العِراقِيُّ الغامِض

قراءَةٌ مُتَأَخِّرة في عَقلِ صدّام حسين

طارق عزيز: المسؤول العراقي الوحيد الذي اعترض على اجتياح الكويت ولم يُصغِ له صدام حسين.

(12)

المُنَظِّرُ

سليمان الفرزلي*

لم تَكُن دمشق قد ابتعدت عن “بعثِ عفلق”، بالقدر الذي كانت فيه مُستَثمِرة، سياسيًّا، للحزب ومؤسّسه.

فتحت، سنة 1963، ذراعيها للرفاق، الذين أتوها من الأقطارِ كافة، حيثُ للبعثِ وجودٌ وحضور، وعقدوا “المؤتمر القومي السادس”.

اثنان بين رفاقِ العقيدةِ والحزب ستكون لهما في تاريخ العراق صولاتٌ وجولات، سيظلُّ يُحكى ويُكتب عنهما.

كانَ يعرفه معرفة اسم، لا معرفة وجه، وما كان طارق عزيز التقاه قبل ذلك المؤتمر. وصدّام حسين اللاجئ إلى دمشق بعد محاولةِ اغتيال عبد الكريم قاسم، ما كان سمع عن الشاب العراقي، الموصلي المنبت، الذي سبقه إلى الحزب.

دارَ كلامٌ بين الإثنين، وطال، وطاولَ همومَ “الحزب”، و”الأمة”، والحُكمَ في العراق.

جذب طارق عزيز انتباه صدّام حسين بثاقبِ فكره، وتفوُّقِ مداركه، جدليٌّ قويُّ الحجة، فتصادقا، وتوثَّقت العُرى بينهما.

تدورُ الأيام دورانها المُتعَجّل، ويصبح صدّام حسين رئيسًا للجمهورية، ويجذب طارق عزيز إليه في القيادة القطرية، ثم القومية، و”مجلس قيادة الثورة”، ووزارة الإعلام، ووزارة الخارجية، في حرب إيران، وفي غزوة الكويت، وحرب “عاصفة الصحراء” لتحريرها من عسكر بغداد، وإلى السجن، وحتى… الموت.

***

أواخر سنة 2010، وفي ردهةٍ تابعةٍ للمحكمة التي أدانته، وقضت بإعدامه، حكى طارق عزيز عن “صديقه” صدّام حسين، في مقابلة سجّلها معه النائب في البرلمان، سنتها، علي مهدي الدباغ، (كانت المقابلة المسجلة مؤلفة من جُزءَين، ولم تُنشَر وتُبَث، إلّا سنة 2012)، فقال: إنّهُ “ذكيٌّ، عقله لمَّاح ونَيِّر، ويعملُ باستمرارٍ على تطويرِ نفسه، فكانَ يقرأُ كثيرًا”.

كان صدّام حسين في نظر طارق عزيز: “قائدٌ ومفكرٌ، لكنه عنيفٌ وشديدٌ أيضًا في عنفه”. وهو ضَعُفَ بسببِ ضُعفِ ثقافةِ المُحيطين به، لكنه كان يسمع لأهل “الثقافة العالية”، فكان يسمع لطارق عزيز، ولم يكن هذا الأخير يخشى أن يقولَ له ما يفكر به، وما يراه.

والحقيقة، كما تناقل كثيرون، كانَ طارق عزيز، الوحيد في القيادة القطرية، الذي تجاسَرَ وعارَضَ غزو الكويت. يومها، دخلَ اعتراضُ “صديقه” أُذُن صدّام حسين اليُمنى، وخَرَجَ من اليُسرى!

على أنَّ طارق عزيز، أخذ على صدّام حسين، وقوعه خلال حكمه في “الكثير من الأخطاء والعثرات، وسببها طموحه الى الزعامة العربية” (أو فلنقل عقدة جمال عبد الناصر)، فوصوله إلى سدّة رئاسة الجمهورية، بدا لصدام حسين، مجرّد خطوةٍ إلى هدفٍ أعلى، وأوزن، وأهم، ثمَّ إنَّ المقرَّبين منه، وأبرزهم طه ياسين رمضان، وعزة إبراهيم الدوري، كانوا شحيحي الثقافة والمعرفة، وبعضهم الآخر وصفهم طارق عزيز بأنهم، حسب ما يقال بالإنكليزية، (يس سير) “أمرك سيدي”. كما إنَّ أقاربه بالدم، من أشقاء، وأولاد عمومة، وخؤولة، الذين أعطاهم مناصب مفصلية في الأجهزة الأمنية، وفي الدولة، كانوا بالكاد يفكُّون الحرف، “تافهين أُمِّيين”!

***

في ذروةِ تألُّقهِ بعد خروجه من الحرب مع إيران، كان صدّام حسين طامحًا لبدء مرحلة جديدة في مسيرته، وأخذَ يتصوَّرُ في عقله دور العراق المركزي في المنطقة العربية. وهذا التصوُّرُ ألغى من مُخَيَّلته توقه السابق لبلوغ “الرئاسة”، التي ما عادت تستحوذُ عليه، أو تملأُ خياله. الآن، تصوَّرَ نفسه زعيمًا عاليًا مُتعاليًا، فوق الرئاسة والرؤساء، وحتى فوق السياسة والأحزاب، وبدأ يشعرُ أنَّ شيئًا ما لا يستطيع أن يُعبِّرَ عنه بطلاقة، يعتملُ داخل عقله، ونفسه، ووجدانه، ولا يملك ما يكفي من المفردات في اللغة، لإلباسه التعابير الصحيحة، بغية إخراجه للملأ العراقي والعربي.

الآن، تطلُّ صورة صدام حسين المُفَكّر والمُنَظّر، الذي لا يستطيع، بحُكمِ نشأته، وضحالة ثقافته الأساسية، أن يكونَ مُفكِّرًا، يَتَمَتَّع بكلِّ ما يؤهّله، عن استحقاق وجدارة، بأن يكون مفكراً عميق البحث، ومُنَظِّرًا مُفَوَّهاً بالكلمة المطلقة، فهو لا يعرف شيئًا كثيرًا من الفلسفة، ومن الآداب الكلاسيكية القديمة، باستثناء ما كان اطَّلع عليه من قدامى البعثيين السوريين، وهم قلة قليلة…

لم تكن في “حزب البعث”، الذي شبَّ عليه في العراق، قامات فكرية، يستطيع أن ينهلَ منها معارف سامية. ولذلك لازمته العشائرية، والبداوة، إلى رمقه الأخير، قبل أن يصرُخَ في وجه الشامتين به والحبل يطوِّقُ عنقه قائلاً لهم: “هاي هي المرجلة”!

في نهاية المطاف بقيت “المرجلة”… فوق الفلسفة!

***

لقد اجتهدَ صدّام حسين في طَرحِ مسائل نظرية وفكرية يشعرُ بها ولا يستطيع أن يشرحها أو يُفسّرها، فظلّت مجرّد شذراتٍ فكرية ونظرية نبيهة، تُنبئ بأصالةٍ مطموسة، ومغموطة. لتظهيرِ هذه الفكرة، إلى جانب تصوّراته لبعض القضايا الحساسة، كما سَمعتُها منه، كانَ لا بُدَّ من الرجعة الى “دردشة” رحلة العودة بالطائرة من موسكو إلى بغداد، يوم 14 نيسان (أبريل) 1975، بعد زيارة استمرّت ساعاتٍ عدة فقط، (نشرتها في العدد 342 من جريدة “بيروت” بتاريخ 17 نيسان/أبريل 1975).

في مقطعٍ من حديثه، أراد “السيِّد النائب” أن يُنَظِّرَ لنمطٍ جديدٍ في العلاقة مع موسكو، تختلفُ نوعيًا عن العلاقات السوفياتية السائدة مع أقطارٍ عربية أخرى، وربما تَقَصَّدَ الاستفاضة في ذلك ليُغطّي على الانطباع، الذي تَوَلَّدَ لدى عددٍ من المراقبين المُتَتَبِّعين، بأنَّ قُصرَ مدّة الزيارة يُنبئ بفشلها، فقال: “علاقتنا بالاتحاد السوفياتي علاقة غير تقليدية. إننا مُتّفقون معهم على تبادُل الزيارات، من حين الى آخر، على مستوى عالٍ، وقد أصبح هذا تقليدًا”.

تسأله: كيف لعلاقةٍ أن تُصبحَ تقليدًا وتكون علاقة غير تقليدية؟

فيردّ: “إننا لا نستطيع أن ننطلقَ من كوننا عراقيين فحسب. إننا نتحرّكُ بصفتنا عربًا. وفي أحاديثنا مع الأصدقاء السوفيات نعتمدُ الصراحة في أفكارنا وآرائنا”.

تراهُ يُفكّرُ أنَّ اعتماده “مبدأ الصراحة” يقتضي “صراحةً محسوبة” في شرح “مفهوم الصراحة”، فيقول: “إنَّ نمطَ العلاقات بيننا وبين الاتحاد السوفياتي هو نمطٌ حديث العهد. وهو نمطٌ شريف في التعامل، فيذكر الصديق صديقه في كلِّ الظروف. ومن هذه الناحية، فإنَّ علاقتنا مع الأصدقاء السوفيات ليست علاقة آنيَّة لا في حسابات النتائج ولا في حسابات الأسباب”.

هنا، تبدو عليه الخشية من الدخول في متاهةٍ نظريَّة، فيتعجّلُ الابتعاد عن تلك الحافَّة بكلامٍ معهود في الخطاب العربي العام، ليُعيد تشكيل صورة ما يرمي إليه في واقع الأمر، فيصفُ تلك العلاقة بقوله: “إنها علاقةٌ استراتيجية بعيدة المدى. وقد لمسنا من الشواهد التفصيلية أنَّ الأصدقاءَ السوفيات يتجاوبون معنا، وأنهم حريصون كل الحرص على استقرار العلاقات وتطويرها. فنحنُ نشترك معًا في الموقف ضد الاستعمار، والصهيونية، والاستغلال”.

كأنهُ شَعَرَ بعد هذا الكلام أنه ما زال ناقصًا، فيستكملُ الفكرة من خلال شرحها بالمقارنة، فيزيد: “لفهم هذا النمط الجديد من التعامل مع الاتحاد السوفياتي، لا بدَّ من المقارنة مع الأنماط الأخرى التي تعوّد عليها السوفيات منذ بدء علاقاتهم مع الدول العربية. فقد اعتادوا على نمطَين من التعامل: أحدهما يقوم على العداء السافر لهم في كل الأحوال، والآخر يقوم على الابتزاز”.

في قناعتي، أنه توقّفَ عن التوسُّع حتى لا يعطي أمثلة تجلبُ له المتاعب في مسيرة صعوده على سلّمِ السلطة والأفكار، كما رسمها لنفسه. هو على الأرجح افترضَ أنَّ سامعه يعرف ما قصد: النمط السعودي– لخليجي، والنمط الناصري–السوري.

***

يحورُ “السيّد النائب” ويدورُ حول الفكرة ذاتها، وكأنّهُ استنفدَ مقدرته المحدودة على التجريد النظري، فينتقل إلى الكلام السياسي السطحي، أو ينكأ جراح انقسامات سياسية، ويخلُطُ ذلك بعبارةٍ أو اثنتين لهما “صفة فكرية”، ليبدو وكأنه يقولُ شيئًا جديدًا من خلال الحديث عن القديم. فيردُّ على النمط العربي المُستَهلَك بقوله: “أما نحن، فتقوم علاقتنا معهم (أي مع السوفيات) على الصداقة والتكافؤ، مع احترام النفس. ومن الطبيعي أن يستفيدَ الصديق من صديقه، وأن يُفيدَه. شرط أن تكون هناك موازنة بين الاستفادة والإفادة. وأن تكون العلاقة متوازنة، لا يعني أن يكون هناك توافقٌ بين الأمرين، إنما يعني إذا مالَ ذراعُ الموازنة لصالحهم اليوم، فيجب أن يميل لصالحنا بعده… وهكذا”!

شَرحُهُ هذا يُوشِكُ أن يُدخِلَهُ في متاهةٍ جديدة، فيرجعُ إلى تكرار مقولة سابقة، حيث استطرد قائلًا: “إننا لا ننظر إلى علاقتنا مع الاتحاد السوفياتي بمنظارٍ قُطري، شأننا في كلِّ الأمور”.

بعد هذا الكلام، تشعُرُ بتردُّده، خشية إعطاء الانطباع بأنه ينظر إلى كلِّ الأمور” نظرة قُطرية” باستثناءِ العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، فتعجَّلَ الاستدراك: “أقصدُ أنَّ تحالفنا مع السوفيات هو تحالفٌ بعيد المدى، بمعنى أنه إذا خفَّت مبرّرات التحالف القُطري، تبقى مبررات التحالف القومي قائمة. فنحن لا توهمنا، ولا نتوَهَّم، أنَّ الاتحاد السوفياتي يمكن أن يكونَ عربيًا، أو يمكن أن يكون بديلًا منّا. لا أحد يمكن أن يكون بديلًا مِنّا”!

لكي يؤكّدَ إيضاح فكرته، ضرب مثلًا يتعلّقُ بتأييد السوفيات لمؤتمر السلام العربي–الإسرائيلي في جنيف، بقوله: “إنَّ للسوفيات رأيهم في ذلك، ونحن لنا رأينا”.

***

كلامُ صدّام حسين عن الاتحاد السوفياتي على هذا النحو، بمزيجٍ من النظري والعملي، المبدئي والبراغماتي، يوحي بأنَّ هناكَ لغةً مشتركة بينهما يفهمها السوفيات كما يفهمها هو. أما الحال مع الأميركيين، خصوصًا خلال الحرب مع إيران، أو بعد ذلك خلال غزوة الكويت، فتوحي بالنقيض من ذلك. أي أنه لم تكن بينه وبين الأميركيين لغةً مشتركة لا يُدانيها أي سوء فهم. بل على العكس من ذلك، أساءت الأجهزة الأميركية فَهمَ لغة صدام حسين، وظلَّ هو مُتَوَجِّسًا من سوء نيّاتها، ومُقتنعًا بأنها تسعى إلى إضعافه، وإسقاط نظامه إذا ما أمكنها ذلك.

تُشيرُ الوثائق العراقية الموجودة في حوزة الأميركيين، إلى أنّ صدّام في اجتماعاتِ “مجلس قيادة الثورة”، كان دائمًا يُوجِّهُ الحديث نحو “وجود مؤامرة أميركية–بريطانية” ضد نظامه، مُقتَنعًا بأنَّ أجهزة استخباراتهما، لديها “معلومات وافية عن الوضع الداخلي في العراق، تبني عليها تآمرها”.

أما ستيف كول الذي تفحّصَ كل الوثائق المُتعلِّقة بالموضوع، يرى في كتابه “فخُّ أخيل”، أنَّ صدّام أعطى الاستخبارات المركزية الأميركية، والاستخبارات البريطانية الخارجية “كفاءةً وتقديرًا أكبر بكثير مما تستحقان في واقع الأمر. فالبريطانيون، والأميركيون، كانوا “يجهلون”، أكثر مما كانوا “يعلمون” عن الداخل العراقي المُغلَق. والأميركيون، على ألأخص، أساؤوا فَهمَ ما كان يقوله صدّام حسين، وهو بدوره أساء فهم إشاراتهم، حيث اعتبر عدم اعتراضهم على ما يقول بأنه من قبيل الموافقة. وقد لازمته هذه العقدة حتى في المعتقل، حيث قال لمسؤولٍ أميركي: “إذا كنتم غير راغبين في دخولي إلى الكويت، فلماذا لم تقولوا لي ذلك صراحةً”، (في إشارة الى قول السفيرة الأميركية أبريل غلاسبي له قبيل دخوله الى الكويت عنوةً، بأنَّ بلادها لا تعنيها خلافات الحدود بين الدول العربية).

***

اللغة العربية، بطبيعتها، حمَّالة أوجه، فكيفَ إذا ما قيلت الفكرة، في معرضِ شرحها أو تبسيطها، بتعابير مختلفة، كما يُفهَمُ من حديث صدّام حسين لنا في الطائرة، حول العلاقات مع موسكو. فقد ردّدَ الفكرة التنظيرية الواحدة بأوجهٍ عدة من التعبير في معرض شرحها، من حيث اعتبر أنه يُبَسِّطها لتسهيل فهمها، وفي واقع الأمر زادها تعقيدًا وبلبلةً في ذهن سامعيها.

أما عندما تكون الأسئلة التي يجيب عنها مباشرة، وتتعلّقُ بالحوادث والمسائل المُتداوَلة، بعيدًا من محاولات التنظير، فإنك تسمعُ منه كلامًا واضحًا، قاطعًا، لا لبس فيه. فيعود رجل سياسة، وليس قائدًا، ومفكّرًا، ومُنَظِّرًا، فوق السياسة، وبما هو أرقى منها.

طُرحتُ عليه، خلال تلك “الدردشة”، أسئلة عديدة في تلك الأمور، منها: ما تداولته الصحافة العالمية عن وجود قاعدة بحرية سوفياتية في “أم قصر”، وسؤال آخر، عن أنَّ العراق بصدد استئناف علاقاته مع واشنطن، وأنَّ موسكو مُتضايقة من علاقات العراق مع بعض الدول الغربية، ثم أنَّ الاتفاقَ العراقي–الإيراني، (اتفاق الجزائر مع الشاه قبل شهر من هذا الحديث في الطائرة)، يهدفُ الى إبعاد القوى الخارجية من الخليج… فكانت أجوبة صدام حسين عنها كلها، واضحة، وقاطعة، وموثَّقة.

حول وجود قاعدة سوفياتية في” أم قصر”، نفى أن يكون العراق قد سمح بإقامة مثل هذه القاعدة، مُشيرًا إلى أنَّ بعض الصحافيين الأميركيين زاروا تلك المنطقة ولم يشاهدوا أي قاعدة، وقال لنا: “أي صحافي منكم يمكنه أن يذهب إلى هناك ويرى بنفسه. نحنُ لا نُخفي شيئًا. فإذا اقتنعنا بإقامة قاعدة للسوفيات فإننا نُقيمها، ونُعلنُ ذلك على الملأ في الإذاعة والتلفزيون، فلا السوفيات طلبوا ذلك، ولا نحنُ نقبل”.

بهذا كان نائب الرئيس العراقي يشير الى ما كتبه الصحافيان الأميركيان روبرت نوفاك ورولاند إيفانس اللذان زارا” أم قصر”، فأسكتا بذلك كل الأبواق الأميركية المُرَوِّجة لموضوع القاعدة السوفياتية. والمعروف أنَّ نوفاك وإيفانس كانا يكتبان معًا، وينشران ما يكتبان في معظم الصحف الكبرى في أميركا، من خلال تقرير سياسي كانا يعدّانه، ويحظى باهتمامٍ دولي.

قوله “نحن لا نخفي شيئًا” يسري على ما قبل رئاسته. أما خلال رئاسته فقد ظلَّ يخفي ما تردّدَ عن امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، طوال فترة الحصار الدولي على العراق، منذ احتلاله الكويت حتى سقوط نظامه بفعل الاحتلال الأميركي، مع أنه دمّرَ ما كان يملك من تلك الأسلحة، من غير أن يُعلِنَ عن ذلك، كي لا يظهر ضعيفًا أمام أعدائه، وخصوصاً الإيرانيين!

وهذا بالذات ما قاله طارق عزيز لأحد الزملاء اللبنانيين الذين التقوه إبان الحصار، وتمنَّى عليهم، وقتها، عدم نشره.

***

عندما كان صدام حسين يتحدث في مثل هذه القضايا، يُحاذِرُ أن يقعَ في التناقُض، فيستدرك بالتوضيح فورًا. فقد تابع الحديث في موضوع السفن الحربية من منطلق ” السيادة الوطنية” حيث قال: “أما بالنسبة إلى دخول السفن السوفياتية الى موانئنا، فهو أمرٌ يتعلّق بالسيادة العراقية”.

حين شعرَ أنَّ هذا التصريح يُمكِنُ أن يُفهَمَ منه أنَّ دخول السفن السوفياتية الى الموانئ العراقية يُشَكِّلُ انتهاكًا للسيادة الوطنية، عطف على قوله السابق التصريح التالي: “إن السفن السوفياتية، وغيرها من سفن الدول الصديقة، يمكنها أن تدخل الموانئ العراقية في أيِّ وقت”.

ثم قال: “إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي يُقرّرُ سياسةَ العراق، وينفذها بالطريقة التي يراها مناسبة، في ضوء المصلحة القومية”.

لقد استخدم صدّام حسين مُصطَلَح “المصلحة القومية”، وتجنَّبَ استخدامَ عبارته السابقة “السيادة الوطنية”. وعندما سُئلَ عن الوضع السوفياتي حيال الشؤون الداخلية في العراق، لكي يُوضِّحَ الحدود بين “المصلحة القومية” و”السيادة الوطنية”، قال: “إننا نُطلِعُ أصدقاءنا السوفيات على قضايانا الداخلية، ولكننا لا نُناقش حولها، وهذا واضحٌ كل الوضوح في معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي التي مضى على توقيعها ثلاث سنوات (1972)”.

***

كعادةٍ منه، عندما يتحدّث عن الإشكاليات مع النظام السوري لا يُخفي صدام حسين، في “دردشة” الطائرة، تَبَرُّمَهُ من نظام حافظ الأسد، ومع أنه كان يشعر أحيانًا بأنه استخدمَ عباراتٍ قاسية ولاذعة في وصفه، فإنه كان يَزينُ كلامه في معظم الحالات، ومنها حديثه المرير تجاه دمشق بشأن حبس مياه “الفرات”، الذي كان موضوعه في رأس جدول زيارته لموسكو . فقد أجاب عن سؤال بهذا الخصوص، وكأنه يردُّ على غُلاةِ العراقيين الذين تجاوزوا الحدَّ باتهامِ الرئيس السوري بتعابير قاسية مثل “العمالة”، و”الخيانة”، وما الى ذلك، بنوعٍ من “التنظير المخرجي” بقوله: “ما من حاكمٍ يختار العمالة، لكنه من الممكن استدراجه إليها”!

هو يجيدُ هذا النوع من “التنظير المخرجي” في المآزق السياسية، لأنه يتعلّقُ بالمشادة الحركية، التي تمرَّسَ بها في العمل الحزبي والسياسي، لكنه أقصرُ باعًا في التنظير الفكري، بسببِ ضعفِ ثقافته الأساسية، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يكونَ تنافره مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وحيد الجانب من حيث كونه خلافًا سياسيًا في الدرجة الأولى، لأنه من غير المعروف عن الأسد أنه مارَسَ التنظير في كلامه. بل إنه مارس السياسة وكأنها معركة عسكرية في إطارِ اختصاصه، فكان ذلك من أسباب ديمومة نظامه، بينما صدام حسين لم تكن له مثل هذه الميزة، كما مرَّ معنا في فصل “المُتنافران”.

رَدَّ صدّام حسين على سؤال “حبس مياه الفرات”، بفتح ملف “سوابق” النظام السوري، وتعدادها، من المزايدات على الرئيس جمال عبد الناصر، وتوريطه في حرب حزيران (يونيو) (1967)، إلى موقف سوريا من العراق في معركة تأميم النفط، ثم مساندتها للتمرّد الكردي في شمال العراق، “مما أدّى الى مقتل عدد غير قليل من الشيوخ والنساء والأطفال”، كما قال، وأخيرًا تنكرُّها لما أبداه الجيش العراقي من بسالةٍ في الدفاع عن دمشق في حرب تشرين الأول (أكتوبر) (1973)، ثم حبسها لمياه “الفرات”.

تَتَّخِذُ جدلية صدام حسين بشأن نظام حافظ الأسد منحى “المُهاترة السياسية”، لامَسَت في مقاطع منها حدود “التنظير” من غيرِ توسُّعٍ أو تفصيل، لأنَّ مهارته في هذا المجال تنحصِرُ في إطلاق العناوين الملفتة، حيث الخوض في تفاصيلها من غير أساسٍ معرفي يُبدّدُ وهجها، لأن “الوهج” هو المُبتغى كإطارٍ لإبهارِ السامعين. أي محاولة قطف ثمارٍ سياسية شهية من شجرةٍ ركيكةِ الجذور!

لذلك، أُسَجِّلُ مُوَثِّقًا حرفية كلام صدام حسين في الموضوع السوري، الذي مضى عليه حتى الآن قرابة نصف قرن، وهي مسافة زمنية غير قصيرة، تبدّلت خلالها أمورٌ كثيرة، بما فيها موقف صدام حسين من النظام السوري، حين بادرَ إلى مصالحته في أيام ضيقه، وسط الحصار الدولي الخانق المضروب على العراق في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى زوال الاتحاد السوفياتي نفسه، ومعه زوال صدام حسين ونظامه.

تابع نائب الرئيس العراقي كلامه في الموضوع السوري، فقال يومها: “إنَّ الأمرَ ليس خلافًا على اقتسام مياه الفرات. قسمةُ المياه معروفة ومُقرَّرة في القوانين الدولية. إنه إجراءٌ تعسُّفي من قبل الحكم السوري، قام به من غير أن تكون له حاجة في المياه المحبوسة. ولو كنّا نعرف أنَّ الشعب العربي في سوريا بحاجة إلى هذه المياه، فإننا لا نتوانى لحظة واحدة عن إعطائها. فقد أعطينا ما هو أغلى من الماء، أعطينا الدم والمال، في الوقت الذي بخل حُكّام دمشق بماء الشرب على جيشنا، وهو يقاتل إلى جانبهم”.

ثم قال: “الشعب السوري يستطيع أن يأخُذَ منّا كلَّ شيء، أما حُكّامَ دمشق فإننا لا نثق بهم. كيف نثق بأُناسٍ من هذا النوع، بأُناسٍ يقولون إن الجيش العراقي انسحب من المعركة تاركًا دمشق تحت رحمة الصهاينة. الجيش العراقي هو الذي خفَّ إلى نجدتهم بكل ما أوتيَ من وسائل وقوة. هذا الكذب ليس مسموحًا به”.

***

ظلَّ يستطردُ عن دمشق الأسد، حانقًا ولم يترك لسامعيه مجالًا لمقاطعته، أو تغيير الكلام بأسئلةٍ أُخرى، ملحاحة، كانت تدور في أذهاننا… فهو كان يرغي ويزبد وكأن الأمرَ على قاعدة “قطع الأرزاق من قطع الأعناق”. بدا لنا، ونحن نسمعه، شخصًا آخر بلحظةٍ من الزمن. كأنه يريد الانتقام، وهو معلق في الهواء على جناح الريح ولا يستطيع حتى أن يقومَ عن كرسيه. ومع ذلك ظلَّ مُتماسِكًا لم يتلعثم بكلمة، كأنه يقرأ في كتاب. ثم سكن فجأة، وراحَ يتكلّمُ بنبرةٍ هادئة كأنه يؤاخذ نفسه لشروده في الحديث، فقال: “إن المشكلة بالنسبة إلى حبس مياه الفرات لم تَعُد مشكلة إنقاذ المزروعات، فهذه المزروعات قد قُضِيَ عليها. المشكلةُ الآن هي إنقاذ الألوف من البشر الذين لم تَعُد في متناولهم مياهٌ صالحة للشرب. فالمياه الموجودة في مجرى النهر، بعد عملية الحبس، هي المياه المُرتَجَعة، وهذه مياه آسنة ومالحة”.

ثم انقلب مزاجه من جديد وراح ينطق كلامه بنبرةٍ عالية، فقال مُتَوَعِّدًا: “إننا لن نسكُتَ على هذه الجريمة. لن نسمحَ لأحدٍ أن يُميتَ شعبنا. إنَّ حكامَ دمشق يتحدثون كثيرًا عن تحرير الجولان، لكن الذي يريد تحرير الجولان لا يقول ما قاله في الجيش العراقي، ولا يفعل ما فعلوه بمياه الفرات. كيف يُحرّرون الجولان ويُميتون العراقيين الذين دافعوا عنهم. الذي يريد تحرير الجولان يجب أن يفرح، وأن يُقيمَ الأعراس في دمشق، لانتهاء الجيب العميل في شمال العراق”.

وعادَ من جديد إلى الاستطراد في هذا الموضوع في “إطارٍ تنظيري” أو “شبه تنظيري” فقال: “إنَّ الاختبارَ القومي ليس في القتال من أجل تحرير الجولان. فهذه هي مسؤوليتهم، لأنهم هم الذين فرَّطوا فيه، وليس كثيرًا أن يقاتلوا من أجله. بل من الطبيعي أن يفعلوا ذلك، فلماذا يُمَنِّنون الأمة العربية بأنهم يريدون تحرير الجولان؟ إنَّ مسؤوليةَ أيّ حاكم، حتى لو كان حاكمًا رجعيًّا، أن يقاتل لاسترداد أرضه المحتلة. وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك”.

لم يذكر مثالًا واحدًا يؤيّدُ ذلك، لكنه أكمل “تنظيره” حول “الاختبار القومي” فقال: “الاختبار القومي هو أن تُدافِعَ عن الأراضي العربية خارج حدودك. فهل هو موقفٍ قومي أن يمدَّ الحكم السوري يد العون إلى الجيب العميل في شمال العراق، ولم تجف بعد دماء الجنود العراقيين على أرض الجولان؟”.

انتَفَضَ وعدل جلسته على كرسي الخيزران غير المريح، وهو مَقعدٌ اضطراري بسبب ألمٍ في ظهره، وكأنه انتبه أنه يحكي مع نفسه، فقال مُخاطبًا الصحافيين: “لا تتصوَّروا أن هناكَ حاكمًا يُخطّطُ لكي يُصبحَ عميلًا. العميل هو مجرّد وكيل. أما الحاكم الذي يُصبحُ في موقع العمالة، فإنه يتورّطُ فيها تدريجًا، خطوة في إثر خطوة، وموقفًا إثر موقف، فنحن ضد كل خائن ولا نتساهل في ذلك”!

شَعَرَ أنه تسرّع في النطق بهذه العبارة، فتوخّى أن يستطرد لتجليسها، وهو يحاول تجليس مقعده غير المريح، فتابع كلامه قائلًا: “نحن مع الأشقاء إذا كانوا في صفِّ الأهداف القومية. ولنا مصلحة في كلِّ بلدٍ عربي يُقدِّمُ الحدَّ الأدنى للقضية القومية، ولو كان ما يقدمه بنسبة واحد في المئة فقط”.

بهذا الكلام، كان يطرح الموضوع بشعورٍ أنَّ السوريين اغتاظوا من اتفاقه مع شاه إيران قبل ذلك بنحو شهر، مما أدّى إلى انهيار التمرُّد الكردي، وكأن ذلك الاتفاق هو الذي حملهم على مضايقة العراق من طريق “حبس مياه الفرات”. هو لم يقل ذلك، بل كان مجرَّد استنتاجٍ من قبلنا، من خلال سرديته للموضوع، واستطراده فيه بالتفصيلِ المُمِل.

وأتاح لنا، أن نتكلّمَ قليلًا في أمورٍ أخرى، لكن الوقت بات ضيِّقًا لاقترابنا من الهبوط، فعادَ صدّام حسين الى شخصية “المُربّي” و”المُنَظِّر” بالكلامِ المُقتَطَفِ الذي لا يحتمل الإطالة، وفي موضوعٍ من اختياره وكأنه أرادَ أن يبتعدَ من الحديث في مواضيع جديدة لا يتّسع لها الوقت. وبعدَ كل ذلك راحَ يُنظِّر في مسألةِ “الوحدة”، وكأنه يخطبها من السوريين تصحيحًا لسرديته السلبية السابقة التي استفاض في رشقها، فقال: “إنَّ أمنيتنا هي إقامة الوحدة، ولكن الأماني تكون خائبة إذا لم تكن مستلزماتها موجودة، فالوحدة تقوم عندما تتوفّر شروطها. ونحنُ نُناضل من أجل أن تقوم. إننا لا نركض وراء السراب، ولذلك لا نتحدّث عن الوحدة من غير مستلزماتها، والنضال من أجل تلك المستلزمات هو من أجل تقصير الزمن لإقامة الوحدة”.

 (إننا كمراقبين نسأل كيف يستقيم ذلك مع انقلاب صدام حسين على “ميثاق العمل القومي”، والمسعى الوحدوي بين سوريا والعراق في العام 1979، في أحلك اللحظات القومية، الناشئة من خروج مصر عن الصف العربي باتجاه الصلح المنفرد مع الكيان الصهيوني).

***

بعدما استغرَقَ حديثُ صدّام حسين عن سوريا معظم الوقت، مرَّت المواضيع عن الخليج، أو بالأحرى عن المملكة العربية السعودية والكويت المجاورتَين للعراق، قصيرةً مُقتَضبة، لكنها تُلقي بعض الضوء على ما جرى تاليًا في حرب “عاصفة الصحراء” بعد احتلاله الكويت صيف العام 1990.

سألناه على عجل عن علاقات العراق مع السعودية، وما إذا كانت الوفود بين البلدين تُعَبِّرُ عن تطوّرات جديدة في العلاقات، فقال: “إنَّ مسألةَ الوفود ليست بالأمر الجديد، الشيءُ المطلوب، بصرفِ النظر عن اختلافِ الأنظمة، أن يكونَ هناك تضامنٌ في الحدِّ الأدنى، ولكن مع التميُّز. أما الشيء الثابت، فهو أنَّ الأشقاءَ في السعودية بَدَؤوا يتفهّمون وجهة نظرنا في المسائل القومية”.

ثم أعلن لنا أنّ الأمير فهد بن عبد العزيز سيزور العراق في فترة ليست بعيدة (كان الأمير فهد قد أصبح وليًا للعهد قبل ثلاثة أسابيع فقط من رحلة صدام حسين إلى موسكو، أي في 25 آذار (مارس) 1975، بعد تسلم الأمير خالد مقاليد العرش نتيجة اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز في ذلك الوقت).

كانَ المقطعُ الأخير من “الحديث الطائر” مع “السيّد نائب” عن “تأشير الحدود” مع الجارة المُتعِبة الكويت، وهي المسألة التي قصمت ظهر البعير، بلغة أهل البادية. هذا المقطع، على اختصاره بكلماتٍ قصيرة، هو في نظري أبلغ ما قال في حديثه طوال الرحلة. شرح موضوع تأشير الحدود في إطار “غايته الاستراتيجية”، أو “القومية” حسب تعبيره، وليس “التوسُّعية” كما رُمي لاحقًا عندما أخرجه الكويتيون عن طوره. هو يبتغي موطئ قدم في المياه العميقة لتكتمل صفته كدولةٍ خليجية حُرم منها عمدًا. وحبذا لو يقرأ جميع العرب هذا المقطع الأخير، لوَضعِ ما حدث للعراق من جرّاء المسألة الكويتية في إطاره التاريخي الصحيح. فقد قال بالحرف: “نحنُ لم نرث حدودًا مُحَدَّدة مع الكويت واختلفنا عليها. ورثنا الحدود الجنوبية سائبة ومُتداخلة مع الأراضي الكويتية. ونحنُ لم نكن نُريد أن نؤشِّر الحدود حتى لا يُتَّهم حزب البعث، وهو الحزب الذي يُناضِلُ من أجل إزالة الحدود، بأنه يريد تأشير الحدود. من هنا نشأت عند الكويتيين بعض الأوهام، ولذلك اتخذنا قرارًا بتأشير الحدود من مُبرّرات قومية. وهذه الروحية نفسها يجب أن تحتضن موقع خط الحدود. وعلى هذا الأساس قدَّمنا للكويتيين مقترحات متتالية حول الطريقة التي يجب أن يجري عليها تأشير الحدود، أي تأشير العراق كدولة خليجية، بشكلٍ يُمكِّنه من تأدية مهامه الوطنية والقومية في هذه المنطقة، (قصد بذلك أن يُصبحَ العراق دولة بحريَّة مُكتَمِلة العدّة من خلال الوصول إلى المياه العميقة التي حُرِم منها عمدًا)، ونحن بانتظار الإجابة الكويتية لنؤشِّر الحدود. لا نريدُ التشبُّث بالماضي، (قصد بذلك مطالبة النظام الملكي الهاشمي، والنظام الجمهوري القاسمي، بضمِّ الكويت إلى العراق)، ولكننا نأخذ الأمر الواقع بإطاره القومي ومفاهيمه القومية، بمعنى أننا لا نُريدُ التوسُّع، ولكننا لا نريد التفريط بمسؤولياتنا القومية والوطنية”.

***

سادَ، يومها، القول بأنَّ العراق لم يَعُد يهتمُّ بشؤون الخليج، بعد إنهاء خلافاته مع إيران، فعلّقَ “السيّد النائب”:”إنه المنطق المتجنّي نفسه الذي كان يقول في الماضي إنَّ العراق لا يهتم بشؤون الخليج لانشغاله بمشاكله مع إيران”!

كانَ يُمكِنُ لصدام حسين أن يكونَ مُنظِّرًا من الطراز الأول، لو كان على ثقافةٍ عالية، ومع ذلك ظلَّ يحاول الخوض في السياسة من منطلقات فكرية، على قدرِ فهمه لها، إلى النهاية، وصولًا الى حبل المشنقة، وملاحظته حول مفهوم “المرجلة”. ومن هنا تكتسبُ عبارة طارق عزيز أهميتها التفسيرية في حديثه مع علي مهدي الدباغ، من أنَّ صدّام حسين “كان يستمع إلى أهل الثقافة العالية”.

لكنه، مع الأسف، لم يغادر عشائريته لتنفتح أمامه أبواب الثقافة!

(الحلقة الثالثة عشرة يوم الأربعاء المقبل: “المُحاصَر”) .

  • سليمان الفرزلي هو كاتبٌ وصحافي لبناني ترأّس تحرير صحف عدة في بيروت، منها “الأحرار”، و”الكفاح”، و”بيروت”، و”عالم النفط”، و”الصياد”، وعمل في عدد من الصحف الصادرة في لندن وباريس، منها “الدستور”، و”الحوادث” قبل أن يصدر مطبوعته الخاصة “الميزان” في تسعينيات القرن الماضي. وله أيضًا مؤلّفات أبرزها كتاب سيرته “علامات الدرب” الصادر مطلع العام 2013 عن “اللبنانيون المتحدون للصحافة والنشر” في لندن، و”حروب الناصرية والبعث” الصادر مطلع العام 2016 عن دار “أنطوان هاشيت (نوفل)” في بيروت. وهذه المطبوعات يمكن الاطلاع عليها كاملة على موقعه الإلكتروني: www.sferzli.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى