عراقجي يُفاوِضُ ويتكوف في بيروت

محمّد قوّاص*

غير صحيح أنَّ وزير خارجية إيران عباس عراقجي قد تفاجأ مما سمعه في لبنان من المسؤولين اللبنانيين. لم تَكُن مواقف رئيس الجمهورية جوزيف عون منذ خطاب قسمه الشهير مُفاجِئة. ولم تَكُن مواقف رئيس الحكومة نوّاف سلام، وهو الذي أعلن انتهاء تصدير الثورة في إيران، مُفاجِئة. ولم تكن مواقف وزير الخارجية يوسف رجي، وهي سليلة أدبيات “القوات اللبنانية”، مُفاجِئة. جاء الوزير الإيراني خصّيصًا ليسمع ذلك الكلام ويُدلي بدلوٍ عاجل.
لا تَخرُجُ زيارة الوزير الإيراني عن الهندسات المطلوبة على طاولة مفاوضات إيران مع الولايات المتحدة. يوزّعُ الوزير على العواصم العربية بين جلسات التفاوض المواقف ويستدرجُ من زياراته ودَّ بيئةٍ إقليمية تحتاجها إيران في مواجهة المفاوض الأميركي ستيف ويتكوف. ولئن تنصُتُ واشنطن بعناية للجلبة في بيروت بشأن جدل نزع سلاح “حزب الله”، وهو سلاحٌ قراره في إيران، فإنَّ عراقجي حمل معه مجموعةً من العبارات ليلقي بها أمام الأميركيين وفي وجه ويتكوف بالذات قبل الجلسة السادسة التي لم يتحدّد موعدها بعد.
يعرفُ الوزير الإيراني أن “هلال” بلاده في المنطقة قد أفَلَ، وانقطعَ “إلى الأبد” حبلُ الوصل الاستراتيجي بين طهران وبيروت. قضى التحوّل السوري على امبراطورية الوليّ الفقيه. لم تعدّ بيروت عاصمة من عواصم إيران في المنطقة. لا يُخرج وزير طهران كلماته في بيروت من جعبةِ ودٍّ هابط، بل لأنَّ موازين القوى لا تسمح إلّا بالمُتاح والمسموح وقد استنتج ذلك جيدًا وهو الآتي من زيارةٍ للقاهرة ولقاءٍ مع الرئيس المصري.
عرض عراقجي بضاعته على عجل، ومنذ أن وطأت قدماه أرض مطار “رفيق الحريري”. بالغَ حتى بدا الأمرُ مُصطَنعًا ثقيلًا في الوعد بفتحِ صفحةٍ جديدة مع لبنان تُحترم فيها سيادته ووحدته واستقلاله. كاد يقسم أنَّ إيران لن تتدخّلَ في شؤون لبنان وستحترم وتقبل ما يتوافق اللبنانيون عليه. مَن لم يؤمن بمضمونِ الكلام هزّ رأسه واعيًا لما تمتلكه إيران من نفوذ لدى بعض اللبنانيين لكي تُعطِّلَ من خلالهم نعمةَ التوافُق.
وفق عراقجي، فإنَّ حلَّ أزمةِ سلاح الحزب شأنٌ لبناني. كلامُ حقٍّ ملتبس يوحي لويتكوف وصحبه بنفوذ تتعفّف إيران عن استخدامه. تُقدّمُ طهران لواشنطن أوراقَ اعتمادٍ في ملفّات المنطقة. كان ذلك مخطّطها منذ أن تمددّ نفوذها في المنطقة وانتشرت أذرعها تفرض إيران حاملةً لمفاتيح الربط والحلّ. فقدت مونتها في غزّة. خفُتَ وهجها في العراق. أضاعت نهائيًا سوريا، وهي ما زالت تتحسّس ما تبقّى لها من نفوذ في لبنان لبيع المفاوض الأميركي سلّة من النوايا الحسنة توحي بجهودٍ “معلّقة” لتنفيد القرار الأممي 1701 العزيز على قلب واشنطن وبيروت طبعًا.
شتّان بين زيارة عراقجي الأخيرة وزيارته وزيارات مستشار المرشد على لاريجاني ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف في خريف العام الماضي. بدا المسؤولون الإيرانيون المتناوبون على زيارة بيروت يفرضونَ بغطرسة على حكومة البلد قرار وقف الحرب من عدمه، ويمنعون عن لبنان سلمًا إذا لم يترافق مع سلمٍ في قطاع غزّة. كانت طهران تعلن عن تموضعها في ذلك الحين من بيروت، وهو تمامًا ما يفعله عراقجي هذه الأيام في الإعراب عن تموضع إيراني جديد، أيضًا من بيروت.
قبل أيام نقل إعلام فرنسي عن مصادر في العراق أنها سمعت من مسؤولين إيرانيين كلامًا “سوداويًا” بشأن “حزب الله”. قالت المصادر إن طهران عاجزة عن ردِّ قدرٍ دولي يقضي بنزع سلاح الحزب. بدا الوزير في بيروت ينقل مناخًا ربما فهمه الحزب نفسه حين لم يُسمَع على لسان عراقجي لا ذكرًا للحزب، ولا ذكرًا ل”المقاومة”، ولا حتى حقّها في الديمومة والبقاء.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى