هل يَرتَكِبُ “حزبُ الله” الخطأَ الذي ارتكبهُ بشّار الأسد؟
مايكل يونغ*
مع انهيارِ نظامِ بشار الأسد في سوريا، كانَ “حزبُ الله” وإيران يُراقبان الوَضعَ عن كثب لمعرفةِ كيف سيؤثّر هذا على خطوطِ إمداد الأسلحة بين العراق ولبنان. وحتى قبل فرار الأسد من عاصمته، لا بُدَّ أن الأخباَر التي وردت يوم الجمعة الفائت عن استيلاء “قوات سوريا الديموقراطية”، حليفة الولايات المتحدة، على معبر البوكمال كانت قاسية، الذي كان يُستَخدَمُ لإعادة تسليح “حزب الله”.
على نطاقٍ أوسع، ما تشهده المنطقة الآن هو شلّ ما يُسَمّى ب”محور المقاومة” الذي بنته إيران ب”دموع العين” على مَرِّ السنين – التحالف الإقليمي للدول والجهات الفاعلة غير الحكومية، بما فيها “حزب الله” في لبنان، و”حماس” في الأراضي الفلسطينية، وسوريا تحت حكم الأسد، وقوات الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، فضلًا عن الميليشيات الإسلامية الطائفية من أفغانستان وباكستان.
في أعقابِ الهجومِ الذي شنّته “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام المنصرم، سعت هذه الشبكة إلى الرَدِّ بطريقةٍ مُنَسَّقة على الانتقامِ الإسرائيلي ضد غزة. وقد فعلت ذلك تحت مظلّةٍ استراتيجية بالغة الخطورة ابتكرتها إيران مع حلفائها تحت مسمّى “وحدة الساحات”، والتي تنصُّ على أنه إذا هاجمت إسرائيل عضوًا واحدًا من “محور المقاومة”، فإنَّ الأعضاءَ الآخرين سوف يتدخَّلون لدَعمِ حليفهم.
كانت العواقبُ والتداعيات كارثيةً بالنسبة إلى المحور. ومن عجيبِ المُفارقات أنَّ الأسد بدا وكأنه توقَّعَ المخاطر، وحاول توجيه سوريا بعيدًا من الحَربَين في غزة ولبنان. لكن هذا لم يكن لينقذه، لأنَّ تقويضَ الصراع اللبناني لواحدة من الركائز الأساسية التي تدعم حكمه، ألا وهي “حزب الله”، ربما كان دافعًا في تسريع الهجوم على المناطق التي كانت تُسيطرُ عليها حكومته في ذلك الوقت، حتى لو لم يكن السبب بالضرورة.
في لبنان، وحتى سقوط الأسد، كان “حزب الله” وإيران يسعيان دائمًا إلى العودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. كان هناكَ شيءٌ من عدم الواقعية في مثل هذا التفكير، وخصوصًا بعد أن شنَّ الإسرائيليون هجومهم على لبنان في أيلول (سبتمبر)، والذي استهدف “حزب الله” وأدى إلى مقتل أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله. وعلى الرُغم من أنَّ البيئة قد تغيَّرت، فإنَّ “حزب الله” وإيران أَصَرّا على الإظهار والادّعاء بأنَّ شيئًا لم يتغيَّر.
إنَّ “حزب الله” لا يزال يتبنّى هذا الموقف، حيث يسعى أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إلى الحَدِّ من نطاق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في خطابٍ ألقاه يوم الخميس الماضي، حيث زعم أنَّ القرارَ لا ينطبقُ إلّا على جنوب نهر الليطاني. والواقع أنَّ القرارَ يشملُ أكثر من ذلك بكثير، حيث يشملُ ويُؤكِّد قرارًا آخر، القرار 1559، الذي يهدف إلى نزعِ سلاحِ جميع الميليشيات في لبنان.
لقد أدّت نهايةُ حكم الأسد إلى تحويل السياق الإقليمي بالكامل. ربما لا تزال شبكة تحالفات إيران موجودة على الورق، لكن محورها، سوريا، لم يعد موجودًا. والآن يجد “حزب الله” نفسه معزولًا في لبنان، في مواجهةِ مجتمعٍ تُعارضُ فيه غالبية الفصائل السياسية بشدة احتفاظ الحزب بأسلحته. لقد ولّت الأيام التي كان فيها المسؤولون الإيرانيون قادرين على السفر إلى بيروت لإصدار التعليمات إلى المسؤولين اللبنانيين.
بالإضافة إلى ذلك، ما قيمة “محور المقاومة” إذا كانت إسرائيل أعادت صياغة معادلة الردع بشكلٍ كاملٍ لصالحها؟ وبعبارةٍ أخرى، إذا كانت مهاجمة إسرائيل من شأنها أن تؤدّي إلى تدميرٍ انتقاميٍّ كبيرٍ لأراضي المحور، وخصوصًا إيران نفسها، فما مدى احتمالية انخراط أعضاء المحور في أعمالٍ عسكرية مُستقبلية ضد إسرائيل؟
قد يشعرُ “حزب الله” قريبًا بردود الفعل الغاضبة من جانب الطائفة الشيعية في لبنان. وبالفعل، هناك الكثير من الاستخفاف بإيران داخل الطائفة، التي تشعرُ بأنَّ طهران قد تخلّت عنها. ولن يؤدّي زوالُ الأسد السريع المُريب إلّا إلى زيادة عدم الثقة بين هذه الطائفة و”حزب الله”. وسوف يتساءل كثيرون: ما هي دوافع سنوات التضحية عندما ذهب شباب “حزب الله” الشيعة للقتال والموت في سوريا؟
ما الغرض من فتح “حزب الله” لجبهةٍ مع إسرائيل، بخلافِ دَعمِ إيران ومصالحها؟ إنَّ مساحاتٍ شاسعة من المناطق ذات الغالبية الشيعية في لبنان أصبحت الآن في حالةِ خراب، وكلُّ هذا من أجل الحفاظ على التحالف الذي تقوده إيران والذي انهار وتفتّت مثل بدلةٍ رخيصة في دمشق.
وبدءًا من اليوم، سوف يحتاج “حزب الله” والإيرانيون إلى إعادةِ النظر في استراتيجيتهما الإقليمية برمّتها. فقد كانت قوة إيران راسخة في مجتمعاتٍ مُجَزَّأة في دولٍ عربية مُختَلّة وظيفيًا ــ دولٌ غالبًا ما تمَّ تحريفها لخدمةِ مصالح طهران. وقد أدى هذا بالفعل إلى توليدِ استياءٍ كبير في مختلف المجتمعات في الشرق الأوسط.
إنَّ “حزب الله” أيضًا لا بُدَّ وأن ينخرطَ في إعادة تقييم كاملة لأفعاله في لبنان وسوريا. فلم يَعُد بوسعه أن يتجاهَلَ حقيقةً مفادها أنَّ سلوكه في الداخل أثارَ قدرًا كبيرًا من العداء والاستياء بين مختلف الطوائف، الأمر الذي ترك الحزب وحيدًا في حربه مع إسرائيل. لقد أرغم مقتل نصر الله، وخليفته المفترض السيد هاشم صفي الدين، إيران على الاضطلاعِ بدورٍ قيادي مباشر في “حزب الله”، وهو ما زاد من ابتعاده عن الواقع اللبناني. لكنَّ الحزبَ يرفضُ الآن بعناد الاعترافَ بالخَطَإِ، ومن المرجح أن يستمرَّ في الدفاع عن أسلحته مهما حدث.
وإذا فعل ذلك، فسوف يكون هذا بمثابةِ إشارةٍ أخرى إلى غطرسته وصَمَمِه وعدم واقعيته. فحتى أيامٍ قليلةٍ مضت، تعهّد قاسم بالوقوف إلى جانب سوريا ضد “الجماعات الإرهابية”، رُغمَ أنَّ مصيرَ الأسد كان محسومًا. من الواضح أنَّ الأمين العام الجديد ليس أكثر من واجهةٍ للقوة الإيرانية، ولكن “حزب الله” يرتكبُ خطأً كبيرًا إذا افترضَ أنه قادرٌ على البقاء في السياق الطائفي اللبناني الغادر إذا ظلَّ دُميةً في أيدي الإيرانيين.
ربما يرتكبُ “حزب الله” خطأً مُماثِلًا لما ارتكبه الأسد. فقد رفض الرئيس السوري المخلوع التفاوُض عندما كانت له اليد العليا، ولم يكن راغبًا في التنازل عن أيِّ شيءٍ من موقع قوة، لصالح مكاسب قَيِّمة. ولهذا السبب فَقَدَ كلَّ شيء. ومن خلال رفضه تقديم التنازلات في لبنان، قد يجد “حزب الله” نفسه قريبًا مُضطَرًّا إلى الاختيار بين خياراتٍ بائسة أحلاها مرٌّ.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.