن قلب هذه التحوّلات، يبرز دور الولايات المتحدة والصين وروسيا كقوى ترسم خرائط النفوذ العالمي وتُعيدُ تعريفَ موازين القوة.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: ردًّا على ضرائب ترامب قام بزيارة الصين لأول مرة منذ 7 سنوات.

(2)

واشنطن وبكين وموسكو: مُثلّثُ القوّة في مرحلةِ التحوُّلات الكبرى

 

الدكتور سعود المولى*

بدايةً راهن الرئيس دونالد ترامب بشكلٍ كبير على قدرة الولايات المتحدة على اتّخاذِ موقفٍ عدائي تاريخيًا ضد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والخروج منه أقوى بفضل ذلك. وعلى الرُغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي ثمارها في المدى الطويل، إلّا أنَّ ترامب حقّقَ سلسلةَ انتصاراتٍ مُذهلة في الأشهر الأخيرة. فقد اقترب سوق الأسهم من مستوياتٍ قياسية، وانتعش الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني، وتحدّى التضخُّم توقّعات الارتفاع بعد أن فرض ترامب رسومه الجمركية.

لكن الزعيم الصيني شي جين بينغ حقّق في المقابل سلسلةَ انتصاراتٍ خاصة به. فعلى الرُغم من الرسوم الجمركية الأميركية، نجحت الصين في إيجاد أسواق أخرى لبيع منتجاتها، ما أدّى إلى إغراقِ العالم بسلعها.

والحال أنَّ شي يمتلك عددًا من الأوراق الرابحة: لا تزالُ الصين أكبر مصدّرٍ للسلع في العالم، وهي تتمتّعُ بقوّة كبيرة في جميع أنحاء العالم، كما إنها تسيطر على كامل إمدادات المعادن الأرضية النادرة المهمة عالميًا تقريبًا، والضرورية لتصنيع الإلكترونيات ومعدات الدفاع الحيوية للأمن القومي الأميركي، والتي تُبطئ بكين إطلاقها، مما أثار استياء الولايات المتحدة.

إنتصارات ترامب

لعب ترامب دور المتنمّر على بكين منذ مطلع هذا العام، فصعّد التعريفات الجمركية التي فرضها على الصين في ولايته الأولى -والتي واصلها الرئيس السابق جو بايدن- إلى مستويات غير مسبوقة. وحدد التعريفات الجمركية على السلع الصينية عند 20% كحد أدنى في بداية ولايته الثانية، لتصل في إحدى المرات إلى 145% بشكل إجمالي (في منتصف نيسان/أبريل)، متضمّنةً رسومًا سابقة وفرضت رسومًا إضافية جديدة ، ما أدى فعليًا إلى حصار التجارة مع ثاني أكبر شريك تجاري لأميركا.

في أيار (مايو) 2025، نجح المفاوضون بين البلدين في خفض التعريفات الجمركية الأميركية على السلع الصينية المفروضة هذا العام بشكل كبير – إلى 30%. وقد لاقت هذه الخطوة استحسانًا من الشركات الأميركية التي تعتمد على السلع الصينية، حتى وإن ظلت أعلى بكثير من أيِّ رسوم فرضتها الولايات المتحدة على شريك تجاري رئيسي منذ ما يقرب من قرن. وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، حصل مفاوضو ترامب على العديد من التنازلات من الصين، بما في ذلك شراء فول الصويا الأميركي ووقف تحقيقات مكافحة الاحتكار مع بعض الشركات الأميركية الكبرى التي هددت قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية هناك.

قد لا تكون هذه تنازلات كبيرة، ولكن مع استمرار المفاوضات، احتفل ترامب بعشرات المليارات من الدولارات من عائدات الرسوم الجمركية التي تدفقت إلى وزارة الخزانة الأميركية كل شهر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الرسوم الجمركية الضخمة المفروضة على الصين. في غضون ذلك، ارتفع التضخم قليلًا فقط من أدنى مستوياته في أربع سنوات الذي بلغه في وقت سابق من هذا العام. وأوضحت صحيفة الوول ستريت جورنال، في تقرير لها، أنَّ ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 0.1 في المئة في أيار (مايو) مقارنة بالشهر السابق، يأتي بصورة أقل من توقعات الاقتصاديين. كما إنَّ معدّل التضخُّم السنوي البالغ 2.4 في المئة، يأتي متوافقًا مع التوقعات، ومقتربًا من أدنى مستوى له في أربع سنوات المسجل في نيسان (أبريل).

أظهر الناتج المحلي الإجمالي للربع الأخير، وهو أوسع مقياس للاقتصاد الأميركي، انتعاشًا حادًا في النمو، على الرُغم من أنه كان مليئًا بعلامات التحذير. لكن أظهر الاقتصاد الأميركي نموًا قويًا في الربع الثاني من العام 2025، مسجّلًا زيادة بنسبة 3.3% على أساسٍ سنوي، وهو ما يُعَدُّ انتعاشًا أقوى مما كان متوقعًا وزيادة ملحوظة عن الربع السابق، مدفوعًا بانخفاض الواردات وتسارع الإنفاق الاستهلاكي، وفقًا لوزارة التجارة الأميركية.  تباطأ نمو الوظائف بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، لكن حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية قد خفت إلى حدٍّ كبير، ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تبدأ الشركات في التوظيف مرة أخرى نتيجة لذلك في الأشهر المقبلة. وكان مؤشر النجاح المفضَّل لدى ترامب، وهو سوق الأسهم الأميركية، مزدهرًا، متجاهلًا إلى حد كبير الرسوم الجمركية لصالح أرباح قوية نسبيًا وخفض محتمل لأسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الأشهر القليلة المقبلة. وهكذا تمكن ترامب من الظهور كخصمٍ قوي للصين، التي وصفها بأنها تهديدٌ للأمن القومي ومنافس اقتصادي رئيس، مع منع الاقتصاد الأميركي من الانزلاق إلى الركود – على الأقل في المدى القريب. وهذا ليس بالأمر الهيِّن.

على الرُغم من تهديدات ترامب الصاخبة بشأن الصين، تعامل الرئيس الأميركي مع شي بتساهُلٍ نسبي مقارنةً بالغطرسة العدوانية التي مارسها تجاه حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والبرازيل، في الأشهر الأخيرة. ويرجع ذلك إلى أنَّ شي يلعب دورًا حاسمًا للغاية أيضًا. تُحكم الصين قبضتها على المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في المغناطيسات فائقة القوة، وهي مكوّنات أساسية في كل شيء من السيارات إلى الطائرات المقاتلة. تعتبرها الولايات المتحدة بالغة الأهمية لقطاعي الدفاع والصناعة، لكن الصين تسيطر على 90% من المعالجة العالمية للمعادن الأرضية النادرة. في جولات مختلفة من المفاوضات التجارية، قالت الولايات المتحدة إنها حصلت على تنازلات من شأنها أن تمنح أي شركة أميركية ترغب في الحصول على المعادن الأرضية النادرة معاملة تفضيلية وإمكانية الوصول، لكن الشركات الأميركية لا تزال تشكو من أنَّ الصين لا تُصدر التصاريح بالسرعة الكافية لتلبية احتياجاتها.

في مقابل توزيع المزيد من المعادن النادرة، طالبت الصين بتخفيض ضوابط التصدير الأميركية على السلع الأساسية، مع التركيز بشكل خاص على رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدّمة. وكانت إدارة ترامب قد وضعت حدًا لرقاقات الذكاء الاصطناعي، بمنع تسليمها إلى الصين. لكن يوم الاثنين، تراجع ترامب عن موقفه، قائلًا إنَّ رقائق “Nvidia H20” التي تدعم نموذج “Deepseek AI” الصيني المذهل يمكن أن تتدفق بحرية إلى حدٍّ ما إلى الصين. بل إنه قال إنه سينظر في السماح لـ”Nvidia” بشحن نسخة مختصرة من رقائق “Blackwell” عالية الجودة، وهو تنازل وصفه البيت الأبيض سابقًا بأنه غير قابل للتنفيذ.

كما حظي شي بتأييد ترامب بموافقته على شراء سلع أميركية، بما في ذلك فول الصويا. وفي الوقت نفسه، واكب الاقتصاد الصيني هذا النمو من خلال البيع في أسواق جديدة، بما في ذلك دول في أميركا الجنوبية وأفريقيا، مما حدَّ من تعطل أعمالها. ووفقًا لبنك ING، نمت صادرات الصين بنسبة 5.9% في النصف الأول من العام 2025، وهي الوتيرة نفسها للأشهر الستة الأولى من العام 2024. وبلغ الفائض التجاري للصين 586 مليار دولار في النصف الأول، محققًا رقمًا قياسيًا جديدًا لأيِّ فترة ستة أشهر.

ما الفرق بين أميركا وروسيا ؟

من حيث الدوافع الإمبريالية والهيمنية وشعور العظمة والتفوُّق: البلدان لهما تجربة إمبريالية طويلة كإمبراطوريات كان لها مجد غابر تريد استعادته وتكراره في الحاضر. نلمس هذا في خطب ترامب وبوتين على السواء عن عظمة الماضي التليد التي يريدان استرجاعها، وفي الكلام عن ضم بلدان أخرى أو السيطرة عليها وإخضاعها. يجمع بينهما أيضًا حلم الهيمنة الإقليمي أو العالمي. وهذا يعني السيطرة الاقتصادية والعسكرية، والسياسية والإيديولوجية أيضًا، وليس الاستعمار في شكله القديم.

هذا هو وضع أميركا في حلف “الناتو” حيث تهيمن على الدول الأعضاء التي لا تستطيع القيام بأيِّ شيء حتى ولا الدفاع عن نفسها من دون رضا أميركا. وهو وضعها في انتشار جيوشها وأساطيلها حول العالم.

أما بوتين فهو يريد الهيمنة الكاملة على سياسات أوكرانيا الداخلية والخارجية في استعادة لما كان عليه وضع فنلندا أيام الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة، أي جعلها طَيِّعة لا تُهدّد روسيا ولو ظلت مستقلة شكلًا . هذا ما فعله بوتين مع بيلاروسيا على سبيل المثال؛ وبالتالي فقد يرضى بوجود أوكرانيا مستقلّة وضعيفة عسكريًا وخارج “الناتو”. يحلم بوتين بأن يكون نسخة عن بطرس الأكبر الذي مدَّ حدود إمبراطوريته إلى البلطيق، أو كاثرين الكبرى التي احتلت أوكرانيا الحالية باعتبارها “روسيا الجديدة”. ويحلم ترامب باستعادة عظمة أميركا الاستعمارية ويعتبر نفسه ليس مجرد مكمل، إذ هو لا يقتدي بغيره ممن سبقوه، بل هو يدعي كتابة تاريخ إمبراطوري جديد “جعل أميركا عظيمة مجددًا”، من دون أن يحدد ماذا يعني بهذه العظمة ومتى كانت سابقًا؟

ترامب ونظام الفوضى العالمي

ترامب شخصٌ يصعبُ معه التنبؤ بما سيحدث اليوم أو غدًا. أي أنه بعبارة أخرى مصدر فوضى، والمقصود بالفوضى أنه لا يوجد معه نظام ولا ترتيب أو انتظام. لهذا السبب، يحتاج المرء إلى النظر بشكلٍ أدق إلى ما يمكن تسميته الدولة العميقة في الولايات المتحدة. ذلك أنَّ ترامب لا يحكم بهواه ولوحده، بل هو يجلس على بنية أميركية ما، وهذه تتمثل في أكبر جيش في تاريخ البشرية، وأكبر إدارة عمليات تجسّس وتخريب.

* تُسهم “ديبلوماسية” دونالد ترامب في إرساء نظام عالمي جديد. وللأسف، إنه نظامٌ عالمي لا يفتقر إلى مكان للولايات المتحدة فيه فحسب، بل يُقصيها بعنف. فمن جهة أولى يُسهم هذا النظام العالمي في ازدهار العلاقات بين روسيا والصين، وهي علاقات غير مسبوقة، وكذلك بين الصين والهند وكوريا الشمالية وروسيا. علاقات الولايات المتحدة مع كلٍّ من هذه الدول في تراجع. وتُعدّ العلاقات بين الولايات المتحدة والهند أحدث ضحايا تشكيل النظام العالمي الجديد. كانت الولايات المتحدة مفتاح فهم النظام العالمي الذي نشأ في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولأول مرة منذ 80 عامًا، تقف الولايات المتحدة منعزلة ، ليس فقط في أوروبا، بل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضًا. ولأول مرة منذ 80 عامًا، تفتقر الولايات المتحدة إلى فريق أمن قومي مؤثّر قادر على العمل بشكلٍ وثيق مع رئيسٍ لديه أفكار فريدة حول السياسة العملية. وقد اعتبر موقع “أكسيوس” إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو تنفيذ عملية هيكلة جذرية لـمجلس الأمن القومي خطوة مفاجئة تعكس تحوّلًا عميقًا في هيكل صناعة القرار الأمني الأميركي. وأشار الموقع الأميركي إلى أنَّ عملية الهيكلة تشمل تقليص عدد موظفيه إلى النصف تقريبًا، ونقل كثير من صلاحياته إلى وزارتي الخارجية والدفاع. إنَّ شغلَ ماركو روبيو منصبَي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بالإنابة يُشير إلى تفاقم المشكلة. ونتيجةً لذلك، سخّر روبيو سلطاته للحد من تأشيرات الأجانب، وخصوصًاً الطلاب الأجانب، وهو عامل رئيسي في عزلة الولايات المتحدة.

* يُعيد دونالد ترامب، تنظيم العلاقات التجارية الدولية من خلال إبرام اتفاقيات وصفقات مع كل دولة. وبذلك، تتخلى الولايات المتحدة عن التعددية التي كانت دعت إليها اتفاقية الغات منذ العام 1947، ثم منظمة التجارة العالمية. كما تسعى واشنطن إلى تقليص عجزها التجاري الهائل من خلال رفع الرسوم الجمركية. إنها سياسة قوة تُمارس بلا خجل، وتُمثل تحوّلًا عن النموذج الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو نموذجُ “العولمة السعيدة”. وهكذا، وقّعت فيتنام “اتفاقية” تُعفي العديد من المنتجات الأميركية من الرسوم الجمركية، لكنها تقبل رسومًا جمركية بنسبة 20٪ على جُزء كبير من منتجاتها المُصدّرة إلى الولايات المتحدة. وقبلت الفيلبين رسومًا جمركية بنسبة 19٪، واليابان 15٪، والصين 30٪، بينما لم تُفرض على المنتجات الأميركية سوى ضريبة بنسبة 10٪ عند دخولها الصين، وقبلت إندونيسيا رسوماً بنسبة 19٪. وحصلت المملكة المتحدة على رسوم جمركية بنسبة 10٪، معتقدةً أنها تُعامل كشريك “خاص” للولايات المتحدة. زارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، المملكة المتحدة في ملعب غولف تابع لدونالد ترامب، ووافقت على فرض ضريبة واحدة بنسبة 15% على الصادرات الأوروبية، مع استثناءات قليلة (المشروبات الروحية، والطائرات، وغيرها)، لشراء ما قيمته 750 مليار دولار من الطاقة الأميركية، واستثمار أكثر من 300 مليار دولار على الأراضي الأميركية. وعلى الرُغم من أنَّ هذه الاتفاقية منحت الشركات الأوروبية حضورًا أقل مما حصلت عليه لندن، إلّا أنها في الواقع فُرضت من قِبَل واشنطن: لقد كانت نصرًا سياسيًا واقتصاديًا لدونالد ترامب. ندد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو (الذي استقال يوم أمس) بـ”الخضوع”، بينما وصفها فيليب تشالمين (خبير اقتصادي وأستاذ في جامعة دوفين) بأنها “أوروبا التي تخلع سراويلها”، لاعتقاده أن لدى أوروبا الوسائل للدفاع عن نفسها، لكنها لا تزال بحاجة إلى الإرادة، فقد رفضت تطبيق حزمة من الإجراءات التي تفرض ضرائب على بعض المنتجات الأميركية. ووصف الفرنسيون هذه الاتفاقية بـ”الصفقة السيئة”، فيما أعلن المستشار الألماني خشيته من تداعياتها على اقتصاد بلاده.

* فلسطين: بذل ترامب جهدًا كبيرًا لعزل الولايات المتحدة في المجتمع الدولي. وكان آخر إجراء له هو رفض وإلغاء حضور أعضاء السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ويأتي هذا في وقت تخطط دول حليفة رئيسة للولايات المتحدة (بريطانيا وفرنسا وكندا وأوستراليا) للانضمام إلى 147 دولة عضوًا في الأمم المتحدة تعترف بالفعل بدولة فلسطينية. ويُعدّ رفض منح تأشيرات لمنظمة التحرير الفلسطينية انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة لعام 1947، الذي ينص على أنَّ الولايات المتحدة “لن تفرض أي عائق” على سفر ممثلي بعثات الأمم المتحدة إلى “منطقة المقر” في مدينة نيويورك. سيؤثر حظر التأشيرات هذا على أكثر من 80 فلسطينيًا، بالإضافة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. (في العام 1988، اجتمعت الجمعية العامة في جنيف حتى يتمكن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من إلقاء كلمة أمام الجمعية). كما علقت إدارة ترامب جميع أنواع التأشيرات لجميع الفلسطينيين.

لقد ساهمت كلٌّ من إدارتَي ترامب وبايدن في عزلة الولايات المتحدة وتهميشها في المجتمع الدولي بتواطؤهما في الإبادة الجماعية الإسرائيلية الدنيئة للفلسطينيين في غزة. ستؤدي خطة ترامب لما بعد الحرب، المستوحاة من فكرته لجعل غزة “ريفييرا الشرق الأوسط”، إلى إنشاء وصاية أميركية على غزة لمدة عشر سنين على الأقل، بينما يتم تحويلها إلى منتجع سياحي. وحدهم أقطاب العقارات مثل ترامب وصهره جاريد كوشنر وستيف ويتكوف قادرون على طرح مثل هذه الفكرة الساخرة والاستغلالية. إنَّ حقيقة أن بعض الإسرائيليين أنفسهم الذين أنشَؤوا مؤسسة غزة الإنسانية المعطلة، والتي فشلت في توزيع الغذاء على الجماهير الجائعة في غزة، تُكمل الصورة البشعة للإبادة الجماعية الإسرائيلية. في هذه الأثناء، يستمر الدمار في غزة في التراكم، ويواصل الإسرائيليون المخادعون إنكار وجود المجاعة لا بل ويتهمون الأمم المتحدة بالكذب في هذا الشأن.

تحالف شرقي جديد؟

أ- العلاقات الصينية-الروسية-الهندية: لم يسبق للصين وروسيا أن كانتا على علاقةٍ وثيقة كما هي اليوم. هناك أسبابٌ متعددة لذلك، لكن تصرّفات إدارة ترامب أساسية في ترسيخ هذه العلاقات الوثيقة. تُعدّ التدريبات العسكرية المشتركة جُزءًا أساسيًا من هذا الوضع الجديد، بالإضافة إلى التبادل السخي للمعلومات العسكرية والأسلحة. يتناقض التقارب بين موسكو وبكين مع الخلاف المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا.

ب- الصين وروسيا والهند: شهدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون (وهي مجموعة أمنية أوراسية بقيادة موسكو وبكين) في الفترة من 31 آب (أغسطس) إلى 1 أيلول (سبتمبر) 2025 في تيانجين بالصين، زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للصين لأول مرة منذ سبع سنوات. ومرة ​​أخرى، كان ترامب هو المحفّز لقرار مودي بسبب سياساته الجمركية، وحصوله على ذريعة كاذبة لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان قبل أشهرٍ عدة. لعبت ديبلوماسية شي دورًا رئيسًا في تقريب الهند من كل من موسكو وبكين. وقد استفاد شي من ضمان عدم انضمام الهند إلى سياسة واشنطن الاحتوائية ضد الصين.

ت- الصين وروسيا وكوريا الشمالية: مثّل حضور “كيم جونغ أون” القمة في الصين خطوةً مهمةً في إنهاء الخلاف بين بكين وبيونغ يانغ. كما إنَّ علاقات كيم مع موسكو متينةٌ في ضوء الدعم العسكري من كوريا الشمالية لحرب روسيا مع أوكرانيا. ويُعدّ سوء إدارة ترامب للاجتماع الأخير مع الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، وسياسته التجارية الصارمة مع اليابان، من نقاط التباين الإضافية.

ث- مجموعة دول “بريكس”: انضمت مصر وإثيوبيا وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة دول البريكس المؤسسة، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، في محاولةٍ لتشكيل بديلٍ لمجموعة الدول السبع. أهدافها معاديةٌ للغرب والولايات المتحدة. وقد عززت الإبادة الجماعية الإسرائيلية والتواطؤ الأميركي، بالإضافة إلى سياسات ترامب الجمركية والتجارية، شعبيةَ ومصداقيةَ مجموعة البريكس.

ج- الولايات المتحدة والهند: حتى وقت قريب، كانت الهند، أكبر ديموقراطية في العالم، والولايات المتحدة في طريقهما لوضع سياسةٍ ديبلوماسية واقتصادية ودية ومتبادلة، حيث يمكن للجانبين استيعاب بعضهما البعض. أوقف ترامب هذا النهج السياسي عمليًا بمضاعفة الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية.

(الحلقة المقبلة: هل حقًا سينهض محور الشرق؟)

  • الدكتور سعود المولى هو باحث وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي متقاعد، وهو زميل أول زائر في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية في قطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى