هلّ باتَ الناخبُ العربي يُعَيِّنُ رئيسَ وزراءِ إسرائيل؟

محمّد قوّاص*

لن يكونَ يسيرًا الاقتناع بانقلابِ خطاب رأس الحكم في إسرائيل لمصلحة “حلّ الدولتين”، وفق ما أعلن رئيس الحكومة يائير لابيد من على منبر الأمم المتحدة. وإذا ما كان رفض إقامة دولة فلسطينية هو لسان كل اليمين الإسرائيلي الذي طالما عبّر عنه بوضوح بنيامين نتنياهو، فإن منافسيه لم يُفصِحوا، في السنوات الأخيرة عن نقيضٍ حاسمٍ يؤيد حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

لكن أن يُعلِنَ لابيد هذا التحوّل من على المنبر الأممي فهذا لافت وله دلالاته. وأن يُجاهِرَ بالأمر قبل أسابيع من انتخاباتٍ تشريعية ستجري في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، وهي الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف، فلذلك حسابات انتخابية مباشرة. صحيح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أخذ علمًا بهذا التطور من دون كثير ثقة شاكيًا، في نيويورك، غياب الشريك الإسرائيلي، لكن موقف لابيد بات أمرًا واقعًا داخل الجدل الإسرائيلي.

في ميزان الحساب بين صدى الإعلان على الناخب الإسرائيلي وصداه على الناخب العربي في إسرائيل اختار لابيد ربما أن يُحدِثَ تحوِّلًا ما داخل الكتلة العربية الناخبة من خلال إبراز تميّزه عن نتنياهو. وقد لا يكون أمر دعم “حل الدولتين” بعيدًا من مزاج الإدارة الديموقراطية في البيت الأبيض التي يهمّها هي أيضًا عدم عودة نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل. كان الرئيس الأميركي جو بايدن نائبًا للرئيس باراك أوباما حين تعمّد نتنياهو في العام 2015 استفزاز البيت الأبيض (الديموقراطي)  وازدراء الرئيس والتوجّه مباشرة نحو الكونغرس بديموقراطييه وجمهورييه.

ولئن يقرّ الداخل الإسرائيلي تبرّمًا بأن الصوت العربي في الانتخابات بات مُحدِّدًا للأغلبيات الحكومية، فإن العواصم المعنية أخذت أيضًا علمًا بذلك وراحت تتعامل مع الاستحقاق الإسرائيلي من بوابة مقاربة الكتلة العربية الناخبة، تيارات وأحزابًا وقوّة ناخبة.

تصل نسبة العرب في إسرائيل إلى نحو 21 في المئة من إجمالي السكان. غير أن نسبةَ مَن يحقّ لهم الاقتراع، وبسبب التركيب العمري، تصل إلى 17 في المئة. ومع ذلك يُفترَض بهذه النسبة أن تُتيحَ للعرب، لو تَوَحّدت لوائحهم وتعاظم أداؤهم، الحصول على أكثر من 20 مقعدًا من مقاعد الكنيست (120 مقعدًا). لكن الانقسام والتعدّد وضُعف الإقبال على الاقتراع تَحولُ دون ذلك.

تحدّثَ بعض التقارير في العام 2019 عن تمويل جهات يمينية استيطانية حملة مقاطعة العرب للانتخابات وأثارت النائبة العربية عايدا توما الأمر آنذاك. في المقابل تتحدّث تقارير هذه الأيام عن تمويلات خارجية، بعضها أميركي، هدفها تشجيع العرب على المشاركة في الانتخابات.

لكن ما لفت النظر هو الهمّة التي أظهرها الأردن تجاه التيارات السياسية العربية في إسرائيل، بما فُهِمَ أنه محاولة لدفعها الى الوحدة وتوسيع حضورها البرلماني المقبل، على نحو يؤثّر في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبل. فإذا كانت واشنطن (الديموقراطية) تكتم “حقدها” التاريخي على نتنياهو، فإن الموقف الأردني علني قديم ضد نتنياهو وعودته المُحتَمَلة إلى الحكم من جديد.

رُصِدَت في الأسابيع الأخيرة جهود أردنية بُذِلَت لدى قادة التيارات العربية لحثِّهم على أداء انتخابي متطور وناجع. حتى أن ضجيجًا أُثير، في سياق هذه المساعي بشأن سعي الى تواصل مع الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية، رُغمَ المقاطعة التاريخية التي انتهجها الرجل وحركته لأي انتخابات إسرائيلية.

والحال أن تجربة منصور عباس عن الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) ما زالت تثير الجدل لدى المجتمع العربي في إسرائيل.

في انتخابات العام 2020 خاض العرب الانتخابات مُوَحَّدين داخل “القائمة المشتركة” فحققوا أقصى قوة تمثيلية بحصولهم على 15 مقعدًا. إنخفض هذا العدد إلى 10 مقاعد في انتخابات العام 2021 إثر انشقاق “القائمة الموحدة” بقيادة منصور عباس. لكن الرجل ذهب أكثر من ذلك.

تقدّمَ عباس الذي فازت قائمته بأربعة مقاعد كحاجة حتمية لقيام حكومة نفتالي بينيت – يائير لابيد (بعد فشل مفاوضاته مع نتنياهو). إنضمَّ إلى الائتلاف الحكومي ما أثار جدلًا إسرائيليًا حول مسألة أن يقرر العرب قيام حكومة إسرائيلية، وأثار جدلًا عربيًا حول خيارات عباس البعيدة من الخطاب الهوياتي العربي والتحاقه بالحكم الإسرائيلي لدوافع خدماتية لم تُحقق.

لم يحسم العرب هذا الجدل، لا بل أعاد التأكيد في الداخل والخارج على دور التمثيل العربي في تقرير هوية الحكم في إسرائيل.

وإذا ما نتجت ظاهرة عباس من انقسام عربي ثنائي في الانتخابات الأخيرة، فإن المرشحين العرب هذه المرة هم أكثر تشظّيًا. فإضافة إلى حالة عباس، أعلن حزب التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة سامي أبو شحادة خوض انتخابات الكنيست بشكلٍ مستقل عن “القائمة المشتركة” التي كانت تضم إلى جانبه، الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي.

الإنقسام سيؤدي إلى مزيدٍ من تشتّت الصوت العربي. الاستطلاعات تُرجّح تراجع نسبة المشاركة في الاقتراع إلى 40 في المئة بعد أن وصلت إلى 70 في المئة في العام 2020. ومع ذلك فإن وجهات نظر أخرى ترى أن التعدد سيقوّي حيوية الحملة الانتخابية لدى المجتمع العربي جراء ذلك التنافس المحموم.

وفي الاستطلاعات أيضًا أن كتلة نتنياهو ستحصل على 59 مقعدًا مقابل 56 لخصومه (يحتاج الفائز إلى 61 مقعدًا). وهذا يعني من جديد أنَّ مَن سيحكم إسرائيل سيحتاج إلى بضعة مقاعد لا بدّ من أن يجدَها لدى إحدى القوائم العربية. هنا فقط يُسلّط الضوء على ما سيحققه العرب من نتائج وما سيعنيه ذلك داخل المشهدين البرلماني والحكومي في إسرائيل.

في إسرائيل مَن يستفزّهم أن يصبح الناخب العربي الناخب الأول لرئيس الوزراء. وداخل المجتمع العربي من يتخوّف من أن تؤدّي هذه الحقيقة إلى مزيد من التطرّف ضد العرب في إسرائيل. وأيّاً يكن الجدل فإن ما هو احتمال هذه الأيام سيصبح أمرًا واقعًا لا لبس فيه في المستقبل، ذلك أن أول الأخطار، التي ما فتئت مراكز الدراسات الإسرائيلية تحذّر منها منذ عقود، هو “القنبلة الديموغرافية” الأكثر بطشًا من قنبلة إيران النووية.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى