أَحمد شوقي في لبنان: “أَيُّنا اليومَ أَشْعَرُ”؟
هنري زغيب*
تصادف هذا الأُسبوع ذِكرَيَان لأَحمد شوقي: ولادتُه في السادس عشر من هذا الشهر سنة 1868، ووفاتُه في الثالث عشر من هذا الشهر سنة 1932. في هاتَين الذِكرَيَين، تحضُرني علاقته بلبنان، هو الذي، بين كثير ما قال فيه، جاء في إِحدى قصائده:
لبنان والخلْدُ اختراع الله لم يُوسَمْ بأَزَيَنَ منهما ملَكُوتُهُ
هو ذُروة في الحسْن غيرُ مرومةٍ وذُرى البراعة والحِجى بيروتُهُ
وكانت له في لبنان ذكريات، منها الفَرِحة، يوم أَقام على شرفه رئيسُ الجمهورية شارل دباس سنة 1927 احتفالًا دعا إِليه نخبة سياسيين وصحافيين، ومنها المقلقةُ يومَ زيارته جريدةَ “المعرض” ولقائه أَركان”عصبة العشرة”ومعاتَبَتِه الياس أَبو شبكة لأَنه كان انتقدَ مسرحيته “مجنون ليلى”، ومنها المأْساوية يومَ انقلبَتْ به السيارة وهو في طريقه إِلى عاليه تلبيةً دعوةَ غداء هيَّأَها له الرئيس شارل دباس سنة 1930.
ولشوقي في زحلة محطَّتان: الأُولى سنة 1925 يومَ زارها واحتفى به أُدباؤُها، ومنهم شفيق معلوف الذي أَلقى فيه قصيدة ترحيب، فاغتبطَ شوقي ووعدَهم بأَن يعود إِلى زحلة مجدَّدًا وله فيها قصيدة. وهكذا كان: بعد سنتَين (1927) وكان شوقي تُوِّجَ عامئذٍ أَميرَ الشعراء، عاد إِلى زحلة ومعه قصيدتُه عنها في واحدٍ وخمسين بيتًا، مطلعُها: “شيَّعتُ أَحلامي بقلبٍ باكِ ولمحْتُ من طُرُق الملاحِ شِباكي”، ومنها لحَّنَ محمد عبدالوهاب أَبياتًا اختارها، بدءًا من البيت العاشر في القصيدة وفيه: “يا جارةَ الوادي طرِبْتُ وعادَني ما يُشبهُ الأَحلامَ من ذكراكِ”، وبعده تسعةُ أَبيات مختارة أُخرى يختَتِمُها هذا البيت: “لا أَمسِ من عُمْر الزمانِ ولا غدٌ جُمِعَ الزمانُ فكان يومَ رضاكِ”.
لكنَّ في القصيدة أَبياتًا أُخرى جميلةً عن زحلة لا يعرفها معظم الناس، منها:
بِنتَ البِقاعِ وأُمَّ بَردُونيِّها طِيبِي كَجِلَّقَ واسكُبي بَرَداكِ
قسَمًا لو انتمت الجداولُ والرُّبا لَتهلَّل الفردوسُ ثم نَماكِ
مَرآكِ مَرآهُ وعَينُكِ عُينُهُ لِـمَ يا زُحيلةُ لا يكون أَباكِ
فكَّرتُ في لبنِ الجِنانِ وخمرِها لما رأَيتُ الماءَ مسَّ طِلاكِ
أنتِ العروسُ على مِنصَّةِ جِنحِها لُبنانُ في الوَشيِ الكريم جَلاك
ضمَّت ذراعَيها الطبيعةُ رِقَّةً صِنِّينَ والحرَمونَ فاحتضَناكِ
شرفًا عروسَ الأَرزِ كلُّ خريدةٍ تحتَ السماءِ من البلادِ فِداكِ
ركَزَ البيانُ على ذُراكِ لِواءَهُ ومشى ملوكُ الشعرِ في مَغناكِ
ولعل أَجملَ ما في هذه القصيدة الخمسينية الأَبيات ختامُها بهذين البيتين:
إِن تُكْرِمي يا زَحلُ شِعريَ إِنني أَنكرتُ كلَّ قصيدةٍ إِلَّاكِ
أَنتِ الخيالُ بَديعُه وغريبُهُ اللهُ صاغَكِ والزمانُ روَاكِ
غير أَن لبنانَ ردَّ له وفاءَ زحلة بعد 45 سنة في قصيدة سعيد عقل عن شوقي (1972) في مطعم عرابي الذي كان هو ذاته شهد إِلقاءَ القصيدة سنة 1927، ومطلعُ القصيدة: “على اسمكَ بين الحور أَغوى وأَهدُرُ… أَنا النهرُ، شوقي، أَيُّنا اليومَ أَشعَرُ”؟
وفي هذا الوفاء، حضورُ لبنانَ الذي غنَّاهُ شوقي، بشغَفٍ ربما جعَلَهُ يَشعُر بفوقيةِ إِمارة الشعر، حتى ردَّه سعيد عقل إِلى الشاعر دون الإِمارة ومبايعاتها، ما يَجعلُنا فعلًا نَتَساءَل مع سعيد عقل مخاطبًا شوقي: “أَيُّنا اليومَ أَشْعَرُ”؟
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib