في ترشّح جعجع

راشد فايد*

لن يقدّم أو يؤخر تأييدي ترشّح، أو ترشيح، الدكتور سمير جعجع لتولّي رئاسة الجمهورية، فما أنا بنائبٍ في المجلس التشريعي، وصوتي كمواطن، وكإعلامي، ضائع لا محالة في ضجيج المُماحكات السياسية، التي تدل سابقاتها، منذ الإستقلال إلى يومنا الراهن، إلى أن الرئيس في لبنان، في المواقع الثلاثة الدستورية العليا، ليس صنيعة العنفوان الوطني، وإن كان المعنيّون يجهدون لإسباغ هذه المسحة عليه. فهو يأتي، باستمرار، نتيجة توازناتٍ إقليمية ودولية، فيما المحلّي منه ليس سوى بيدقٍ في شطرنج، أي محدود الدور والتأثير، حتى في انتخاب ميشال عون، وبرغم بروز “حزب الله” كقوّة مُسلّحة فإن حركته كانت مُثقلة بالمصالح الإيرانية، التي يعمل في المنطقة لحسابها، من بيروت الى دمشق وبغداد وصنعاء.

الحال على ما هي عليه منذ الشيخ بشارة الخوري إلى ميشال عون، أي على امتداد نحو 80 عامًا، وكانت الغلبة للون السياسي المحلّي، لمرة واحدة، مع انتخاب الرئيس سليمان فرنجية الجدّ الذي فاز بفارقِ صوتٍ واحد، بعد غضب الاتحاد السوفياتي من كشف “الشعبة الثانية” أي “المكتب الثاني”، فضيحة محاولة عميلين سوفياتيين خطف طائرة “ميراج” فرنسية كانت في عداد طائرات سلاح الجو اللبناني التي اشتراها لبنان من الدولة الفرنسية. كان هدف الخطف تفكيك الطائرة واستنساخ تقنية عملها.

تكمن خطورة الحادث في أنهُ أخرج الشهابيين من الرئاسة الأولى في لبنان في العام 1970 بعدما غضبَ الزعيم الراحل كمال جنبلاط، على رغم قربهِ من الشهابية، من تصرف “الشعبة الثانية”، وقرر ترك الحرية التامة لأعضاء كتلته البرلمانية في انتخابات الرئاسة، تضامنًا مع موسكو والزعيم المصري جمال عبد الناصر، و”المقاومة الفلسطينية”.

شهدت الجلسة، للمرة الأولى في تاريخ مجلس النواب وانتخابات الرئيس، إشهار أحد الحاضرين سلاحه الفردي لمنع تغيير النتيجة. أما المرة الثانية لاستخدام السلاح في انتخاب الرئيس الأول فهي عند فرض ميشال عون، ليس بسلاح من أنصاره، بل بسلاح يسميه أصحابه بـ”سلاح المقاومة” وهو فعليًا “سلاح ميليشيا” احتلّت وسط العاصمة لقتل موقعها كقلبٍ للوطن، ولمحو دورها في وحدة أبنائه، وهو ما يلمسه كل لبناني يأتي إليها، فيرى فيها مجموعة أبنية بلا روح.

عمليًا، رسم جعجع، بترشيحه، السقف الأعلى لمعركة الرئاسة، وفتح الباب أمام مَن يُريد أن يتقدّم تحت هذا السقف، واللافت أن بين الخصوم مَن يصف هذا الترشيح بأنه إعلان حرب، فيما صاحبه لم ولن ينوي استخدام القوة المُسلّحة للوصول إلى بعبدا، على عكس الرئيس الحالي، الذي “استبسل” لدخول قصر بعبدا، مُنقلبًا على نفسه إلى حدّ تبجيل أهل السلاح الذين كان يهاجمهم الى حد التخوين واللاوطنية.

توصيف الترشّح بأنه إعلان حرب ليس إلّا تتويجًا لسعي الحزب إلى اسقاط ما بقي من الممارسة السياسية الديموقراطية، واحترام حق المُواطنة، وتعطيل مستعجل لدور مجلس النواب الدستوري، كأنما لا يكفي اللبنانيين اعتداءات الحزب إيًاه منذ شهَر قمصانه السود، ووسم نفسه بالضحية فيما اعتدى في 7 أيّار/ مايو 2008 على الجبل وبيروت، ورمى أهلهما بالخيانة الوطنية بينما جاهر بتبعيته لايران، ومدّ شبكة اتصالاته الأرضية برغم أنف الدولة، وفرض عليها تحالفاته الإقليمية، وأقام مربعاته الأمنية، وهدّد القضاء، وكلها أعتداءات على السلم الأهلي تدخل لائحة “مآثره الوطنية”، التي تجعله يرى في ترشّح جعجع إشهار حرب أهلية، ولا يرى في هيمنته على الدولة والأرض تدميرًا للصيغة اللبنانية، يتوجّها بحربٍ استباقية على دور مجلس النواب كمرجعٍ لانتخابِ رئيسٍ جديد تفرضه التوازنات البرلمانية، إن لم يكن فعليًا بسبب التداخلات الدولية والإقليمية، فعلى الأقل مشهديًّا.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى