سَوا سَوا يَــلَّا… عَ الهوى سَوا

هنري زغيب*

منذ أَسّسَ الرائدُ المسرحي أَنطوان ملتقى قسمَ المسرح في معهد الفنون (الجامعة اللبنانية قبل ستين عامًا: 1965)، وهذا القسم يرفُد المسرح اللبناني بممثِّلين ومخرجين وتقْنيين من الدرجة الأُولى، منهم مَن لا يزال حتى اليوم يقدِّم أَعمالًا أَو يديرها، ومنهم مَن غابوا لكنَّ ذكرهم وذكراهم في النبض الحي من الذاكرة الفنية الجماعية في لبنان.

في هذا السياق، تسنَّت لي مشاهدةُ افتتاحِ عملٍ جديدٍ على مسرح مونو الذي حوَّلَتْه جوزيان بولس، بنجاح، منصَّةً لازمةً ضروريةً تجمع بين الأَعمال الاختبارية وتلك المكرّسة العالية الاحتراف. والعملُ الذي شاهدتُهُ كان مسرحية “عَ الهوى سوا” لمجموعة موهوبين تخرَّجوا قبل سنواتٍ من معهد الفنون، قسم المسرح، الفرع الثاني الذي يُديره اليوم المسرحيُّ المكرَّس غبريال يمين.

“عَ الهوى سوا” مسرحية ساخرة موسيقية غنائية من كتابة وإِخراج سامر حنّا. لفَتَني لديه إِيقاعُه المضبوطُ كتابةً، والمنضبطُ إِخراجًا في إِدارة ممثِّليه، وتحريكُهم في تناسقٍ سريعٍ يتوازى بدقَّةٍ انسيابية موفَّقة بين المسرح والشاشة.

تبرز جوانَّا طوبيَّا في دور كاتيا، متمكِّنةً أَداءً حواريًّا، وتمثيلًا تعبيريًّا صامتًا، ومشيرةً إِلى ممثِّلة قديرة عملًا بعد عمل، لِما أَبدتْه من وفاء للنص وأَداء للإِخراج تَعِدُنا بهما لتتكرَّسَ من الدرجة الأُولى في سجلِّنا المسرحي، وهي كتبَت نصوص الأَغاني في المسرحية بأُسلوب سلسٍ ساهم  بالأَداء الـمُغَنَّى في إِبراز هوية المسرحية الغنائية.

ويردفها شربل أَبي نادر بدور كريم، فيُلاقيها بإِيقاع مشدودٍ في أَدائه التمثيلي، ما يُبْقيه متناسقًا مع سرعة النص وسرعة تنفيذه، وما يجعله هو الآخر مهيَّأً ليتَّخذ مكانه قريبًا في عداد ممثلين يرتَقون النجاح ويحافظون عليه.

ومعهما، كانت إِطلالاتُ ماريَّا بشارة المرحة اللعوب في شخصية “رَشَاليشوس”، أَدَّتْها بأَمانة حركية تجذب المشاهدين إِليها ممثلةً محبَّبةً بكاركتير محبَّب.

بقي جاد حرب الذي كانت إِطلالاته موفَّقَةً بدعواته الجمهورَ إِلى التصفيق أَو الضحك، في حركة عفوية تتداخل مع المشاهد المتلاحقة، ومع خطوات كوريغرافيةٍ دقيقةِ التوزيعِ تشي به كوريغرافيًّا موهوبًا إِلى موهبته ممثلًا.

هكذا تمضي مسرحية “عَ الهوى سوا مع كاتيا وكريم” (حتى آخر هذا الشهر على مسرح مونو) ناقلةً في ذكاء تأْليفي وإِخراجي قصة كاتيا ونديم: مذيعَين يَبدُوَان زوجَين متناغمَين أَمام الكاميرا في برنامجهما الصباحي، فيما هما واقعًا على طريق الطلاق النهائي كما نَفهم في وقفات الإِعلان خلال تقديمهما البرنامج، إِلى أَن يُطْلقا المفاجأَة الزَهرية في آخر الحلقة من برنامجهما وفي نهاية المسرحية.

وكما ذكَرتُ في البداية، نحن في مسرح “مونو”، على مواعيدَ متتابعةٍ من الأَعمال المسرحية التي تبشِّرنا بظهورِ مواهبَ تمثيليةٍ وإِخراجيةٍ واعدةٍ بمستقبل مُشْرق مُثْمر للمسرح في لبنان.

ومسرحية “عَ الهوى سوا” لسامر حنا، عنوان مُضِيْءٌ واعدٌ لتلك المواهب.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى