هل حان الوقت لـ”حزب الله” لتسليم سلاحه إلى الجيش؟

بيروت – رئيف عمرو

تلقّى الجيش اللبناني شحنة طال إنتظارها من الأسلحة من فرنسا، تُدفع من طريق الهدية التي منحتها المملكة العربية السعودية والبالغة 3 مليارات دولار. وهذا الأمر أبرز الدور المتغيّر للجيش في بلد حيث القوة السياسية يهيمن عليها “حزب الله” من خلال ميليشياته المنفصلة عن الدولة.
إن المساعدات السعودية، في حين أنها تُفيد الجيش، فقد كانت في الواقع مكافأة لفرنسا على موقفها الصلب في المحادثات النووية مع إيران. ولكنها كانت أيضاً محاولة لبناء قوة موازنة ل”حزب الله” في وقت إنخرط الحزب الموالي لإيران في حرب طاحنة في سوريا نيابة عن الجمهورية الإسلامية ونظام الرئيس بشار الأسد.
الغريب، أن الجيش قد إستفاد من حملة “حزب الله” السورية. وهو ينتشر الآن في مناطق لم يكن يتصورها أحد تقريباً قبل بضع سنوات. ولآنه يُعتبر على نطاق واسع بأنه المؤسسة الوحيدة القادرة على الحفاظ على الاستقرار الوطني، فقد كسب الجيش كثيراً بضمه أفراد من جميع الطوائف الدينية، الذين يتَّحِدون في العمل من أجل تحقيق هدف مشترك.
تلقت مصداقية الجيش ضربة خلال سنوات الوجود العسكري السوري، وبعد ذلك، عندما رفض “حزب الله” تسليم سلاحه الذي إنعكس سلباً على الدولة وهيبتها.
بعد إنتهاء الصراع اللبناني في العام 1990، أعاد السوريون بناء الجيش، ولكنهم أيضاً تأكّدوا من أنه سيكون مؤيداً لسوريا. وبسيطرتهم على ملفات أفراد الجيش، فقد رقّى السوريون ضباطاً مؤيدين لهم وهمّشوا المعارضين. كما قاموا بتدريب ضباط في سوريا. وفي الوقت عينه، إستمر “حزب الله” كقوة مسلحة مستقلة لمحاربة إسرائيل، الأمر الذي خلق إزدواجية بين الجيش و”المقاومة” التي يعاني منها لبنان.
ومنذ ذلك الحين عارض “حزب الله” الدعوات إلى الإندماج في الجيش، وصوّر نفسه على أنه المدافع الأكثر فعالية للبنان ضد إسرائيل. في خطاب ألقاه في العام 2012، لم يخفِ أمينه العام، السيد حسن نصرالله، إحتقاره لفكرة الدمج مع الجيش. وقال إن الجيش، كمؤسسة منظمة، كان غير قادر على إخفاء أسلحته في حالة نشوب حرب، في حين أن “حزب الله” إستطاع ذلك. “أولئك الذين يطالبون بتسليم سلاح “حزب الله” إلى الجيش يريدون أن يدمّروا “المقاومة” والجيش”، قال نصر الله.
وبالمثل، عندما حاصر الجيش مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد في العام 2007، في أعقاب مقتل 27 جندياً من قبل الجهاديين، حذّر نصر الله ضد دخول المخيم. وقد واجه هذا الحذير إنتقادات على نطاق واسع، وتجاهلته القيادة العسكرية.
لفترة طويلة، كان يُنظّر إلى الجيش بإعتباره تحت نفوذ “حزب الله”، الذي كان قد كسب سلطة سياسية في السنوات التي تلت الإنسحاب السوري. ويحتفظ الحزب وحلفاؤه بتأثير في أجهزة الاستخبارات العسكرية والمكتب المسؤول عن ترقية ونقل الضباط.
هذا الوضع لم يتغيّر كثيراً، ولكن ما تغيّر هو السياق. فيما تورط “حزب الله” في المستنقع السوري، لم يعد من الممكن أن يدّعي أنه المدافع عن البلاد. وبالنظر إلى الإستقطاب الطائفي في لبنان، فإن “حزب الله” قد نفّر وأغضب أهل السنة في الوطن. وعلاوة على ذلك، فيما الحرب في سوريا تتطلب إرسال كثير من مقاتلي “حزب الله”، فإن الحزب يعرف أنه يحتاج إلى الجيش للحفاظ على السلم المحلي ومواجهة التهديدات الأمنية في الداخل.
هذا هو السبب الذي جعل الحزب يقدّم تنازلات للجيش. عندما إستهدفت هجمات بسيارات ملغومة الضاحية الجنوبية في بيروت معقل “حزب الله” في العام 2013، وضع الحزب حواجز عند كل مدخل في المنطقة. وقد أثار هذا إستياء أصحاب الأعمال، والذي إمتصه الحزب بتسليم الحواجز إلى الجيش.
لسنوات، طالب خصوم “حزب الله” بإنتشار الجيش على طول الحدود مع سوريا، الأمر الذي رفضه الحزب بإستمرار. ولكن فيما تصاعدت التوترات في منطقة القلمون السورية، على الحدود الشرقية للبنان، إنتقلت قوات “حزب الله” إلى هناك، وأصبح وجود الجيش ضرورياً لإعتراض جهود التموين للمتمردين السوريين من لبنان والمساعدة على حماية القرى.
اليوم، عزز الجيش مواقعه على طول الحدود، في حين ساعدت المملكة المتحدة في بناء سلسلة من أبراج دفاعية. في الوقت عينه، وفقا للصحافي نيكولاس بلانفورد، فإن الجيش سمح للقوات الخاصة الأميركية بتشغيل طائرات من دون طيار فوق المنطقة لإعطائه المعلومات حول الجماعات الجهادية. ولما كان وادي البقاع الشمالي يشكل معقلاً ل”حزب الله”، فإن الحزب لا يمكن أن يرحّب بهذه الإختراقات.
لن يتغير الكثير في المدى القصير بين “حزب الله” والجيش. المواجهة ليست واردة. ولكن مع لبنان المنقسم حتى بشأن الحرب في سوريا، فإن غالبية اللبنانيين تعتقد أن الجيش وحده هو القادر على إحتواء الاضطرابات الداخلية. يأتي ذلك فيما ولاء “حزب الله” لإيران يلاقي إعتراضات شديدة، وهذا ما يعني أن الحزب لم يعد قادراً على الدفاع عن أسلحته بإعتبارها حاجة وطنية.
هل يُقدم “حزب الله” على حل ميليشياته تلقائياً عن طيب خاطر؟ بالتأكيد لا، ولكن مع وجود الجيش اللبناني الذي تتزايد مصداقيته بدعم من إجماع شعبي، فإن الحزب سوف يجد أن الأمر صار أكثر صعوبة لتبرير وجود ميليشيات مستقلة ترفض الإعتراف بالسلطة العليا للدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى