أَشهر المنحوتات في تاريخ الفن (2 من 3)
هنري زغيب*
بعد خمسة أَعمال في الجزء الأَول من هذا المقال عن أَشهر التماثيل في تاريخ الفن، هنا في جُزءٍ ثانٍ خمسة أُخرى من التماثيل التي باتت أيقونات خالدة في مسار فن النحت في العالم.
فماذا عنها؟
- فينوس دو ميلو: لعله من أَشهر التماثيل على الإِطلاق في تاريخ الفن. يرقى إلى نحو 130 سنة قبل الميلاد. هو حاليًا في متحف اللوفر، وله اسم آخر: “أفروديت ميلوس”، لأَنه يمثل أَفروديت إِلهة الحب في الميثولوجيا اليونانية. وهو من رخام، يبلغ طوله نحو المترين و3 سنتم، ومشهور بأَنه مبتور الذراعين. وليس معروفًا لماذا بعض التماثيل في التاريخ تفقد أَطرافها مع الزمن. وجَدَ هذا التمثالَ سنة 1820 فلَّاحٌ كان ينبش تربة أَرضه في جزيرة ميلوس، لكنه كان مكسورًا قطعتين. مع ذلك كان هذا التمثال ولا يزال يلهم الكثيرين من الفنانين، أَبرزهم سلفادور دالي الذي، بتأْثير منه، نحت تمثاله الشهير “فينوس ميلو ذات الأَدراج” سنة 1936.
- داود بإِزميل دوناتيلّو: قبل نحو 100 سنة من نحت ميكانجلو تمثالَه الشهير “داود”، كان نحات النهضة الإِيطالية دوناتيلُّو (اسمه الكامل: دوناتو دي نيكولو دي باردي: 1386-1466) وضع تمثال “داود” بين عامي 1430 و1440، وفق ما ورَد عنه في كتاب العهد القديم. اللافت في هذا التمثال البرونزي أَن داود فيه فتيّ مُغْرق في التأَمل بعدما قضى على غولياث الجبار. من هنا أَن دوناتيلو كان بارعًا في نحت رأْس غولياث وسيف داود في شكل واضح من التمثال للدلالة على تقيُّده بما جاء في رواية العهد القديم. وأَحدث التمثال عند صدوره ضجة حتى الفضيحة لأَن داود فيه عارٍ تمامًا إِلَّا من حذائه، وهو ما شكَّل صدمة في عصره إِذ كان من غير المأْلوف إِبراز العري بهذا الشكل الفاضح. ففي مطلع عصر النهضة تميَّزت التماثيل بمعدنها البرونزي وبإِبراز الأَعضاء الذكورية التي كانت غابت منذ سحيق العصور القديمة ولم تعُد تظهر إِلَّا مع مطلع عصر النهضة الإِيطالية.
- “داود” بإِزميل ميكالانجلو: نحتَه ميكالانج بين 1501 و1504. وعن النقاد أَنه كُلِّف بنحته ليكون على سطح كاتدرائية فلورنسا، وكان ميكالانجلو في السادسة والعشرين حين ربح هذا العرض. وتمثاله اليوم يُعَدُّ من أَشهر التماثيل على الإِطلاق في تاريخ الفن. نحته بحجم كبير وهو يحمل على كتفه أَداته ويتطلع بكل ثقة إِلى يساره استعدادًا لقتل غولياث الجبار. وواضحة في هذا التمثال عبقرية ميكالانجلو في نحت التفاصيل الصغيرة التي لا تغيب عن إِزميله، منها عروق يده ووقفته المعبِّرة.
- اغتصاب بروسبيرينا: من أَشهر تماثيل عصر النهضة كذلك. نحتَه برنيني بين 1621 و1622. وهو نحات باروكي كان في الثالثة والعشرين حين ربح عرض أَن ينحت هذا التمثال الذي يعتبره النقاد أَبرز منحوتاته على الإِطلاق. انطلق في نحته من أُسطورة في الميثولوجيا اليونانية عن محاولة الإِله هِيْد اغتصاب بروسبيرينا ابنة كبير الآلهة زوس. وضعه برنيني برخام الكاريرا الفخم النادر الذي جعله، ببراعته، الأَقرب كثيرًا إِلى قماشة الجلْد البشري. ويُعدُّ هذا التمثال بتفاصيله وملامحه وبراعة نحته من روائع الفن الباروكي.
- تمثال الحرية: صمَّمه فردريك أُوغست بارتولدي ونفذه المهندس غوستاف إِيفل بين 1876 و1886. وهو يمثل الحرية في الولايات المتحدة، مصنوع من النحاس تقدمة من الحكومة الفرنسية إِلى الشعب الأَميركي. يمثل التمثال “ليبرتاس” إِلهة الحرية في الميثولوجيا الرومانية، تحمل في يديها لوحًا عليه تاريخ إِعلان استقلال الولايات المتحدة: 4 تموز/يوليو 1776. وكانت فكرة التمثال وإِهدائِه تعود إِلى إِدوار دو لابولاي رئيس الجمعية الفرنسية لمحو العبودية، أَطلقها احتفاءً بانتصار الوحدة في أَعقاب الحرب الأَهلية والقضاء على استعباد الهنود أَبناء الأَرض الأَصليين. وتظهر على التمثال طبقة خضراء باتت جزءًا من ملامح التمثال، كان لا بد من اللجوء إِليها سنة 1900 بعدما بدأ الصدأ يَنخُر التمثال.
يلي جُزءٌ ثالث أَخير.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.