جَرعَةٌ تَستَدعي أختها
راشد فايد*
توقّفت، أمس، سياسة الإيحاء التي اختارها الحزب المسلح للترويج لمرشّحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية النائب سليمان فرنجية، واتبع، بذلك، خطى رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي ختم بها الأسبوع السياسي المنصرم، فيما بدا “الأمين العام” حريصًا، في خطابه أمس، على إيضاح أنه يؤيد فرنجية، وليس هو مَن يُرَشِّحه، ربما للتعتيم على كونه مرشح تحدٍ باسم “الممانعة”، وهو ما تراه غالبية اللبنانيين، وغيرهم، فيما أهل هذه الممانعة لا ترى في المرشح ميشال معوض إلّا مرشّح تحدّ وعدوّ حرب، لا صاحب مشروع سياسي إجتماعي إصلاحي، ولا مواطنًا صاحب حقوق دستورية، منها حق الترشّح للوظيفة الأعلى في الدول الديموقراطية.
كذلك لا يرى الحزب تحديًاّ في أن يكشّر أحد معاوني الأمين العام عن أنيابٍ مزعومة، مُستعيدًا إيقاعات التهديد بالسلاح نفسه الذي “أنجب” به 7 أيار/مايو 2008، بفارق أنه يعرف، اليوم، أن التوازنات الإقليمية، والمحلية، لا تسمح بتكرار ما مضى، وأن مَن يريد أن يقتل لا يهدد، بدليل سوابق الحزب منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن لا قعر للمأساة اللبنانية الراهنة أعمق مما يختبره اللبنانيون، اليوم، بتغريبهم عن أهلهم العرب، وعن أصدقائهم في الغرب، ومحاولة دفعهم إلى الشرق، “المبدع” من ايران إلى فنزويلا، عبورًا بنظام بشار الأسد في بعض سوريا.
يمارسُ الحزب نهجًا باتجاهين، أحدهما تطميني، يخصّ به جمهوره “المؤمن” بنصرٍ آتٍ، وبه يوحي بأنه لا يزال يُمسِكُ بدفة الوقائع الراهنة، وأن ما يزعم من ليونة، وما يفتعل من مُماحكات سياسية، لن يؤدّي إلّا إلى تحقيق النصر المبين، على الخصوم السياسيين الذين يصفهم بالأعداء، لا المنافسين، لزرع الحقد الوئيد لدى جمهوره، وربما لتبرير ما يشبه غزوة أيار باجترار تهمة العمالة لسفارات، واستقبال مبعوثين أجانب تريد دولهم، فعليًا، مساعدة لبنان، بينما زيارات سفارة ايران، وما يماثلها، مستساغة كالزيارات العائلية.
أما القطب الثاني في هذه السياسة فهو تهديدي، لكن كصفير الخائف من العتمة الذي يأمل، في قرارة نفسه، أن تنجلي بأسرع ما يمكن، فيزيد الصفير، ليوحي، لنفسه وجمهوره، بأنه يمسك بالقرار في المعركة السياسية الرئاسية، وبأنه لا يحسمها لحرصه على الوحدة الوطنية، التي لطالما تجاهلها.
أعاد الأمين العام السيد حسن نصرالله، أمس، على مسامع مجالسيه، عبر الأثير، أدبيات خطبه المواتية للحظة السياسية الراهنة، ولولا تبنيه ترشيح فرنجية، وعدم كتم غيظه من جبران باسيل، لكان طغى الملل على السامعين، وإن كان لفتهم حرصه على الدفاع عن الترسيم البحري مع اسرائيل، وتوجهه بالتهديد،”إلى أعداء لبنان” (المبهمين) الذين “يريدون ان يسلبونا هذه القوة بالاغتيال وتشويه السمعة وتأليب الراي العام العالمي علينا وبالتجويع والدفع نحو الفوضى”. ولم يمنع نفسه من تسجيل حنقه على خصومه، وضمنًا خصوم حليفه رئيس مجلس النواب، الذين اتخذوا منهما “قدوة سياسية” في ما يسمى “تجزية الوقت”، أي فن إدارة الوقت، بتعطيل مجلس النواب عن عمله التشريعي، كحال الجلسات الـ 11 لانتخاب رئيس الجمهورية بالأكثرية المطلقة، والتعطيل لأكثر من سنتين، من 2014 إلى 2016 للإتيان بالعماد ميشال عون رئيسًا للبلاد، وكيف تسلح بحرب تموز ليشنّ غزوة على بيروت والجبل، في أيار/مايو 2008 بعدما عطل الحياة العامة، ومجلس النواب تحديدًا.
ربما ما حرّك امتعاض الحزب وحليفه الوحيد، انكفاء رئيس حزب “القوات اللبنانية”، الدكتور سمير جعجع، عن التزامه بعدم تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إذا كان المرشح، الأوفر حظًا، من الخط المعادي، وبذلك يتجرّع بري وحليفه الكأس التي سقيا منها قوى 14 آذار، أكثر من مرة، وحوّلا الدستور وجهة نظر.
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).