إحتجاجاتُ الحجاب في إيران تُهَدِّدُ أُسُسَ نِظامِ الملالي

سواء كان الأمر يتعلق بمفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أو بقانون الحجاب الإلزامي أو بغيرهما، لا ترى المؤسسة الإيرانية خيارات جيدة لحلِّ التحدّيات الكبيرة التي تواجهها.

الرئيس ابراهيم رئيسي: عزّز دوريات التوجيه منذ وصل إلى الحكم

سينا توسي*

في 6 كانون الثاني (يناير) 1978، نشرت صحيفة “إطلاعات” الإيرانية شبه الرسمية افتتاحية على صفحتها الأولى تنتقد آية الله روح الله الخميني المَنفي ولكن ذات النفوذ المتزايد، وذلك بتوجيهٍ من الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان آنذاك إمبراطور إيران. في المخطط الكبير لعهد الشاه، كانت المقالة الافتتاحية حاشية تاريخية، ومحاولة أخرى مدعومة من الدولة لتشويه صورة ناقد ومعارض بارز. لكن القدر أثبتَ أن هذه الافتتاحية كانت الشرارة التي أطلقت برميل البارود، وأثارت غضب أتباع الخميني وأطلقت سلسلة من ردود الفعل من الاحتجاجات التي أدت في النهاية إلى سقوط نظام الشاه وصعود الخميني وولادة الجمهورية الإسلامية.

اليوم، بعد أكثر من 43 عامًا، حفّزت شرارة أخرى غير متوقَّعة على ما يبدو انفجارًا مشابهًا للغضب الشعبي تجاه النظام الديني الذي حل محل الشاه. في 17 أيلول (سبتمبر)، توفيت مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا بعد أن تم احتجازها من قبل “دوريات التوجيه” (شرطة الأخلاق) التابعة للشرطة الإيرانية، المُكلّفة بفرض قانون الحجاب الإلزامي للحكومة الثيوقراطية. يشترط القانون على النساء تغطية شعرهن بغطاء وشاح وارتداء ملابس فضفاضة ومعطف حول أجسادهن.

بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، التي قامت منذ إنشائها بسجن وإعدام الآلاف بسبب معتقداتهم السياسية، قد لا يبدو موت أميني كأنه حدثٌ يمكن أن يُقوِّضَ سلطتها بشكلٍ خطير. لكنها أطلقت موجة متجددة من الاحتجاجات على مستوى البلاد والتي يمكن اعتبارها الأكبر التي تشهدها إيران منذ سنوات. خلقت هذه الاحتجاجات أزمة جديدة خطيرة للرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي يتولى منصبه منذ أكثر من عام بقليل والذي يُعتَبَرُ نجاحه أمرًا حيويًا لمستقبل الجمهورية الإسلامية.

ومع ذلك، فإن سجل رئيسي حتى الآن يعكس نهجًا للحكم يُولِّدُ الشلل في العديد من الأزمات التي تواجهها الجمهورية الإسلامية. سواء كان الأمر يتعلق بمفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أو بقانون الحجاب الإلزامي، لا ترى المؤسسة الإيرانية خيارات جيدة لحل التحديات الكبيرة التي تواجهها. ينبع مأزقها من وجهة نظر راسخة داخل النظام الإيراني مفادها أن الضغوط المحلية والأجنبية متشابكة، وبالتالي فإن التنازل عنها ستكون له تكاليف أكثر من فوائد.

أزمة الشرعية الإيرانية تتعمّق

بدأت سلسلة الأحداث التي حفّزت الاحتجاجات الأخيرة في 13 أيلول (سبتمبر)، عندما احتُجِزَت أميني من قبل “دوريات التوجيه”، المعروفة أيضًا ب”شرطة الأمن الأخلاقي”، أثناء زيارتها لطهران مع أسرتها. شرطة الأخلاق هذه مكروهة على نطاق واسع في البلاد، وخصوصًا من قبل الشباب الإيرانيين، بسبب مضايقتها للنساء في الأماكن العامة ومعاييرها التعسّفية لفرض قانون الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية. في حين أن وجود دوريات التوجيه في الشوارع الإيرانية قد خفّ وتضاءل على مرّ السنين، فقد كثّفت تحرّكاتها خلال العام الأول لرئيسي في المنصب.

الواقع إن الوقوع في قبضة دوريات التوجيه يُمثّل تجربة مروعة للنساء الإيرانيات. غالبًا ما يكون ضباطها عدوانيين، حيث يُجبرون النساء على ركوب شاحنات صغيرة ونقلهن إلى مراكز الشرطة لملء حصص الاعتقال اليومية. تُعامَل النساء المُحتَجَزات كمُجرمات، وعادة ما يتم احتجازهن لساعاتٍ قبل إطلاق سراحهن إلى أحد الأقارب بشرط دفع غرامات و/ أو حضور “دروس إرشادية”. تخرج نساء كثيرات من تجربتهن مع شرطة الأخلاق مصدومات جراء الإذلال الذي يشعرنَ به الأمر الذي يُشعل فيهن الغضب الشديد تجاه النظام السياسي الذي أخضعهن لهذه المعاملة.

أثبتت تجربة أميني مع شرطة الأخلاق أنها قاتلة. أثارت صورها على سرير المستشفى وهي في غيبوبة بعد احتجازها على الفور موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية. وزعمت السلطات أنها لم تتعرّض للضرب وأصدرت لها لقطات مُصَوَّرة بكاميرا الدائرة المغلقة وهي تمشي في مركز الشرطة قبل أن تفقد وعيها. لكن والدها نفى رواية الحكومة بأنها كانت تعاني من مشاكل صحية سابقة. علاوة على ذلك، ذكرت تقارير عن تعرّضها للضرب أثناء توقيفها ونقلها إلى مركز الاحتجاز.

الغضب المكبوت تجاه شرطة الأخلاق ينتشر الآن في شوارع المدن في جميع أنحاء إيران. تُظهر مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي على مدى الأسبوعين الماضيين نساءً يتحدّين علنًا قانون الحجاب، سواء من طريق حرق غطاء الرأس بالنار أو إزالته في الشارع. وأظهرت مقاطع فيديو أخرى اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث استخدمت الأخيرة الذخيرة الحية وقذائف الحبيبات والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات. في الوقت نفسه، أغلقت الحكومة الوصول إلى الإنترنت في طهران والمدن الكبرى الأخرى، كما تفعل غالبًا في أوقات الاحتجاج.

لكن على الرغم من قمعها، فقد خسرت الحكومة الإيرانية بالفعل المعركة الأكبر عندما يتعلق الأمر بمحاولة السيطرة على حياة الشعب الإيراني والتعبير عنه. الحقيقة هي أن قانون الحجاب الإلزامي للجمهورية الإسلامية والرقابة عليه هما سياستان مهزومتان. لقد تمردت أجيال عديدة من الإيرانيين على قانون الحجاب، وتجاوزوه قدر الإمكان في مواجهة جهود شرطة الأخلاق لفرضه. حتى أن العديد من الإيرانيين المتدينين يعارضون فرض الحجاب بالقوة، مع انتشار وسم “أنا مُحَجّبة وأُعارِضُ شرطة الأخلاق” أخيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية. بعبارة أخرى، سيستمر القانون فقط في توليد الاستياء والعداء.

خلال حملته الرئاسية، أعطى رئيسي الانطباع بأنه سيتخلّص من شرطة الأخلاق. خلال مناظرة متلفزة في حزيران (يونيو) 2021، ذكر أنه تحت إشرافه ستكون هناك “دوريات توجيه” مُكلَّفة بالإشراف على الفساد لدى المسؤولين الحكوميين بدلًا من الملابس النسائية. لكن العام الأول من رئاسته شهد عودة شرطة الأخلاق إلى الشوارع بقوة أكبر مما كانت عليه في عهد سلفه البراغماتي، الرئيس السابق حسن روحاني.

في الواقع، على الرغم من خطاب حملته، وافق رئيسي على تدابير لتشديد تطبيق قانون الحجاب، بما في ذلك الصور التي تنشرها النساء على وسائل التواصل الاجتماعي. كما قال مسؤولون حكوميون أخيرًا إنهم يخططون لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية التعرّف على الوجه للتعرّف على النساء اللواتي يُعتَقَدُ أنهنَّ يرتدين “حجابًا غير لائق” في الأماكن العامة. إن مضاعفة إدارة رئيسي لهذه السياسة غير الشعبية يعكس نهجها المتشدد الأوسع نطاقًا عندما يتعلق الأمر بالتسوية على الصعيدين المحلي والدولي.

