هل تَنسَحِبُ البحرين من إتفاقات أبراهام؟
بعد زهاء 11 شهرًا على اندلاع الحرب على غزة، لا تزال العلاقة بين البحرين وإسرائيل مستمرّة على الرُغم من الضغوط المحلّية والاضطرابات في أرجاء المنطقة، ولكن هل تستمرُّ هذه العلاقة؟
جورجيو كافيرو*
قبل أربع سنوات في مثل هذا الشهر، انضمّت البحرين إلى جارتها الإمارات العربية المتحدة في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. بعد التوقيع على اتفاقات أبراهام في البيت الأبيض في 15 أيلول (سبتمبر) 2020، فتحت البحرين وإسرائيل سفارتَين، ووقّعتا على اتّفاقاتٍ ثُُنائية مُتعدّدة، وأقامتا علاقاتٍ تجارية وأطلقتا خطوطًا تجاريّة مباشرة.
غير أنّ البحرين، شأنها شأن سائر الدول العربية الموقِّعة على اتفاقات أبراهام، تُواجِهُ الآن معضلةً كبيرة في خضمِّ الحربِ الإسرائيلية المستمرّة على غزة وتوسّعها إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. صحيحٌ أنَّ المنامة، التي تضمُّ أكبر قاعدة بحريّة أميركيّة في المنطقة (والمقر العام للأسطول الخامس الأميركي)، تتّفق مع واشنطن اتفاقًا وثيقًا في ما يتعلّق بعددٍ من القضايا ولديها مصالح في التمسّك باتّفاقات أبراهام، إلّا أنَّ شعبَ البحرين مؤيّدٌ بشدّة للفلسطينيين، ما يخلق فجوةً بين الحكومة والمجتمع من المتوقّع أن يَتّسعَ في ظلِّ استمرار الحرب على غزة.
في الواقع، يأتي التعاطُفُ مع الفلسطينيين من شرائح متعدّدة من المجتمع البحريني. فخلافًا للإمارات العربية المتحدة، تضمُّ البحرين مجتمعًا مدنيًّا نابضًا بالحياة وتتميّز بتاريخٍ يزخر بالعمل الناشط. منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، توالت المظاهرات، وقد نُظّمَ بعضها أمام السفارة الإسرائيلية في البحرين. إلّا أنّ احتجاجات التضامُن مع الفلسطينيين في البحرين تعودُ إلى ما قبل اتفاقات أبراهام وحرب غزة المستمرّة منذ ما يناهز 11 شهرًا.
في هذا السياق، تُواجهُ السلطات البحرينية، خلافًا لنظيرتها الإماراتية، ضغوطًا شعبية كبيرة في ما يتعلّق بالتطبيع مع إسرائيل. وتنطبق الديناميّة نفسها على دور البحرين في عمليّة “حارس الازدهار”، وهي الحملة البحريّة التي تقودها الولايات المتحدة بُغيةَ صدِّ هجمات الحوثيين على سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن. وتُقدّمُ المنامة أيضًا دعمًا غير تشغيلي للحملة العسكرية الأميركية-البريطانية المستمرّة ضد الحوثيين داخل اليمن، والتي بدأت مطلع هذا العام. تجدرُ الإشارة إلى أنّ البحرين هي الدولة العربيّة الوحيدة المُشاركة في العمليتَين، الأمر الذي لم يُعجِب الكثيرين في البلاد بسبب التصوّرات السائدة التي تعتبر أنّ هذا يجعل المنامة متواطئة في حرب إسرائيل على غزة. حين انطلقت عملية “حارس الازدهار”، لجأ الكثيرون من البحرينيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم لتحالف المنامة مع القوى الغربية ضد الحوثيين من خلال وسم #بحرينيون_ضد_التحالف.
في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أصدر البرلمان البحريني بيانًا بشأن تجميد البحرين علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل. كما أعلنَ أنَّ “سفير الكيان الصهيوني غادر البحرين، على أمل ألّا يعود”. بيدَ أنّ هذه الهيئة التشريعية لا تملك الصلاحية لاتخاذِ قراراتٍ تتعلّقُ بالسياسة الخارجية، ولم يَعكُس البيان سياسة المنامة الرسمية. صحيح أنّ السفير الإسرائيلي قد غادر، إلّا أنّ الحكومة لم تُحدّد السبب وراء ذلك. وعلى الرُغم من هذه الخطوة الرمزيّة التي اتّخذها البرلمان، لم تُبدِ البحرين أيَّ نيّة لإلغاء اتفاقات أبراهام.
تحقيق توازن دقيق والحدّ من المخاطر
في ظلّ تزايد الجدل حول التطبيع في البحرين وفي العالم العربي ككل، سعى أفراد العائلة المالكة آل خليفة إلى التعامل مع تداعيات حرب غزة بدقّة. وقد قامت المنامة بذلك من خلال إرساء توازن بين علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، ومع مواطنيها وشعوب المنطقة من جهةٍ أخرى.
بعدَ يومين على توغّل “حماس” في جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، استنكرت وزارة الخارجية البحرينية عملية “طوفان الأقصى” التي اعتبرتها “تصعيدًا خطيرًا يُهدّدُ حياة المدنيين “وشجبت” ما ورد في بعض التقارير عن اختطاف المدنيين من منازلهم كرهائن”. وفي خلال الأشهر الـ11 الماضية، دعت قيادة البحرين باستمرار إلى وَقفِ إطلاقِ النار في غزة وإلى المزيدِ من المساعدات الإنسانية للقطاعِ وإلى تطبيقِ حلّ الدولتين. وفي “حوار المنامة” الذي نظّمه المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية العام الماضي، قال ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إنّ الوضعَ في غزة “لا يُحتمل”، مُنتقدًا كلًا من إسرائيل على “حملتها الجوية” و”حماس” على عملية “طوفان الأقصى”. بالإضافة إلى ذلك، لقد سمحت السلطات في البحرين بتنظيم المظاهرات للتضامُن مع فلسطين في خضمِّ الحرب المستمرّة على غزّة.
وقد تَواصَلَ المسؤولون البحرينيون مع نُظرائهم الإيرانيين عبر ديبلوماسيين عُمانيين بُغية الحدّ من الاحتكاك مع طهران، أملًا منهم بأن يؤدّي الإنفراجٌ بينهما إلى ثني الجمهورية الإسلامية عن استغلال التوتّر بين الدولة والمجتمع في البحرين بشأن فلسطين. في الواقع، تتوقُ طهران إلى إقامة علاقات إيجابية مع دول مجلس التعاون الخليجي كافة في إطار إستراتيجية السياسة الخارجية القائمة على مبدَإِ “الجيران أولًا”. من هذا المنطلق، إذا وافقت المنامة على إبرام معاهدة عدم اعتداء فعليّة مع طهران، على غرار ما فعلت الرياض في آذار (مارس) 2023، قد تتقلّص فُرَص استهداف إيران للبحرين في حال اندلاعِ صراعٍ شاملٍ على صعيد المنطقة.
هل تقطع البحرين العلاقات الرسمية مع إسرائيل؟
على الرُغم من معارضة عددٍ كبيرٍ من المواطنين البحرينيين علاقات حكومتهم مع إسرائيل وتحالفها مع واشنطن ولندن ضد هجمات الحوثيين البحريّة التي يعتبرها الكثيرون في الشرق الأوسط وسيلةً للدفاع عن غزة، من غير المرجّح أن تنسحبَ المنامة من اتفاق التطبيع مع إسرائيل للعام 2020، إذ تعتبره المملكة بكلِّ بساطة مهمًّا جدًّا لمصالحها.
يُشكّلُ التعاونُ الأمني عنصرًا مهمًا في المعادلة. في شباط (فبراير) 2022، زار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس البحرين ووقّع على أوّلِ اتفاقٍ أمني بين إسرائيل وعضوٍ في مجلس التعاون الخليجي. بعد أشهر متعدّدة، نقلت مقالة في صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولٍ بحريني رفيع المستوى قوله إنّ جهازَي الاستخبارات الإسرائيليين “الموساد” و”شين بيت” كانا يُدرّبان ضباط الاستخبارات البحرينية، وإنّ إسرائيل وعدت بتجهيز المنامة بطائراتٍ مسيّرة وأنظمة مضادة للطائرات المسيّرة.
من الناحية الاقتصادية، لم تَستَفِد البحرين من اتفاقاتِ أبراهام بقدر ما استفادت الإمارات العربية المتحدة. ففي العامَين 2021 و2022، لم تتخطَّ التجارة بين البحرين وإسرائيل مبلغ 20 مليون دولار– وهو جُزءٌ ضئيل من التجارة بين الإمارات وإسرائيل التي بلغت 2,5 مليارَي دولار في فترة السنتين هذه. ومع ذلك، تعتبر البحرين أنّه يمكنها جني الكثير من ارتفاع مستويات التجارة مع إسرائيل والتعاون بين روّاد الأعمال من البلدَين وفرص الاستثمار الجديدة في المستقبل.
من جهةٍ أخرى، تنبع نظرة المنامة إلى فوائد التطبيع من روابطها مع دولٍ أُخرى غير إسرائيل. في الواقع، لقد تحسّنت صورة البحرين لدى صانعي السياسة في واشنطن منذ إبرام الاتفاق. وتمكّنت حكومة البحرين من خلال التطبيع مع إسرائيل من تجنّبِ الانتقادات بشأنِ انتهاكاتِ حقوق الإنسان التي علت في أعقاب “الربيع العربي” للعام 2011 والقمع اللاحق ضد المتظاهرين والناشطين والنقّاد المحلّيين للنظام. وساهمَ التطبيعُ مع إسرائيل في تقريب البحرين من الإمارات العربية المتحدة، ما سمح للمنامة نَيلَ قدرٍ أكبر من الاستقلال الذاتي عن الرياض وضمان المنافع المُرتبطة بتوثيق الروابط مع أبو ظبي.
التحدّيات الأمنية في خضمِّ الحربِ على غزة
في حين سعت المنامة إلى الاستفادة من روابطها مع إسرائيل، فقد حملت دائمًا في طيّاتها مخاطر كامنة فضحتها أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وتداعياتها. في الواقع، يجعل تحالفُ البحرين مع إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة المنامة أكثر عرضة من جيرانها للاضطرابات وردود الفعل السلبية، لا سيما في ظلّ توسّع ديناميات الصراع واشتدادها.
وفي الداخل، تُحافِظُ المجموعات المتشدّدة والمسلّحة على غرار “سرايا المختار” و”كتائب الأشتر” على روابطها مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. ومن الممكن أن تستهدفَ هذه الجهات الفاعلة المصالح الأميركية والبريطانية و/أو الإسرائيلية في البحرين ردًّا على المذبحة في غزة. وقد أعلنت “كتائب الأشتر” في أيار (مايو) مسؤوليتها عن هجومٍ بطائرةٍ مُسيّرة على جنوب إسرائيل. لكن لم يتحقّق أيُّ مَصدَر مستقلّ من هذا الهجوم ولم يتّضح من أينَ نفّذته المنظمة.
على أيِّ حال، كلّما طالت حرب إسرائيل على غزة، ازدادت مخاطر ردود الفعل السلبية على البحرين بسبب دعمها المُتَصَوَّر لهذه الحرب. لكن في الوقت الحالي، يبدو أنّ حكومة البحرين ترى أنّ المنافع الأمنية المُتأتِّية من علاقاتها مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل تفوق المخاطر والتكاليف. بَيدَ أنَّ القيادة البحرينية ليست في وضعيّةٍ تسمح لها بتجاهل الرأي العام تمامًا أكانَ في الداخل أم في مختلف أرجاء العالم العربي.
في الفترة المقبلة، من المُرجّح أن يزداد تحقيق التوازن صعوبةً في ظلّ ارتفاع عدد القتلى في غزة واستمرار توسّع الحرب إلى لبنان واليمن ودول أخرى. صحيحٌ أنّه من غير المؤكّد أن تنسحبَ البحرين من اتفاقات أبراهام، لكن يُمكن التوقّعُ بأن تواجه العلاقة الثُنائية بين المملكة والدولة العبرية المزيد من التوتّر. وعلى الرُغمِ من أنّ كلًا من رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيته ووزير الدفاع ورئيس الأركان قاموا بزيارة المنامة خلال السنة والنصف الأولى من التطبيع، إلّا أنَّ قيادة البحرين قد تُقرّرُ الحدّ من انخراطها مع إسرائيل إلى أقصى درجة ممكنة. وقد يساعد ذلك على الحدّ من تفاقُم التوتّرات المحلّية والإقليمية في الوقت الذي يسترعي النضال الفلسطيني اهتمامًا دوليًا بارزًا وتزداد معارضة العرب العلنيّة للتطبيع.
- جورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج (Gulf State Analytics) وهي شركة استشارية لتحليل المخاطر الجيوسياسية، ومقرّها واشنطن. تشمل اهتماماته البحثية الاتجاهات الجيوسياسية والأمنية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.