أَطْوَل الروايات العالَمية تأْليفًا (1 من 2)
هنري زغيب*
يَصدر الكتاب (رواية، قصص قصيرة، قصائد، أَبحاث،…) ويتلقَّفه القارئ قارئًا إِياه في فترة قصيرة أَو متوسطة، غير مدرك غالبًا كم من الوقت استغرقَت كتابتُه، وما الظروف التي رافقت هذه الكتابة، والضنى الذي عاناه المؤَلف في كتابته. فوضْعُ رائعة أَدبية خالدة لا يتطلَّب موهبة تأْليفية وحسْب، بل وقتًا وكتابةً وانصرافًا وصبرًا وشغفًا بالكتابة.
في هذا المقال من حلقتين، أَعرض كواليس كتابة 12 رائعة عالمية، غالبًا ما لا يعرف القارئ كم استغرقَت كتابتها من سنوات طويلة، وما الخلفية في سيرة المؤَلف ومثابرته لوضْعها. وهذه المؤلفات شهادةٌ على قوة الإِبداع وقوة تأْثير تلك المؤَلفات على القرَّاء عبر العصور.
هنا، في هذه الحلقة الأُولى، ستة من هذه الكتُب:
- بحثًا عن الزمن الضائع
هذه الرواية الطويلة جدًّا هي من أَكثر المؤَلفات استغراقًا وقتَ تأْليفها. فكاتبُها الفرنسي مرسيل بروسْت (1871-1922) بقي 13 سنة يكتب فصولها حتى صدرَت في سبعة أَجزاء ضخمة من 3200 صفحة، عكسَت ما كان في قلبه وبيئته وعصره. بدأَ بكتابتها سنة 1909 وأَنهاها قبل أَسابيع من وفاته سنة 1922. وتتميَّز بأُسلوب نضِر شفاف وعميق في آن، وبناءٍ درامي متماسك على الرغم من طول الرواية وتشعُّب فصولها.
- سيِّد الخواتم
رواية “سيد الخواتم” للكاتب البريطاني جون رونالد رويل تولْكين (1892-1973) ثلاثية روائية هي أَكثر رواية متسلسلة شهرة وجذْبًا قرَّاءً عرفَها تاريخ الأَدب العالمي بالفنتازيا الشكلية والمضمونية. استغرق المؤَلف في كتابتها 12 سنة متتالية، بدءًا من 1937حتى 1949. ومن ثناياها عبْر أَجزائها الثلاثة الطويلة، ومن العوالم الساحرة التي أَوجدَتْها، والشخصيات المتعدِّدة المركَّبة فيها، والأَساطير التي حاكتْها تضاعيف القصة، يتَّضح الجهد الفائق الذي تطلَّبَتْهُ كتابتُها، والوقت المستطيل الذي امتد طوال تلك السنوات حتى خرجَت بهذا الشكل الفنتازي الجميل الذي ما زال يأْسر قراءَها حتى اليوم، منذ صدورها في لندن تواليًا سنتَي 1954 و1955.
- البؤَساء
إنها رائعة الشاعر والكاتب الفرنسي فيكتور هوغو (1802-1885). استغرق في كتابتها 17 سنة، بدءًا من 1845 حتى صدورها سنة 1862. وتخلَّلت هذه الفترة سنواتٌ من التوقُّف عن الكتابة بسبب أَحداث سياسية وشخصية صادفها المؤَلف. شهرة هذه الرواية، عدا أُسلوبها الساحر بريشة هوغو، أَنها عالجت مواضيع الحب والعدالة والخلاص، ما جعلها رواية شاهدة حية على مجريات الوضع في فرنسا القرن التاسع عشر، وما بَوَّأَها أَن تكون إِحدى أَشهر الروايات الخالدة الكلاسيكية في الأَدب العالَمي.
- غاب مع الريح
هذه الرواية لكاتبتها الأَميركية مارغريت ميتشِل (1900-1949) هي من أَعلى وأَشهر صروح الأَدب الأَميركي. وهي تسرد قصة جنوبي أَميركا خلال الحرب الأَهلية الأَميركية وتداعياتها مع انتهاء القتال. استغرقَت الكاتبة عشر سنوات في كتابتها، بدءًا من 1926 حتى إِنجازها سنة 1936 وصدرت عامئذٍ في 1038 صفحة. وواضحٌ ضَنى المؤَلفة في كتابتها من تفاصيل دقيقة في عمق الأَحداث وتعدُّد الشخصيات ومتانة الحوار، حتى استحقَّت عليها جائزة بوليتزر للرواية. وحين انتقلت إِلى السينما (سنة 1940 مع كلارك غيبل وفيفيان لي، بإِخراج فيكتور فليمنغ) باتت من الكلاسيكيات الخالدة في تاريخ السينما العالمية.
- حاصدُ القلوب
هذه الرواية الخالدة استغرقَت نحو 10 سنوات أَمضاها الكاتب الأَميركي جيروم دافيد سالِنْجِر (1919-2010)، بدءًا من 1940. وظل ينقِّح فيها ويعدِّل ويشطُب فصولًا ويكتُب أُخرى حتى صدرت أَخيرًا سنة 1951. وشهرتها أَنها عالجت قصة شاب مراهق يعاني من تجاوزات بيئته الأَميركية الاجتماعية. من هنا بات هولدِن كولفيلْد (بطل الرواية) رمزًا لجميع المراهقين في سنّه، وتاليًا ولَّدت الرواية شغفًا لدى القراء إِذ تماهوا مع بطلها الذي نسج المؤَلف ثنايا قصته في دقة عجيبة أَظهرت حالته النفسية ومسيرته اليومية في مجتمعه.
- الرجل الْبِدون مزايا
رواج هذه الرواية منذ صدورها بالأَلمانية في النمسا بين 1930 و1943 يعود إِلى براعة الكاتب النمساوي روبرت موزيل (1880-1942)، ما جعلها من أَبرز الروايات في القرن العشرين. استغرق موزيل في كتابتها روايةً ملحميةً نحو عشرين سنة، حتى صدرَت في ثلاثة أَجزاء ضخمة قبل أَن يختمَها مؤَلفها فبقيَت بدون نهاية. تجري أَحداثها في النمسا عشية الحرب العالمية الأُولى معالِـجَةً تشابُك المجتمع الحديث (فترتئذٍ) ومسأَلة الهوية والانتماء والأَخلاق المجتمعية. وعدم إِنهائها ترك للقراء لُغزًا زاد من تعلُّق القراء بها.
في الحلقة المقبلة: تفصيل 6 كتب أُخرى استغرق مؤَلِّفُوها سنواتٍ طويلةً في كتابتها.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.