هوّة الخلافات بين أميركا والسعودية تتَّسع

لينا الخطيب*

أعلنت منظمة البلدان المُصدّرة للبترول بلاس، أو “أوبك+”، الأسبوع الماضي أنها ستُخفّض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا بدءًا من تشرين الثاني (نوفمبر). ويبدو أن هذا القرار هو محاولة لرفع سعر النفط الخام العالمي، الذي انخفض إلى 80 دولارًا في أيلول (سبتمبر) بعد أن اقترب من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 147 دولارًا في آذار (مارس) بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وأعلنت دول “أوبك +”، بما فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا، إن القرار ضروري لمساعدتها على تعويض الخسائر وتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمية. ردّت الولايات المتحدة بتأطير ووصف التخفيضات في إنتاج النفط على أنها خطوةٌ تخدم  مصالح هذا الكارتل وبشكلٍ واضح روسيا، واستفردت المملكة العربية السعودية على أنها زعيمة هذا الجهد الجماعي.

أدان الرئيس جو بايدن القرار في بيانٍ صدرَ عن البيت الأبيض في 5 تشرين الأول (أكتوبر)، قائلًا إنه “يشعر بخيبة أمل من القرار قصير النظر الذي اتخذته أوبك + لخفض حصص الإنتاج بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع التأثير السلبي المستمر لغزو بوتين ​​لأوكرانيا”. وذهبت الناطقة الصحافية للبيت الأبيض، كارين جان بيار، إلى أبعد من ذلك قائلة إنه “من الواضح أن أوبك + تتحالف مع روسيا”. وقال وزير الخارجية، أنتوني بلينكِن، إن واشنطن تُراجِعُ خياراتها في ما يتعلق بعلاقاتها بالرياض. وقد دعا ثلاثة ديموقراطيين في الكونغرس، بمن فيهم السناتور بوب مينينديز من نيوجيرسي، إدارة بايدن إلى وقف دعمها العسكري للسعودية والإمارات. إن مصير اجتماع مجموعة العمل الأميركية-الخليجية المعنية بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، الذي كان من المقرر عقده الأسبوع المقبل في الرياض، بات على المحك الآن. في وقت سابق من الإثنين الفائت، قال مسؤول في البيت الأبيض إن بايدن يُعيد تقييم العلاقة مع المملكة العربية السعودية، والتي قد تشمل منع مبيعات الأسلحة إلى الرياض.

يرى الكثيرون في الحزب الديموقراطي أن إعلان أوبك + هو محاولة مُتَعَمَّدة للإضرار بآفاقهم الانتخابية في الانتخابات النصفية التي تجري في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث من المرجح أن يلوم الناخبون بايدن والديمقراطيين على أيِّ زيادةٍ ناتجة عن أسعار البنزين والغاز. ومن شأن هذا الارتفاع في الأسعار أن يُعمّقَ الانتقادات لزيارة بايدن للسعودية في تموز (يوليو)، والتي طلب خلالها من الرياض زيادة إنتاج النفط وسط تقلّباتٍ في أسواق الطاقة في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا.

صاغَ رد الرياض الرسمي قرار أوبك + من منظورٍ الاستقرار الاقتصادي. خلال مؤتمر صحافي، رفض وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الاتهامات بأن أوبك + تقوم بتسليح النفط. وفي مواجهة حججه المُضادة، هناك بعض المزايا لموقف الرياض. لدى المملكة العربية السعودية خطط اقتصادية طموحة، تتمحور بشكل أساس حول رؤية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وأسعار النفط المنخفضة لا تبشّر بالخير لمشاريع مثل بناء مدينة نيوم الصحراوية، والتي تأمل الرياض في بنائها في الوقت المناسب لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029. وتشير التوقعات الحالية إلى أن عائدات الموازنة السنوية للمملكة العربية السعودية أقل مما كانت تتوقعه الرياض سابقًا، وهو تطورٌ سرعان ما أصبح مصدرَ قلق كبير لصانعي السياسة السعوديين الذين يخشون الآن من احتمال أن يؤدي انهيار أسعار النفط إلى حدوث ركودٍ عالمي.

يُمكن الكشف عن ردودٍ كاشقةٍ أكثر من قنواتٍ سعودية وإماراتية أخرى. من جانب أبو ظبي، في حين أنها لم تصدر ردًا رسميًا على الانتقادات الأميركية لإعلان أوبك +، فقد أعلنت أن رئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان سيزور روسيا في 11 تشرين الأول (أكتوبر) لمناقشة “القضايا الإقليمية والدولية والتطورات ذات الاهتمام المشترك”، بحسب بيان صادر عن وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام). كانت الرحلة مخططة أصلًا قبل إعلان أوبك + وتُقدِّمُها أبوظبي على أنها تدعم اهتمامها بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا. ويشير هذا إلى أن الإمارات تريد شق طريق خاص بها في علاقتها مع روسيا، بدلًا من اتباع نهج الولايات المتحدة.

في المملكة العربية السعودية، نشرت وسائل إعلام عدة، سواء تلك المملوكة مباشرة للدولة أو التي تربطها صلات وثيقة بها، مقالات باللغة العربية احتفاءً بفكرة ضعف الولايات المتحدة بسبب قرار أوبك +. ونشرت الصفحة الأولى لصحيفة عكاظ في 9 تشرين الأول (أكتوبر) عنوانًأ: “خيارات واشنطن ضد الرياض … صفر”. في غضون ذلك، ركّزت صحيفة “الشرق الأوسط” على بايدن ومخاوف الديموقراطيين من ارتفاع أسعار النفط الذي يؤدي إلى “تدمير” فرصهم في الاحتفاظ بأغلبية في الكونغرس في انتخابات النصفية المقبلة. وكتبت أن قرار أوبك + “منح الجمهوريين هدية على لوحة ذهبية لشن هجوم ضار على مسارات بايدن السياسية والاقتصادية”، بينما أعلنت بسعادة أن “حالة من الخوف والذعر تسود البيت الأبيض”.

أحد الموضوعات السائدة التي تنبثق عن ردود الفعل السعودية والإماراتية غير الرسمية هذه هو الإيمان الراسخ بوجود واقع جيوسياسي جديد الآن، حيث يمكن للرياض وأبو ظبي رسم مسار مستقل بدلًا من اتباع قيادة واشنطن. في هذا السياق، يمكن للإمارات والسعودية السعي بإصرار إلى تحقيق مصالحهما الوطنية بطريقة براغماتية من دون الحاجة إلى القلق بشأن تضارب الأولويات مع واشنطن. الدافع الرئيس لهذه الرغبة في المزيد من الحكم الذاتي هو خيبة الأمل السعودية والإماراتية من التقارب المُتَصَوَّر لواشنطن مع إيران، والذي يعود إلى إدارة باراك أوباما، التي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس، لكنه مستمر حتى الآن في ظل إدارته. ترى الرياض وأبو ظبي قرار واشنطن شطب الحوثيين اليمنيين المدعومين من طهران من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية، ومفاوضاتها لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران من دون رسم خط متشدد في ما يتعلق بالتدخلات العسكرية لطهران في الشرق الأوسط، يضر بالمصالح الجيوسياسية العربية الخليجية.

لذا تأمل الدولتان الآن أن يتم استبدال بايدن في العام 2025 برئيس جمهوري تعتقدان أنه سيكون أكثر مُلاءمة لتلك المصالح. على غرار العلاقات مع إسرائيل، اتخذت العلاقات الأميركية بدول الخليج على نحو متزايد صبغة حزبية، مع تداعياتٍ محلية مُحتَمَلة على كلا الجانبين.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى