أينَ مسعد بولس؟
السفير يوسف صَدَقة*
عندما أعلن الرئيس المُنتَخَب في حينه دونالد ترامب في بداية كانون الأول (ديسمبر) الفائت نيّته تعيين والد زوج ابنته، مسعد بولس، مستشارًا لشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط، بعدما نجح في مهمّته بإقناع الجالية العربية والإسلامية للتصويت لترامب، عمّت الفرحة لبنان، وخصوصًا قرية كفر عقّا حيث ولد، وملأت مقابلاته التلفزيونات والصحف الللبنانية والعربية.
وفجأةً، بعدما بدأ ترامب ولايته الثانية في 20 كانون الثاني (يناير) غاب بولس عن السمع، ولم نَعُد نسمع عنه أو منه شيئًا. فماذا حدث؟
تُفيد الانباء الواردة من واشنطن، بأنَّ هناك ضغوطًا كبيرة بُذِلَت من اللوبي اليهودي ومورست على ترامب منذ إعلانه عن نيته تعيين بولس كمستشارٍ لشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط في البيت الأبيض وطلبت منه عدم الإقدام على هذا التعيين، لا سيما وأنه مركزٌ يشغله دائمًا يهودي. ويبدو أن هذه الضغوط فعلت إلى حدٍّ ما فعلها، خصوصًا بعدما نُشِرَ خبرٌ بأن بولس اجتمع مع محمود عباس، ومن ثمّ أعلن في إحدى المقابلات التلفزيونية بأنه لا مانع من تأجيل الانتخابات اللبنانية وعدم التسرُّع في إنتخاب رئيس للجمهورية. “مَن انتظرَ سنتين يستطيع أن ينتظرَ أسبوعين إضافيين”، على حد قوله. الأمر الذي أثار حفيظة سفيرة أميركا في لبنان ليزا جونسون التي كانت تعمل مع لجنة الدول الخمس للإسراع في انتخاب رئيس للبنان، حيث كتبت تقريرًا يومها إلى إدارة جو بايدن قالت فيه بأنَّ بولس يتدخّل بمهمّتها ولم يتم تعيينه رسميًا بعد.
وتفيد المعلومات أنَّ ترامب لم يُعلن رسميًا عن تعيين والد صهره في المركز الموعود، بل عيّن إريك تريغر منسّقًا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مجلس الأمن القومي، وهو الشخص الذي يقرر سياسة المنطقة في البيت الأبيض.
وتُضيف المعلومات أن بولس ما زال مُقرَّبًا من ترامب لكن دوره صار خاصًا حتى الآن ومُحدَّدًا بأخذ الرأي حول الشؤون اللبنانية.
تجدر الإشارة إلى أنَّ ترامب كان أعلن ردًّا على سؤال عن ثروة بولس بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، أنَّ شركات مسعد بولس تساوي قيمتها مليارات الدولارات من دون أن يُحدّد علاقة بولس المباشرة بها، الأمر الذي دفع بصحيفة نيويورك تايمز إلى نشر مقال زعمت فيه بأن بولس لا يتمتع بملاءة الملياردير.
وهذا بدوره أجبر فريق ترامب للمرحلة الانتقالية على نفي وتكذيب ما ورد في مقال نيويورك تايمز. حيث ادّعى الفريق أنَّ الحملة الصحافية على عائلة بولس، تهدفُ الى صرف النظر عن البرنامج الرئاسي المُهم للرئيس ترامب. وقد اضافت نيويورك تايمز ان بولس قدّم نفسه كمحامٍ بارع ورجل اعمال ناجح، في مجتمع الاعمال، وقد تناولت وسائل الاعلام سيرة مسعد بولس، وشركة بولس (Boulos Enterprises) التي تُقَدَّر قيمتها ب865 مليون دولار.
أشارت الصحيفه ايضًا أنَّ بولس أكد في تصريح لها في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، أنَّ شركاته تساوي قيمتها مليارات الدولارات، ولم يعلق بولس على ارتباطاته بشركات بولس الأخرى، واضاف للصحيفة انه تعوّد على عدم الردّ على التعليقات التي تتناول شركاته.
وقد نفى الفريق الانتقالي للرئيس ترامب مضمون مقال نيويورك تايمز، واعتبر أنَّ بولس رجل أعمال محترم، وقد خدم كمدير عام لشركات عدة لأسرته في أفريقيا الغربية لمدة 27 عامًا وأن عائلته وظّفت آلاف العمّال في جميع أنحاء العالم.
كما أفاد البيان أنَّ بولس يحمل شهادة في التجارة والقانون، وأضاف أنَّ “Scoa Nigeria PLC” التي تخص بولس وفضول (عائلة زوجته)، طورت شركات فرعية قيمتها مليار دولار ومئات الملايين من اليوروات.
لا شك أنَّ الرئيس ترامب قد استفاد من المفاوضات التي اجراها بولس مع الجاليات العربية والاسلامية في ولاية ميتشيغان وغيرها، لحشد الدعم للرئيس في الانتخابات الرئاسية، وقد منحته وسائل الاعلام الاميركية حيّزًا من الاهتمام.
إلّا أنَّ تصريحاته الكثيرة لوسائل الإعلام اللبنانية والعربية ولا سيما حول تأجيل انتخابات الرئاسة اللبنانية لموعد آخر، حمل بعض المسؤولين الاميركيين على الاعلان عن تحفّظه على مواقفه، وطالب الرئيس ترامب بالحدّ من صلاحياته، وقد قام اللوبي اليهودي بالضغط على ادارة الرئيس ترامب لإزاحته عن الصورة لأن بولس يؤيد القضية الفلسطينية في المواقف التي يعبّر عنها لوسائل الاعلام.
في المحصّلة النهائية، يبدو أنَّ بولس قد دفع ثمن دفاعه عن القضية اللبنانية، وحماسته لانتشال لبنان من أزمته، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أهمية اللوبي الاسرائيلي والدولة الأميركية العميقة. في المقابل فإنَّ الصهر الثاني لترامب جاريد كوشنر، فقد صمد في الولاية الأولى لترامب بسبب دعم اللوبي اليهودي له في واشنطن. وقد أُبعِدَ في هذه المرحلة، نظرًا لارتباطاته المالية وعلاقاته بمجتمع الأعمال في المملكة العربية السعودية، وذلك بدون إعلام الرئيس ترامب بشكلٍ تفصيلي عن طبيعة وحجم أعماله في المملكة.
على صعيدٍ آخر دفع الدكتور وليد فارس والذي كان من فريق الرئيس ترامب في الفترة الاولى، ثمن طموحاته وادعاءاته عن قربه من الرئيس. وقد عبّر عن ذلك في تصريحاته المدوية معتبرًا نفسه وكأنه الناطق بإسم الرئيس، بينما كان في الواقع يعبّر عن حماسته، ومواقفه الشخصية، ما أدى الى عزله من الفريق الرئاسي.
وعليه فإن الدكتور مسعد بولس قد أُبعد عمليًا عن ساحة الشرق الاوسط بشكلٍ عام، إلّا أنَّ الإدارة الأميركية الجديدة تركت له مهمّة التعاطي مع الملف اللبناني، بالتنسيق معها. وقد أفادت معلومات غير مؤكدة من واشنطن ان بولس يتطلّع في المستقبل إلى دور على الساحة اللبنانية كالترشّح للانتخابات اللبنانية او الانضمام الى الحكومة بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
- السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني متقاعد.