مقاومة النظام للتغيير

شهدت السنة الأولى من رئاسة رئيسي احتجاجات كبيرة من قبل فئاتٍ مختلفة – بما في ذلك المزارعين والعمال والمُدرّسين. لم تكن شكاويهم جديدة، وتأتي في أعقاب احتجاجات كبيرة في إيران خلال العام الأخير من رئاسة روحاني. لسنوات، كانوا يطالبون الحكومة بمعالجة مشاكلهم المتعلقة بالتوزيع غير العادل للمياه والأجور المنخفضة أو غير المدفوعة. لكن السلطات قاومت حتى تحوّلت هذه المظالم إلى احتجاجات في الشوارع. عندها فقط استجابت الحكومة جُزئيًا لمطالب المُحتجّين، وفي الوقت نفسه قامت بتفريق الاحتجاجات بالعنف.

هذا النهجُ هو الرد الافتراضي للمؤسسة الحاكمة في إيران على الضغوط المحلية والأجنبية. إنه ينبع من عقلية أن الاستسلام للضغط سيُعتَبَر علامة على الضعف ويدعو إلى مزيد من الضغط. في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ينظر المسؤولون الإيرانيون إلى السياسات الأميركية – مثل قرار إدارة دونالد ترامب بالتراجع عن الاتفاق النووي لعام 2015 – على أنها تُعزّز هذه النظرة العالمية.

في حين أن التغيير السابق لواشنطن بشأن الاتفاقية لا يزال السبب الرئيس الذي يجعل إيران تشعر بالقلق من العودة إليها اليوم، ترغب طهران أيضًا في إعادة الدخول في الصفقة من موقع أقوى، حيث قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إن “الاندفاع” مرة أخرى خلف الاتفاق سيكون مُكلفًا للبلاد. لا ينحصر قلقه الرئيس في إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة مرة أخرى فحسب، بل في إن واشنطن ستطالب بتنازلات أكبر بشأن قضايا أخرى إذا أبدت إيران شعورًا باليأس والضعف. في الواقع، كان أسلوب عمل خامنئي هو الرد على الضغط الأجنبي من خلال عدم المرونة والإنتقام. في ما يتعلق بالمسألة النووية، واجهت إيران العقوبات الأميركية بضغوط من جانبها، في شكل توسيع مستمر لبرنامجها النووي وتقليص وقت اختراق أسلحتها النووية، مع تكثيف العمليات العسكرية السرية في جميع أنحاء المنطقة في الوقت نفسه.

على الجانب الداخلي، كانت عقلية القيادة الإيرانية هي أيضًا أن الإذعان للمطالب العامة هو منحدر زلق. خوفها هو أن يؤدي ذلك إلى مطالب أكبر، وفي النهاية سقوطها. على هذا النحو، قاومت الجمهورية الإسلامية الإصلاحات الرئيسة ولم تقدم سوى تنازلات جزئية بشأن مطالب محددة عندما أجبرتها الاحتجاجات على القيام بذلك. في قضايا مثل قانون الحجاب الإلزامي، وهو جوهر هوية الجمهورية الإسلامية وعلامتها الإسلامية، سيكون من الصعب على النظام التنازل، حتى في مواجهة الاحتجاجات الحالية.

على أي حال، قد يكون الأوان قد فات لتهدئة مستوى الغضب العام في جميع أنحاء البلاد. تظهر الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ أسبوعين، أن أسلوب الحكم المتصلب والبارانويا للجمهورية الإسلامية أصبح نبوءة تتحقق ذاتيًا، حيث يتصاعد الغضب العام بمرور الوقت وينفجر في اضطرابات. ويبدو أن المؤسسة الدينية الإيرانية لم تتعلّم من دروس سقوط الشاه.

  • سينا توسي هي زميلة كبيرة غير مقيمة في مركز السياسة الدولية. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @SinaToossi.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى