كيفَ تَعمَل الإمارات وإسرائيل والهند على إنشاءِ سلسلةِ إمدادٍ إقليمية جديدة
فيما يواجه العالم أزمة غذاء، وخصوصًا الفقير منه، تعمل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند بدعمٍ أميركي على إنشاء ممرٍّ غذائي لمساعدة الشرق الأوسط على مواجهة الأزمة.
ميخائيل تانخوم*
في الوقت الذي تواجه غالبية البلدان في جميع أنحاء العالم نقصًا في إمدادات المواد الغذائية الأساسية، تعمل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند على إنشاءِ ممرٍّ غذائي بين الهند والشرق الأوسط. ويَعتَمِدُ هذا الممر على سلسلةٍ قَيِّمة جديدة في غرب آسيا تتآزر فيها الدول الثلاث تجاريًا وتكنولوجيًّا لتشكيل ما يَعِدُ بأن يكون قوة جديدة لتصدير الأغذية. لقد تمَّ تشكيل سلسلة توريدٍ غذائية مَرِنة للقرن الحادي والعشرين تعتمد على تكنولوجيا مُبتكَرة وذكية مناخيًا، حيث يقوم هذا الممر الغذائي أيضًا بإعادة تشكيل العلاقات التجارية عبر الحافة الجنوبية لأوراسيا.
بالنسبة إلى واشنطن، فإن تطويرَ قوسٍ من الربط التجاري من ساحل بحر العرب في الهند إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة كمحور لها يوفر ثقلًا جيوسياسيًا موازنًا لتوسيع الوجود التجاري للصين عبر المحيطين الهندي والهادئ إلى الشرق الأوسط. في 14 تموز (يوليو) 2022 ، في قمة مجموعة “I2U2” أي (India, Israel, U.A.E., U.S.A.)، وهو الاجتماع الأول لقادة الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، ظهر ممرّ الغذاء بشكلٍ بارز، ما أدى إلى انطباعٍ خاطئ بأن الممرَّ هو عبارة عن منطقة جغرافية-اقتصادية لـ “رباعية شرق أوسطية” ترعاها أميركا. إن ممرَّ الغذاء بين الهند والشرق الأوسط ليس مُناهضًا للصين ولا هو مبادرة جديدة. في الواقع، كان الممرّ يتطوّر من دون أي تدخّلٍ أميركي على الإطلاق.
تعتمد الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لمشروع الممر الغذائي على الأدوار الحيوية ولكن المنفصلة التي تلعبها الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل فعليًا في تطوير أنظمة إنتاج وتوزيع الغذاء في الهند. هذه الأدوار أصبحت الآن متشابكة. إن تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية بعد توقيع “اتفاقات أبراهام” في أيلول (سبتمبر) 2020 يتيح الآن تعاونًا ثلاثيًا مدروسًا بين الإمارات وإسرائيل والهند. على الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت شريكة من خلال تنسيق قمة “I2U2″، إلّا أن القوة الاستراتيجية لممرّ الغذاء بين الهند والشرق الأوسط تنبع من حقيقة أنها تطورت عضويًا بين البلدان الآسيوية الثلاثة نفسها، من خلال القطاع الخاص، واستثمارات المشاريع المشتركة التي تمت “زراعتها” بعناية من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. على الرغم من أنها لا تتطلّب من واشنطن التبرّع، إلّا أن مشاركة الولايات المتحدة في الممر يمكن أن تكون مفيدة لها إذ أنها تسعى إلى تعزيز وجودها في البنية الاستراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
أصول ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط
عُقِدَ الاجتماع الأول لقادة مجموعة “I2U2” في مؤتمر عبر الفيديو خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، كجُزءٍ من جولته في الشرق الأوسط التي استمرت أربعة أيام. سعت قمة “I2U2″، التي جمعت بين رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، والرئيس بايدن، إلى تعزيز الاستثمار المشترك في قطاعات الغذاء والمياه والطاقة والنقل والصحة والفضاء. كانت الاستثمارات المشتركة في الأربعة الأولى من هذه القطاعات تحدث بين الإمارات والهند وكذلك بين إسرائيل والهند على مدى السنوات الخمس إلى العشر الماضية وهي تدعم بالفعل مشروع الممر الغذائي. المبادرة المميزة لقمة “I2U2” هي استثمار الإمارات مبلغ 2 ملياري دولار في بناء مجمعات غذاء في الهند والتي ستستخدم تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا المصنوعة في إسرائيل والولايات المتحدة، والتكنولوجيا النظيفة، وتقنيات الطاقة المتجددة من أجل، على حد تعبير البيان المشترك للقمة، “المساعدة على زيادة غلة المحاصيل، وبالتالي المساعدة في معالجة انعدام الأمن الغذائي في جنوب آسيا والشرق الأوسط”. كانت مجمعات الغذاء بالفعل جُزءًا لا يتجزّأ من الخطة اللوجستية لدولة الإمارات العربية المتحدة لممر الغذاء منذ العام 2019. شكّلت حلول التكنولوجيا الزراعية والتكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة الإسرائيلية عنصرًا حاسمًا في قطاع إنتاج الغذاء في الهند لفترة أطول.
نشأ ممر الهند-الشرق الأوسط الغذائي في التكامل بين الحاجة الاستراتيجية لدول الخليج العربي لضمان أمنها الغذائي وضرورة الهند الإستراتيجية لزيادة قيمة إنتاجها الغذائي. الهند هي ثاني أكبر مُنتج للأغذية في العالم عند قياسها بمحتوى السعرات الحرارية ولكنها تحتل المرتبة الرابعة عند قياسها من خلال القيمة الإجمالية للإنتاج الزراعي، ما يعكس حقيقة أن الهند تعالج أقل من 10٪ من إنتاجها الزراعي. يعمل أكثر من واحد من كل 10 أفراد من القوى العاملة الهندية في قطاع معالجة الأغذية. لذلك، تتضمن اثنتان من أهم الأولويات الإستراتيجية في نيودلهي تطوير معالجة غذائية ثانوية ذات قيمة مضافة أعلى، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية التي تمنع فقدان التوزيع من خلال التكامل الفعّال من المزرعة إلى منافذ البيع بالتجزئة.
في العام 2017، وقّعت الهند 14 اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة مع الإمارات العربية المتحدة، ثالث أكبر شريك تجاري للهند وجارتها في بحر العرب. ومن بين اتفاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة، هناك ثلاث اتفاقات تناولت الأولويات الغذائية الاستراتيجية للهند من خلال إنشاء أطر تعاون إماراتية-هندية في تصنيع الأغذية، والنقل البحري، ولوجستيات الشحن والتخزين. هذه الاتفاقات هي بمثابة نقطة انطلاق لتطوير دولة الإمارات للبنية التحتية اللوجستية والتوزيع للممر.
الإمارات: مُحرّك الخدمات اللوجستية والتوزيع في ممر الغذاء
في العام 2019، أي قبل عامين من انقطاعات الإمدادات الغذائية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد في العام 2021 وقبل فترة طويلة من صدمات الإمدادات الغذائية الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا في العام 2022، أشركت الإمارات الهند في إنشاء مشروعٍ ضخم بقيمة 7 مليارات دولار لإنشاء ممر الهند-الإمارات الغذائي لضمان الأمن الغذائي لدولة الإمارات ودول الشرق الأوسط الأخرى، وبالتالي تحقيق العديد من التزامات اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة.
اتخذت مبادرة الممر شكلها عندما تولّت مجموعة إعمار العقارية العملاقة التي تتخذ من دبي مقرًّا لها في أيلول (سبتمبر) 2019 مهمة تنسيق استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار في الممر من قبل مختلف الكيانات الإماراتية. تم تخصيص ما يقرب من 70٪ من هذه الأموال للاستثمار في مجمّعات الغذاء الضخمة في مختلف المدن الهندية. يبدو أن الاستثمار الإماراتي البالغ قيمته 2 ملياري دولار في مجمعات الغذاء الذي تم الإعلان عنه في البيان المشترك في قمة “I2U2” لعام 2022 هو إعادة تغليف لجُزءٍ من مبادرة 2019. تم تخصيص ما تبقى من 7 مليارات دولار من المبادرة للزراعة التعاقدية، وتوريد السلع الزراعية، والبنية التحتية ذات الصلة.
كجُزءٍ من مبادرة 2019، بدأت غرفة تجارة دبي المساعدة على التنسيق بين الكيانات الإماراتية والهندية في إنشاء بنية تحتية لوجستية مُخصَّصة لممر الغذاء. بدأت موانئ دبي العالمية، رائدة سلسلة التوريد العالمية ومقرها دبي، في قيادة الجهود المبذولة لتوفير حلول سلسلة التوريد المتكاملة لنقل المواد الغذائية وتخزينها لتمكين الممر من العمل. في السابق، في العام 2018، وضعت موانئ دبي العالمية والصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية في الهند، صندوق الثروة السيادية الهندي، الأساس لهذه الاستثمارات عندما شكّلا منصة استثمار في الموانئ واللوجستيات بقيمة 3 مليارات دولار تُدعى “هندوستان إنفرالوغ برايفِت ليمتِد” [Hindustan Infralog Private Limited]. تمتلك موانئ دبي العالمية 65٪ من الأسهم والصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية في الهند لديه 35٪ من هذه المنصة. لإنشاء بنية تحتية متكاملة للنقل لدعم التكامل عبر بحر العرب، كان أول استثمار لشركة “هندوستان إنفرالوغ برايفِت ليمتِد” هو الحصول على 400 مليون دولار من حصةٍ مُسَيطِرة في شركة “كونتيننتال ويرهاوسِن كوربورايشن” (Continental Warehousing Corporation)، وهي شركة لوجستية رائدة متعددة الوسائط منتشرة في عموم الهند.
تدير موانئ دبي العالمية إحدى محطات الحاويات الرائدة في ميناء جواهر لال نهرو على ساحل بحر العرب في مومباي، والذي يتعامل مع حوالي 50٪ من شحنات الحاويات في الهند. في كانون الثاني (يناير) 2021، بدأت موانئ دبي العالمية بناء منطقة تجارة حرة على بعد 3 أميال (5 كلم) فقط من ميناء جواهر لال نهرو، مع 93,000 متر مربع من التخزين المُغَطّى، والمستودعات التي يتم التحكّم في درجة حرارتها، ومرافق مناولة البضائع على أحدث طراز، مُصمَّمةً للمساعدة على تحفيز تكامل ممر الغذاء.
وبالمثل، أعلنت مجموعة شرف التي تتخذ من دبي مقرًا لها، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، أنها تخطط لاستثمارٍ يزيدُ عن مليار دولار في ممر الغذاء. مجموعة شرف، التي تعمل في أكثر من 40 دولة وتحتفظ بعمليات متنوعة في قطاعات الشحن والخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد وتجارة التجزئة، استثمرت بالفعل أكثر من 300 مليون دولار لبناء خدمات البنية التحتية اللوجستية والتخزين التي ستدعم ممر الغذاء. ومجموعة اللولو لتجارة التجزئة التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، والتي تنتج وتستورد حاليًا الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم من الهند، تشارك في إنشاء الممر، وكذلك الشركات الإماراتية الأخرى.
مع احتمال مضاعفة تجارة المواد الغذائية بين الإمارات والهند بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول العام 2025، يسعى الممر إلى ربط مزارع الهند من خلال سلسلة قيِّمة لإنتاج الغذاء بالكامل بموانئ الإمارات العربية المتحدة. أنشأ مركز دبي للسلع المتعدّدة منصّة تجارية زراعية تُسمّى “أغرِيوتا” (Agriota) لربط المزارعين الهنود بشركات الأغذية في الإمارات العربية المتحدة. ستكون دولة الإمارات قادرة على شراء الحبوب الغذائية والفواكه والخضروات مباشرة من المزارعين في الهند لتسليمها إلى مرافق تجهيز المجمّعات الضخمة التي تمولها الإمارات والتي يتم إنشاؤها في الدولة. تقدر وزارة الاقتصاد الإماراتية أن مليوني مزارع هندي سيستفيدون من الممر الغذائي، والذي سيخلق ما يقدر بنحو 200 ألف فرصة عمل إضافية.
إسرائيل: مركز التكنولوجيا الزراعية والابتكار لممر الغذاء
إن طموح الهند في أن تكون سلة غذاء للشرق الأوسط وأبعد منه يعتمد بشكلٍ أساس على قدرتها على زيادة إنتاجها الزراعي، الأمر الذي يتطلب بدوره إدارة دقيقة لمواردها المائية. بالتوازي مع مشاركة الهند مع الإمارات العربية المتحدة، تقدم شراكات التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية والتكنولوجيا النظيفة مع الهند دعمًا محوريًا للدولة الواقعة في جنوب آسيا لتحقيق كلا الهدفين. بين العامين 2012 و2015، أنشأت إسرائيل 29 مركزًا زراعيًا متميّزًا في جميع أنحاء الهند كمنصة للنقل السريع للتكنولوجيا وأفضل الممارسات. في العام 2019 وحده، تلقى ما يقدر بنحو 150 ألف مزارع هندي تدريبات في هذه المراكز. إلى جانب مبادرات التنمية الحكومية، فقد لعبت الشركات الزراعية الإسرائيلية دورًا تحويليًا في قطاعي الزراعة وإدارة المياه في الهند.
شركة حماية المحاصيل الإسرائيلية “أداما أغريكولتشورال صولوشنز” (ADAMA Agricultural Solutions) هي واحدة من أكبر الشركات الهندية في هذا المجال، وتدير مصنعًا للتركيبات في ولاية غوجارات ومركزًا للبحث والتطوير في حيدر أباد. الهند هي أكبر مُصدّر للأرز في العالم، حيث تبيع أكثر من المصدرين الأربعة الأوائل الكبار للأرز مُجتمعين، وتُمثّل 40٪ من تجارة الأرز العالمية. لسنواتٍ عدة، عملت شركة “إيفوجين” (Evogene) الإسرائيلية مع شركة “راسي سيدس ليمتد” (Rasi Seeds Ltd) الهندية لتحسين جودة وإنتاج الأرز الهندي. أطلقت الشركة الإسرائيلية الرائدة في مجال الهياكل الزراعية للزراعة الجديدة، “بروفي أغرو ليمتد” (ProFit Agro Ltd)، أول نظام طوافة مائية هندي (Hydroponic Raft System) في بنغالورو في العام 2019، مما ساعد على دفع الهند نحو الزراعة الصناعية. يمكن أن تساعد التقنيات المتطورة المختلفة التي تُعتَبَر فيها إسرائيل رائدة في صناعتها، مثل التسميد والمنشطات الحيوية، على التخفيف من الأضرار التي تلحق بالمحاصيل الزراعية بسبب الحرارة الشديدة والجفاف الناجم عن المناخ، مثل الطقس القاسي الذي شهدته الهند هذا الربيع. أدّى الانخفاض بنسبة 15٪ فيما كان يمكن أن يكون عائدًا قياسيًا، إلى قيام الهند بحظر صادرات القمح بما يتجاوز مبيعات الصادرات القائمة أصلًا على الائتمان والاتفاقات بين الحكومات.
إن مساهمة إسرائيل في الممر الغذائي مستمدة أيضًا من التعاون الإسرائيلي-الهندي في التقنيات المبتكرة والترويج للشركات الناشئة. في حين أن العديد من أكبر الشركات الهندية قد استثمرت في النظام الإيكولوجي للابتكار في إسرائيل على مدى السنوات العديدة الماضية، لعبت إسرائيل دورًا رئيسًا في تطوير النظام البيئي للابتكار في الهند. تأسّس المركز الدولي لريادة الأعمال والتكنولوجيا في الهند، الحاضنة الفوقية المعروفة باسم “آي كريايت” (iCreate)، في العام 2018 بمشورة ودعم من هيئة الابتكار الإسرائيلية وأصحاب المصلحة الإسرائيليين من القطاع الخاص. تلقى الابتكار والتعاون التكنولوجي بين الشركات الناشئة والشركات من البلدين دفعة إضافية من اتفاقية التعاون في أيلول (سبتمبر) 2020 المُوَقَّعة بين “آي كريايت” (iCreate) ومنصّة “ستارت-آب نايشِن سنترال” (Start-Up Nation Central) غير الربحية في إسرائيل.
أنتجت العلاقة الوثيقة بين نظامَي الابتكار الإسرائيلي والهندي مشروعًا مشتركًا لتصنيع المعدات الزراعية الذكية مناخيًا في الهند والتي تُشكّل طبقة داعمة إضافية لتكامل ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط. في العام 2018، تم تسهيل شراكة مشروع مشترك بين شركة “فيودا” (Vyoda) الهندية الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية والشركة الإسرائيلية الناشئة “أغروسولار إرِّغايتن سيستَمز” (Agrosolar Irrigating Systems) بتمويلٍ من صندوق البحث والتطوير الصناعي الهندي-الإسرائيلي وصندوق الابتكار التكنولوجي، وهو نفسه مشروع مشترك بين دائرة العلوم والتكنولوجيا الحكومية الهندية وسلطة الابتكار الإسرائيلية. قامت شركة “أغروسولار” سابقًا بتطوير نظام ضخّ ورَيّ يعمل بالطاقة الشمسية خارج الشبكة للسماح للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة برَيِّ 2.5 إلى 5 فدادين (1-2 هكتار) خلال موسم الجفاف. افتتحت شركة “فيودا”، وهي شركة تابعة ل”مجموعة أن آر” (NR Group) الهندية، منشأة بحثٍ وتطوير في تل أبيب للاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في تطوير المنتجات الزراعية والمبتدئة. في العام 2020، صنعت الشركتان 50 وحدة تجريبية، تم تركيب العديد منها في مزارع في ولاية كارناتاكا الهندية. بدأت “فيودا” في إنتاج الأنظمة في مصنع جديد في ميسورو، كارناتاكا، للبيع في الهند وأماكن أخرى.
وبالمثل، أنشأت شركة “ميتزِر” (Metzer) الإسرائيلية المُصنِّعة لأنظمة الري بالتنقيط وشركة تصنيع خطوط الأنابيب الهندية “سكيبر” (Skipper) منشأة إنتاج لبناء مكوّنات نظام الري بالتنقيط كمشروع مشترك 50-50. بدأ تشغيل المصنع المخصص الموجود داخل موقع إنتاج “سكيبر” في حيدر أباد في نيسان (إبريل) 2020 بقدرة سنوية أولية لبناء 88 مليون متر من منتجات الري بالتنقيط والري بالرش للبيع في الهند والأسواق الآسيوية الأخرى. تشكل تقنية الري بالتنقيط الإسرائيلية جُزءًا أساسيًا من استراتيجية الهند للتعامل مع نقص المياه المتزايد الذي يجبر مزارعيها على إيجاد بدائل للري بالغمر، حيث لا يصل 50٪ من المياه المطبقة أبدًا إلى المحصول.
المستقبل الثلاثي
في شباط (فبراير) 2022، وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند تلغي التعريفات الجمركية على حوالي 90٪ من المنتجات المتداولة بشكل متبادل. وأعقب الاتفاق التجاري الإماراتي-الهندي، في أيار (مايو) 2022، بتوقيع اتفاقية تجارة حرة مماثلة بين الإمارات وإسرائيل ستشهد إزالة الرسوم الجمركية على حوالي 96٪ من البضائع المتداولة. منذ اتفاقات أبراهام، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل 2.45 ملياري دولار، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية في الربع الأول من العام 2022 مليار دولار. ومن المتوقع أن تعزز اتفاقية التجارة الإماراتية-الإسرائيلية تلك التجارة بمقدار 10 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.
مهّدَ إبرام الاتفاقيتين التجاريتين الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والهند لبدء تنسيقٍ ثُلاثي في تطوير ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط. كما أشار سفير إسرائيل في الهند بعد توقيع الاتفاقية التجارية الثانية، إلى أن اتفاقية التجارة الإماراتية-الهندية واتفاقية التجارة الإماراتية-الإسرائيلية تحملان “إمكانية التعاون الثلاثي المكثف والشراكات التجارية”. كان عقد حوار ثلاثي بين رؤساء حكومات الإمارات وإسرائيل والهند الخطوة التالية الطبيعية والمنطقية في النهوض بمشروع الممر الغذائي. من هذا المنظور، كان الجانب الجديد لقمة “I2U2” في 14 تموز (يوليو) 2022 هو الشكل الرباعي بمشاركة الولايات المتحدة. كان إعلان إسرائيل في اليوم نفسه عن منحها مناقصة شراء ميناء حيفا إلى كونسورتيوم بقيادة شركة موانئ هندية بمثابة مؤشّر قوي على أن ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط يمتلك زخمه التجاري ومنطقه الاقتصادي.
يعد التشكيل الثلاثي الإماراتي-الإسرائيلي-الهندي بمستقبلٍ قوي ويمكن أن يكون بمثابة أساس لتكوينٍ تجاري أكبر في النصف الغربي من المحيطين الهندي والهادئ مع إضافة دول الخليج العربي الأخرى، أو مصر، أو دول من منطقة القرن الأفريقي الأوسع. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تُعَدُّ المشاركة في ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط مطلبًا استراتيجيًا، وتشكل جُزءًا مهمًا من نهج واشنطن تجاه بحر العرب ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع.
- البروفِسور مِيخائيل تانخوم هو زميل غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط. يُدَرِّس في جامعة نافارا، وهو زميل كبير في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية. يودّ الكاتب أن يشكر ماريا فيكتوريا أندارسيا على مساعدتها البحثية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @michaeltanchum
- كُتِبَ هذا البحث بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.