كأسُ العالم وحُدودُ التَحَرُّرِ في قطر

دفعت استضافة قطر لفعاليات كأس العالم لكرة القدم البلاد إلى دائرة الأضواء الدولية حيث تُثار نقاشات بشأن تغييرات وإصلاحات اجتماعية.

ناصر الخاطر: سيكونالجميع بأمان وموضع ترحيب في كأس العالم، وقطر دولة متسامحة.

ألينّا ليلويا*

أسابيعٌ قليلةٌ تَفصُلُنا عن نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 التي ستُقام في الفترة من 20 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 18 كانون الأول (ديسمبر)، وفي هذه الآونة التي تستعد فيها قطر لاستضافة أعدادٍ هائلة من المُشَجّعين والسياح، ركّز الجزء الأكبر من النقاش الدائر حول الحدث في الإعلام الغربي على الهواجس المُتعلّقة بالزوار الذين ينتمون إلى مجتمع “الميم” (LGBT) ومعاملة العمّال الوافدين، وقواعد استهلاك المشروبات الكحولية. لكن فيما لا يزال القادة في مختلف أنحاء الخليج يُقيِّمون التحرر الإجتماعي والاقتصادي، تضع مباريات كأس العالم وما ينجم عنها من ضغوط دولية حدود الإصلاح والتغيير الاجتماعي في قطر على محك الاختبار.

لطالما تمحورت استراتيجيات بناء الأمّة في قطر على الحفاظ على الهوية الوطنية الإسلامية، مع إبقاء الدولة على السياسات الاجتماعية المحافظة كرمزٍ لالتزامها بالإسلام. في الوقت نفسه، شجّعت الدولة التفسيرات الأكثر اعتدالًا  للإسلام في القرن الحادي والعشرين لتسهيل التحرر، مُعتبرةً أن الالتزام بالدين الإسلامي لا يقتضي بالضرورة منع التغيير الاجتماعي أو التحديث.

لكن استضافة نهائيات كأس العالم وضعت على محك الاختبار حجم التغيير الذي يمكن أن تقبل به قطر، فالانتقادات الحادة من المجموعات الحقوقية الغربية نابعة من المزاعم عن معاملة العمّال الوافدين الذين يعملون في بناء ملاعب كأس العالم، وقوانين البلاد التي تُحظّرُ المُثلية الجنسية. فضلًا عن ذلك، كانت المشاغل اللوجستية المتعلّقة باستهلاك الكحول خلال كأس العالم مصدرًا للنقاش العام أيضًا، ما دفع بدولة قطر إلى الإعلان عن ترتيبات تُجيزُ للزوّار احتساء الكحول في أماكن مُخصصة لهذا الغرض.

يعكس التعاطي القطري مع هذه الانتقادات الجهود التي تبذلها البلاد لإرساء توازن بين ضغوط المحافظين والتطلعات إلى ممارسة القوة الناعمة وتعزيز التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، بذلت الحكومة جهودًا لإصلاح منظومة العمالة الوافدة منذ العام 2017، بما في ذلك إقرار تشريع في العام 2020 ينص على فرضِ حدٍّ أدنى لأجور العمال الوافدين، وعلى إلغاء شرط الحصول على إذنٍ من صاحب العمل ليتمكّنوا من تغيير وظيفتهم.

في غضون ذلك، ردَّ المسؤولون القطريون أيضًا، في تصريحات علنية، على الهواجس بشأن سلامة المُشجّعين والرياضيين المنتمين إلى مجتمع الميم خلال البطولة. وردًا على المخاوف التي عبّر عنها لاعبِ كرةِ قدمٍ أوسترالي سبق له أن كشف علنًا عن مثليته الجنسية بشأن سلامته في قطر، قال الرئيس التنفيذي للجنة المنظّمة لبطولة كأس العالم ناصر الخاطر لقناة “سي إن إن”، إن الجميع سيكونون بأمان وموضع ترحيب في كأس العالم، واصفًا قطر بأنها دولة متسامحة. وعلّق في إشارة إلى “التدقيق” الذي تواجهه بلاده: “إذا كان سيشكّل حافزًا للتغيير، فنحن ندعمه تمامًا”. وأخيرًا، عزّز  الخاطر هذا الموقف عندما سُئلَ عن موقف قطر من المشجعين الذين يعرضون علم قوس قزح (علم المثليين)، مؤكّدًا أن “الجميع مُرحَّبٌ بهم هنا … كل ما نطلبه هو أن يحترم الناس الثقافة”.

في حين لقي الرد القطري إنتقادًا من وسائل الإعلام الغربية التي اعتبرت أنه ينمّ عن مراوغة، تُعَدّ مناقشة المسؤولين القطريين مباشرةً لقضايا مجتمع الميم خطوةً غير مسبوقة وتعكس رغبةً في استخدام البطولة بمثابة فرصة تسعى البلاد إلى اقتناصها في الديبلوماسية. مما لا شك فيه أن القوى المحافظة المعارِضة للإصلاح لا تزال تفرضُ حدودًا على المسافة التي يُبدي المسؤولون القطريون استعدادًا لقطعها تحقيقًا للتغيير. وفي هذا الصدد، برزت ردود فعل محلية منها قيام مجموعة مواطنين بنشر صورةمع تعليمات على موقع تويتر يطلبون فيها من السياح احترام الثقافة القطرية من خلال تجنّب سلوكيات مثل “شرب الكحول” و”اللباس المبتذل” و”الشذوذ”. سرعان ما أعلن المسؤولون القطريون أن المنشور مُضلّلٌ بعدما اعتقد كثرٌ أن الحكومة وافقت عليه. بيد أن سجالًا متزايدًا يدور في أوساط الرأي العام القطري بشأن القضايا الاجتماعية، ويرغب كثرٌ في رؤية بلادهم تقرّ سياسات أكثر تقدّمية.

مع اقترابِ موعد انطلاق كأس العالم، لم تبلغ الضغوط الدولية مستوىً كافيًا لدفع المقاربة القطرية للتغيير الاجتماعي أبعد من الخطاب الموجَّه إلى الخارج والإصلاح الشكلي. غير أن الأضواء التي سُلِّطت على قطر بفعل استضافتها لهذا الحدث لفتت الأنظار إلى التجاذبات بين القوى المحلية المحافظة والمسؤولين القطريين الذين يركّزون على السعي وراء القوة الديبلوماسية – وغالب الظن أن هذه المعركة ستستمر بعد مغادرة مشجّعي كرة القدم البلاد في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

  • ألينّا ليلويا هي باحثة وكاتبة متخصصة في حقوق الإنسان وقضايا المرأة في بلدان الخليج. نالت أخيرًا شهادة الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جامعة أريزونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى