كيفَ رَسَمَ السلطان هيثم بن طارق طريقَ المستقبل لسلطنة عُمان خلال خمس سنوات
شهدت سلطنة عُمان في عهد السلطان هيثم بن طارق سلسلةً من التعديلات والإنجازات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وذلك ضمن رؤيةٍ واضحة تهدفُ إلى تعزيز الاستقرار، وتحقيق التنوّع الاقتصادي، وتطوير الأداء الحكومي.
وعمل السلطان هيثم منذ توليه مقاليد الحكم، في 11 كانون الأول (يناير) 2020، على تعزيز الاستقرار الداخلي، وتطوير السياسات الاقتصادية، وتقوية العلاقات الدولية، مع الحفاظ على المبادئ الراسخة التي تميّزت بها سلطنة عُمان طوال عقود.
النهضة الاقتصادية
شهد الاقتصاد العُماني تطوّرات كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعكس نجاح جهود التنوُّع الاقتصادي والاستدامة المالية.
وتشير وكالة الأنباء العُمانية إلى أنَّ حكومة السلطان هيثم بن طارق نجحت في تعزيز الإيرادات غير النفطية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، ودعم نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما جذب مزيدًا من الاستثمارات، وحفّز القطاع الخاص كفاعلٍ رئيس في التنمية الاقتصادية.
كما عملت الحكومة العُمانية على إعادة التوازن المالي من خلال خطة متوسّطة المدى (2020-2024) استهدفت تقليص العجوزات المالية وضمان الاستدامة، تضمّنت الخطة سياسات لدعم النمو الاقتصادي، تنويع مصادر الإيرادات، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي. وتكللت الجهود بإطلاق البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي (2023-2025)، الذي يهدف إلى توفير حلول تمويلية مبتكرة لدعم النمو الاقتصادي.
ونفذت السلطنة مشاريع استراتيجية بارزة مثل مصفاة الدقم، والسوق المركزي “سلال”، ومجمع تعليب الأسماك في الدقم، كما عززت مشاريع الطاقة المتجدّدة والابتكار التكنولوجي جهود التنويع الاقتصادي، بما يحقق تنمية مستدامة تشمل جميع المحافظات.
كما شهدت عُمان تحسّنًا كبيرًا في مؤشرات الدين العام، حيث انخفض إلى نحو 34% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2024 مُقارنةً بـ67.9% في العام 2020. وأسهمت هذه النتائج في تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة وفقًا لمؤسسات تصنيف دولية مثل “ستاندرد آند بورز”، و”فيتش”، و”موديز”، التي رفعت تصنيفاتها بنظرةٍ مُستقرّة وإيجابية.
وللقطاع الخاص العُماني دورٌ محوري في دعم الاقتصاد من خلال مبادرات مثل البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية “نزدهر”.
ويعكسُ هذا التوجه التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص، مما يعزز قدرة السلطنة على جذب استثمارات جديدة وزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى النسبة المستهدفة 60%.
كما تقدمت عُمان في مؤشّرات دولية عدة، أبرزها مؤشر الحرية الاقتصادية ومؤشر الأداء البيئي، فضلًا عن إدراجها لأول مرة ضمن قائمة أكثر 25 سوقًا ناشئة جاذبة للاستثمار وفق مؤشر “ثقة الاستثمار الأجنبي المباشر”.
وأظهرت البيانات الاقتصادية نموًّا مطردًا في السيولة المحلية وإجمالي الودائع والائتمان، إلى جانب ارتفاع مؤشر بورصة مسقط، كما تحسّنَ الحسابُ الجاري ضمن ميزان المدفوعات، مُحقّقًا فائضًا ملحوظًا بفضل ارتفاع أسعار النفط وزيادة الأنشطة غير النفطية.
رؤية طموحة
وبحسب وزير الاقتصاد العُماني سعيد بن محمد الصقري، فإنَّ الإجراءات التي اتُّخِذت في العام 2020 شكّلت نقطة انطلاق محورية لتحقيق رؤية عُمان 2040، حيث أسهمت في ترسيخ ركائز أساسية مكّنت السلطنة من تحقيق إنجازات بارزة على الصعد كافة.
وقال الصقري لوكالة الأنباء العُمانية (8 كانون الأول/يناير) إنَّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ودمج الاستثمارات الحكومية تحت مظلة جهاز الاستثمار العُماني، أسهمت في تعزيز كفاءة إدارة الموارد الوطنية، ما أثمرَ عن قدرة البلاد على مواجهة التحديات الناتجة عن جائحة “كوفيد-19″، سواء على الصعيد الصحي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
كما أشارَ إلى أنَّ نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفعت إلى 10.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مساهمة استثمارات القطاع الخاص إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح أنَّ القيمة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، بنهاية الربع الثاني من العام 2024، نحو 26 مليار ريال عُماني (67.5 مليار دولار)، مع تدفُّقات جديدة بلغت نحو 3.9 مليارات ريال عُماني (9.4 مليارات دولار) مُقارنةً بالفترة نفسها من العام 2023.
ومنذ أن تولى السلطان هيثم مقاليد الحكم، في كانون الأول (يناير) 2020، كان إطلاق رؤية “عُمان 2040” أحد أبرز ملامح عهده، وتُمثّل هذه الرؤية الطموحة خريطة طريق واضحة تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، مع التركيز على تقليل الاعتماد على النفط كمصدرٍ رئيس للإيرادات.
خطوات مهمة
يؤكد الباحث حارث سيف الخروصي أنَّ سلطنة عُمان شهدت في السنوات الخمس منذ تولي السلطان هيثم الحكم، تغييرات إيجابية كبيرة في مجالات عديدة، في الجانب الاقتصادي والإداري والسياسي.
ويضيف أنَّ “الدولة استطاعت خفض مديونياتها العامة إلى مستوى آمن، كما عملت على ضبط الإنفاق العام في كافة المجالات، وتوجيه الاستثمار بما يخدم الصالح العام ويكون له عائدٌ مباشر وطويل المدى على الاقتصاد المحلي”.
كما يوضح الخروصي أنه “أُجرِيَ أيضًا تغييرٌ في الجهاز الإداري للدولة تمثّلَ في خطواتٍ كبيرة، منها السلطة الكبيرة التي مُنحت للمحافظات والمحافظين، وأصبحت هناك مشاريع تنموية مختلفة في مختلف أرجاء عُمان”.
وحول التغير السياسي يلفت إلى أنَّ السلطنة أصبحت خلال السنوات الأخيرة أكثر انفتاحًا على العالم، حيث أجرى السلطان هيثم زيارات مهمة، سواء كانت زيارات إقليمية أو دولية، لترسيخ العديد من الاتفاقيات الخاصة، التي يدور معظمها حول المجال الاقتصادي والاستثمار المُتبادَل.
كما يشير إلى أن “عُمان وقّعت كثيرًا من المعاهدات والاتفاقيات مع الدول خلال فترة حكم السلطان هيثم، وفي مجالاتٍ مختلفة، بهدف جذب الاستثمار إلى السلطنة أو عمل استثمارات مشتركة”.
ويؤكد الخروصي أنَّ سلطنة عُمان تخطو خطوات مهمة اليوم، وفق أهداف طويلة المدى، لإعادة هيكلة الدولة وضبط الهيكل الإداري والمالي.
تغييرات سياسية وإدارية
عملت عُمان خلال السنوات الماضية على الموازنة بين الديبلوماسية والسياسات الداخلية، بما يدعم الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، وفق نموذجٍ فريد في العمل السياسي.
وذكرت صحيفة “عُمان” المحلية أنَّ عهد السلطان هيثم بن طارق شهد نهجًا جديدًا في سياسة التحديث، شمل إعادة هيكلة مجلس الوزراء وتعيين قيادات شابة في مواقع قيادية.
كما أدّت هذه الخطوات إلى ضخِّ طاقاتٍ جديدة داخل المؤسسات الحكومية وإبراز رؤى مبتكرة ترتكز على تعزيز الابتكار وتحديث أساليب العمل.
وانتهجت السلطنة أيضًا مسار تعزيز اللامركزية في إدارة المحافظات، حيث مُنح المحافظون صلاحيات أوسع لإدارة شؤون محافظاتهم، والمشاركة الفعّالة في صياغة ومتابعة خطط التنمية.
وقد أسهم هذا التوجه في تحقيق تناغُمٍ أكبر بين مختلف المناطق الجغرافية، مع تعزيز المشاركة المجتمعية في دفع عجلة التنمية الشاملة نحو تحقيق الأهداف الوطنية.
كما شهدت عُمان، خلال السنوات الخمس، عملية إعادة هيكلة شاملة للجهاز الإداري للدولة بهدف تحقيق الكفاءة والشفافية، وتم دمج وإلغاء بعض المؤسسات الحكومية لتقليل البيروقراطية، كما تم تحديث القوانين والتشريعات بما يتماشى مع تطلعات رؤية “عُمان 2040”.
وعلى الصعيد الدولي حافظت السلطنة على سياستها التي تقوم على الحياد الإيجابي وعدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، والاحترام المتبادل مع دول العالم، لتصبح وسيطًا مؤثّرًا وموثوقًا في النزاعات الإقليمية والدولية.
وأظهرت عُمان التزامًا متزايدًا بالمعايير العالمية لحقوق الإنسان من خلال الانضمام إلى اتفاقيات دولية جديدة مثل اتفاقية مناهضة التعذيب.
كما عملت الحكومة على تعزيز الديبلوماسية الاقتصادية من خلال توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مع العديد من الدول، ما أسهم في توسيع العلاقات الاقتصادية العُمانية وتعزيز دورها في سلاسل الإمداد العالمية.